أعادت التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية السوداني، الدكتور علي يوسف، خلال مؤتمر صحافي عقده في العاصمة الروسية موسكو في الأسبوع الثاني من فبراير/شباط 2025، إثارة النقاشات حول طبيعة التقارب المتنامي بين السودان وروسيا، وتداعياته الجيوسياسية في منطقة البحر الأحمر.
جاءت هذه التصريحات ردا على سؤال حول مصير المفاوضات المتعلقة بمشروع إقامة قاعدة عسكرية روسية على السواحل السودانية المطلة على البحر الأحمر، وهو الملف الذي ظل محل تحليلات دولية مكثفة نظرا لأهمية المنطقة الاستراتيجية، التي تعد ممرا حيويا للتجارة العالمية وتشهد تنافسا بين القوى الكبرى.
أكد الوزير يوسف في إجابته الموجزة: "نحن متفقون تماما في هذا الموضوع، ولا توجد أي عقبات... لا توجد عقبات، نحن متفقون تماما"، قبل أن يختتم حديثه بتصريح غامض أضاف إليه: "لا يوجد لدي شيء لأضيفه حول هذا الموضوع". هذه العبارات، رغم اختصارها، أعادت إشعال الأسئلة وإثارة قلق كثير من الأطراف حول مدى تقدم سير المفاوضات والتفاهمات لتحويل مشروع القاعدة البحرية الروسية إلى حقيقة. لا سيما في ظل التحديات السياسية التي فرضها وضع الحرب في السودان، والضغوط الدولية المحتملة التي قد تواجهها الحكومة السودانية من الغرب في حال المضي قدما في التقارب مع موسكو وتأسيس القاعدة. ولهذا فربما تبدو الطبيعة المقتصبة لتصريحات وزير الخارجية السودانية محاولة للتنصل من التصريح بمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع الحساس.
الشاهد أن روسيا قد احتفظت بعلاقات متوازية مع جانبي الحرب في السودان. فبينما استمرت علاقاتها الرسمية، ومبيعات الأسلحة وتبادل الزيارات مع الحكومة السودانية في العاصمة المؤقتة بورتسودان، استمرت أيضا في العلاقة مع ميليشيا "قوات الدعم السريع" عبر المشاركة المباشرة لعناصر قوات مجموعة "فاغنر" (أو "الفيلق الأفريقي" كم تمت إعادة تسميته) في القتال إلى جانب الميليشيا بالإضافة إلى الدعم التكتيكي وتوريد الوقود والمعدات وصواريخ أرض-جو إلى ميليشيا "الدعم السريع" عبر ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى التي تتمتع روسيا فيهما بنفوذ واسع. وكان طموح إنشاء القاعدة البحرية الروسية على سواحل البحر الأحمر السودانية على الدوام هو أحد محركات موسكو في علاقاتها مع السودان.
مشروع القاعدة البحرية الروسية في السودان هو مبادرة قديمة تم التوصل إلى اتفاق حولها في عام 2017، خلال زيارة الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير إلى روسيا. وخلال لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي، طلب البشير بشكل صريح حماية روسية ضد ما اعتبره تعاملا عدائيا من الولايات المتحدة تجاه نظامه.
بالإضافة إلى ذلك، قدم البشير لبوتين فكرة استخدام السودان كبوابة لتوسيع النفوذ الروسي في أفريقيا ومنطقة البحر الأحمر. وقد تم الاتفاق على إنشاء قاعدة بحرية لوجستية للقوات الروسية على الساحل السوداني المطل على البحر الأحمر، لتعزيز وجود روسيا العسكري في المنطقة. وكان الاتفاق أن تستوعب القاعدة على الدوام أربع سفن حربية تعمل بالطاقة النووية بالإضافة إلى طاقم أرضي للمهمات اللوجستية.