خطة ترمب لإعادة إعمار غزة والـ"ترانسفير"... خيال "ميتافيرسي"؟

أساسها ورقة بحثية اثارت حماسة الرئيس الأميركي وسعيه لتحويلها إلى واقع

 رويترز
رويترز
فلسطينيان ينتظران الحصول على مساعدات من الأونروا، بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس"، في خان يونس، في 4 فبراير 2025

خطة ترمب لإعادة إعمار غزة والـ"ترانسفير"... خيال "ميتافيرسي"؟

أثار اقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل الفلسطينيين من قطاع غزة لإعادة إعماره وتطويره صدمة في جميع أنحاء العالم. وقد قوبل الاقتراح بالرفض من العالم العربي وقسم كبير من المجتمع الدولي، لكنه حظي بترحيب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوصفه فكرة "يمكن أن تغير التاريخ"، و"تستحق الاستماع إليها بعناية"، و"أول فكرة أصيلة تُطرح منذ سنوات".

ويبدو وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب لم يعقد أي اجتماعات أو مناقشات أو يبحث أيا من الجوانب العملية أو القانونية وراء اقتراح أن "تتملك" الولايات المتحدة غزة وتنقل سكانها البالغ عددهم مليوني نسمة قبل أن يعلن ذلك في مؤتمر صحافي. بل إن إدارته لم تدرس ذلك الاقتراح والمستوى المحتمل لانخراط الولايات المتحدة به.

"غزة أفضل من موناكو"

هذا الاقتراح لم يأت من فراغ. فقد سبق لجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أن قال في 15 فبراير/شباط 2024، في مقابلة مع "مبادرة الشرق الأوسط" التابعة لكلية كينيدي للدراسات الحكومية في جامعة هارفرد: "يمكن أن تكون الواجهة البحرية في غزة ذات قيمة كبيرة". ودعا إلى نقل سكان رفح إلى مصر، بالإضافة إلى نقل المدنيين من غزة إلى النقب في إسرائيل لإخلاء المكان بعدما لم يتبق الكثير منه قائما، والتمكن من إنجاز إعادة البناء.

الخطوط العريضة للاقتراح، الذي كشف عنه ترمب عند استضافة نتنياهو في البيت الأبيض في 11 فبراير 2025، وردت في ورقة بحثية أعدّها البروفسور في جامعة جورج واشنطن جوزيف بلزمان في يوليو 2024

ويبدو أن تلك الفكرة لقيت صدى طيبا لدى دونالد ترمب عندما كان مرشّحا للرئاسة الأميركية. فقد أشار ترمب في مقابلة إذاعية بعد ذلك بثمانية أشهر، في ذكرى مرور سنة على هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى إن غزة يمكن أن تكون "من أفضل الأماكن في العالم"، لكن الفلسطينيين "لم يستغلّوا" موقعها الساحلي على البحر المتوسط. وزعم أنه كان هناك مع أنه لم يزر غزة قط. وأضاف أنها يمكن أن تكون "أفضل من موناكو" لأنها "أفضل مكان في الشرق الأوسط".

غير أن الخطوط العريضة للاقتراح، الذي كشف عنه ترمب عند استضافة نتنياهو في البيت الأبيض في 11 فبراير/شباط 2025، وردت في ورقة بحثية أعدّها البروفسور في جامعة جورج واشنطن جوزيف بلزمان في 21 يوليو/تموز 2024.  وقد أطلع عليها فريق ترمب، إذ طُلب منه التفكير خارج الصندوق بشأن ما يجب فعله لتسوية الوضع في غزة بعد انتهاء الحرب.

(BOT) لإعادة الإعمار بعد الدمار

عنوان الورقة هو "خطة اقتصادية لإعادة إعمار غزة: نهج البناء والتشغيل ونقل الملكية (BOT)". وقد نشرت في أكتوبر/تشرين الأول 2024.

رويترز
الفلسطينيون يعودون إلى شمال غزة خلال الهدنة بين إسرائيل وحركة "حماس"، 27 يناير 2025

طرحت الخطة نموذج البناء والتشغيل ونقل الملكية (BOT) لإعادة إعمار غزة بعد الدمار الذي لحق بها بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس. وتناولت إعادة إعمار غزة بوصفها مسألة اقتصادية وليست سياسية، وتعاملت مع المنطقة بمثابة كيان اقتصادي فاشل يتطلب استثمارات وإصلاحات هيكلية.

