الانتخابات الألمانية... صعود اليمين المتطرف و"جاذبية" خطابه

تقدم لافت في استطلاعات الرأي

أ.ف.ب
أ.ف.ب
أبرز المرشحين في مناظرة تلفزيونية، برلين في 16 فبراير

الانتخابات الألمانية... صعود اليمين المتطرف و"جاذبية" خطابه

عندما يتوجه الألمان إلى صناديق الاقتراع في 23 فبراير/شباط، ستلعب قضية الهجرة دورا محوريا في تحديد توجهات الناخبين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية. وتشير جميع استطلاعات الرأي إلى أن فريدريش ميرتس، زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) ذو التوجه الوسطي اليميني، هو المرشح الأوفر حظًا للفوز.

منذ عام 2015، لا تزال الهجرة موضوعًا مثيرا للجدل في ألمانيا، حيث يعود ذلك إلى قرار المستشارة السابقة أنجيلا ميركل استقبال نحو مليون لاجئ، معظمهم فارون من الحرب الأهلية السورية. آنذاك، وصفت ميركل الأزمة بأنها "واحدة من أكبر التحديات التي تواجه أوروبا منذ عقود"، مؤكدةً أن قرار برلين بفتح أبوابها لعشرات الآلاف من اللاجئين المنهكين أظهر "الوجه الودود والجميل لألمانيا".

لكن هذا الكرم، الذي ساهم بالفعل في التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية، أصبح اليوم أحد العوامل التي عززت صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، وعلى رأسها حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD)، الذي يتبنى خطابًا شعبويا يمينيا، يعارض سياسات الهجرة المتساهلة ويرى في الاتحاد الأوروبي مشروعًا غير ضروري. وقد شهد الحزب ارتفاعا متزايدا في شعبيته، حيث تتوقع الاستطلاعات حصوله على عدد كافٍ من الأصوات قد يسمح له بالمشاركة في حكومة ائتلافية مع الاتحاد الديمقراطي المسيحي بقيادة ميرتس.

كان من المقرر إجراء الانتخابات في سبتمبر/أيلول المقبل، إلا أن انهيار التحالف الثلاثي الذي قاده المستشار الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتز منذ عام 2021 أدى إلى تقديم موعدها

كان من المقرر إجراء الانتخابات في سبتمبر/أيلول المقبل، إلا أن انهيار التحالف الثلاثي الذي قاده المستشار الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتز منذ عام 2021 أدى إلى تقديم موعدها. فقد تفكك الائتلاف، الذي ضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، والحزب الديمقراطي الحر (FDP)، وحزب الخضر، بسبب خلافات متزايدة حول الأداء الاقتصادي المتراجع والتحديات الأمنية. وتصاعدت الأزمة عندما أقال شولتز وزير المالية الليبرالي كريستيان ليندنر، الأمر الذي دفعه لاحقا إلى الدعوة لتصويت على الثقة في البرلمان، وهو يعلم مسبقا أنه سيفشل في اجتيازه. وبالفعل، أدى سحب الثقة إلى تبكير موعد الانتخابات إلى وقت لاحق من هذا الشهر.

برزت قضية الهجرة بقوة خلال الحملة الانتخابية، خاصةً بعد اتهام مهاجرين بتنفيذ هجومين داميين في مدينتي ماغديبورغ وآشافنبورغ. وتشير أحدث الاستطلاعات إلى تصدر تحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CDU/CSU) بقيادة ميرتس بنسبة تأييد تبلغ نحو 30%، يليه حزب البديل من أجل ألمانيا بأكثر من 20%، وهو تقدم لافت، إذ أصبح يتفوق على الحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة شولتز بفارق خمس نقاط، بعدما كان متأخرا عنه بـ 15 نقطة قبل أقل من ثلاث سنوات.

هذا الصعود المقلق لحزب البديل أثار مخاوف واسعة لدى مختلف التيارات السياسية، خصوصًا لدى ميرتس، الذي يسعى جاهدًا لمنع الحزب الشعبوي من جذب مزيد من أنصار الاتحاد الديمقراطي المسيحي. وقد عزز الحزب اليميني المتطرف موقعه بفضل دعم الملياردير الأميركي إيلون ماسك، مالك منصة X ، حيث قدّم له تأييدا علنيا واستضاف زعيمته، أليس فايدل، في نقاش مباشر على المنصة.

وفقًا لدراسة حديثة أجراها مركز "بيو"، فإن أحد العوامل الرئيسية في صعود حزب البديل هو تزايد شعبيته بين الشباب الألمان، إذ أظهرت البيانات أن 26% من الرجال في ألمانيا ينظرون إليه بإيجابية عام 2024، مقارنة بـ 11% فقط من النساء. كما ارتفعت نسبة الشباب المؤيدين للحزب بمقدار 10 نقاط منذ عام 2022.

رويترز
ملصقات انتخابية تحمل صورة لزعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف أليس فايدل

 

أحد العوامل الرئيسية في صعود حزب البديل هو تزايد شعبيته بين الشباب الألمان

وتعزز هذه النزعة الأرقام الواردة من استطلاعات الخروج في الانتخابات الأوروبية لعام 2024، حيث ارتفعت نسبة الناخبين الألمان الذين تقل أعمارهم عن 24 عامًا ممن صوتوا لحزب البديل إلى 16%، بزيادة 11 نقطة عن عام 2019.

ويعزو المحللون هذا الانجذاب المتزايد بين الشباب، خاصة الذكور، إلى مخاوفهم بشأن تزايد الهجمات التي يُتهم فيها طالبو اللجوء، وكان آخرها حادثة طعن مميتة لطفل صغير ورجل في إحدى حدائق مدينة آشافنبورغ البافارية.

لا شك أن تزايد نفوذ حزب البديل من أجل ألمانيا يُحدث تحولًا جوهريًا في المشهد السياسي، وهو ما دفع الاتحاد الديمقراطي المسيحي بقيادة ميرتس إلى اتخاذ خطوات غير مسبوقة في محاولة لاحتواء تأثير الحزب الشعبوي. ومن بين هذه الخطوات، قرار مثير للجدل بالسماح بتعاون محدود مع حزب البديل، رغم أنه كان يُعتبر سابقًا "خطًا أحمر" لدى الأحزاب الرئيسية.

جاء هذا التعاون في سياق تصويت غير ملزم حول أمن الحدود، مما اعتُبر خرقا للأعراف السياسية التي سادت في ألمانيا منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتي تقضي بعدم تعاون الأحزاب التقليدية مع اليمين المتطرف.

أثار هذا التحول انتقادات حادة في مختلف الأوساط السياسية، إذ شن شولتز هجومًا مباشرا على ميرتس، معتبرًا أن تعاونه مع حزب البديل يقوض القيم الديمقراطية. كما خرج مئات الآلاف إلى شوارع ميونيخ خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضية، في مظاهرات حاشدة ضد حزب البديل قبل الانتخابات المرتقبة.

وقدّرت السلطات الأمنية عدد المشاركين في احتجاجات ميونيخ بـ 250 ألف شخص، حيث أطلق المنظمون على الفعالية اسم "ميونيخ متعددة الألوان"، ورفع العديد من المتظاهرين شعارات مثل "الديمقراطية تحتاج إليك"، مطالبين الأحزاب التقليدية برفض أي شكل من أشكال التعاون مع حزب البديل. ووفقًا للمنظمين، هدفت هذه الاحتجاجات إلى إرسال رسالة قوية تؤكد دعم التنوع، وحماية الكرامة الإنسانية، وتعزيز قيم التضامن والديمقراطية.

ومع توقع حصول حزب البديل على نسبة كبيرة من الأصوات، وإبداء الاتحاد الديمقراطي المسيحي بقيادة ميرتس استعدادًا للعمل معه، فإن جميع المؤشرات تشير إلى أنه، ولأول مرة في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، سيتم تمثيل حزب يميني متطرف في البرلمان الألماني بشكل مؤثر في صناعة القرار.

font change