تقترح خطة ترمب قيام مستثمرين أجانب بتمويل إعادة إعمار غزة وإدارتها لمدة 50 عاما بموجب عقد إيجار قبل تسليم السيطرة إلى إدارة محلية

إلى ماذا ترتكز الخطة بحسب الورقة البحثية؟ هي تقوم على سبعة محاور رئيسية:

1. نموذج الاستثمار والإيجار الطويل الأجل

تقترح قيام مستثمرين أجانب بتمويل إعادة إعمار غزة وإدارتها لمدة 50 عاما بموجب عقد إيجار قبل تسليم السيطرة إلى إدارة محلية. وسيمتلك المستثمرون حصصاً في مشاريع التنمية، لضمان أن يكون لهم مصلحة في النجاح الاقتصادي لغزة. وسيتعاقد على الإدارة المدنية مع المستثمرين أو ممثليهم لتوفير الخدمات العامة. ويقاس نجاح المشروع بإنشاء نظام حكومة إلكترونية فعّالة ونموذج اقتصادي مستقرّ قبل استعادة السيادة.

2. الهيكل الاقتصادي والتنمية

يعاد بناء اقتصاد غزة حول ثلاثة قطاعات رئيسية: (أ) السياحة، بتطوير منتجعات فاخرة على شاطئ البحر المتوسط، وإنشاء فنادق ومطاعم ومراكز ترفيه على مستوى عالمي. (ب) الزراعة، بإنشاء مزارع عالية الإنتاجية وشبكات من الدفيئات الزراعية لتعزيز الاكتفاء الذاتي الغذائي، واستخدام الري الحديث وتحلية المياه للاستخدام المستدام للمياه. (ج) التكنولوجيا العالية، بإقامة مركز تكنولوجي لجذب الاستثمارات الأجنبية في مجال تكنولوجيا المعلومات وتطوير البرمجيات والأبحاث، وإقامة شراكات مع الشركات العالمية لتوفير فرص العمل والتدريب.

رويترز
عائدون إلى مدينة غزة وسط انقاض المباني المدمة، أثناء الهدنة بين إسرائيل وحركة حماس، 6 فبراير 2025

3. إصلاح التعليم والحوكمة

سيخضع نظام التعليم في غزة لإصلاح شامل، باتباع نموذج مماثل للنماذج في دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمملكة العربية السعودية. وستطور المناهج الدراسية تحت إشراف دولي وتواءم مع نموذج البكالوريا الدولية في سنغافورة. وسيستقدم معلمون دوليون للحلول مكان مديري التعليم الحاليين. ويهدف ذلك إلى التخلص من الأيديولوجيات المتطرفة وتوفير تعليم يركز على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لإعداد الشباب للوظائف في مجالات السياحة والزراعة والتكنولوجيا. وسيُعتمد نظام الحكومة الإلكترونية لتبسيط الإدارة والضرائب والمعاملات الاقتصادية.

 تقدّر تكلفة محطة لتوليد الكهرباء بالغاز الطبيعي لتوفير كهرباء مستقرة في غزة، والبنية التحتية وإصلاح شبكة الكهرباء واستيراد الغاز بـ 20 مليار دولار

4. تطوير البنية التحتية

استكمال أعمال الحفر في غزة لإزالة جميع الأنفاق العسكرية التي بنتها حماس تحت الأرض، وبناء مجمعات سكنية عالية الارتفاع على الجانب الشرقي من غزة للمدنيين، ومنح الأولوية للحلول السكنية الذكية المزودة بالطاقة الشمسية والمرافق الحديثة، وإقامة بنية تحتية سياحية تشمل منتجعات راقية ومطاعم ومراكز ترفيهية على الواجهة البحرية الغربية، وإنشاء شبكة مواصلات تقوم على نظام سكك حديدية حديثة فوق الأرض يحل محل المركبات الخاصة، وتنظيم وسائل النقل العام لزيادة الكفاءة وتقليل الازدحام.

5. إمدادات الطاقة والمياه

انتقال الطاقة في غزة إلى مصادر الطاقة الشمسية والغاز الطبيعي للتخلص من الاعتماد على إسرائيل. وبناء محطة لتوليد الكهرباء بالغاز الطبيعي لتوفير كهرباء مستقرة. وتقدّر تكلفة المحطة والبنية التحتية وإصلاح شبكة الكهرباء المدمّرة بالإضافة تكلفة استيراد الغاز الطبيعي من الولايات المتحدة و/أو أوروبا أو كليهما بـ 20 مليار دولار. وستنشأ محطات لتحلية المياه وتأمين المياه النظيفة للزراعة والاستخدام في المنازل.

رويترز
عائلة فلسطينة في وسط ركام منزلهم المدمر، في جنوب قطاع غزة 16 فبراير 2025

6. بناء ميناء ومطار

تفتقر غزة حاليا إلى ميناء بحري عامل، لذا سيبنى ميناء عميق المياه لخدمة التجارة والنمو الاقتصادي، وتقدّر تكلفته بين 16 مليون دولار في حال كان للصيادين فقط، أو 7 مليارات دولار اذا كان ميناء تجاريا ضخما. وسيخضع ذلك لاعتبارات سياسية وأمنية وليس اقتصادية. وسيحل مطار دولي جديد محل مطار الدهنية الدولي المدمر لربط غزة بالأسواق العالمية وتسهيل السياحة والصادرات.

7. الأمن والسيادة

يخضع الأمن في البداية لإدارة أصحاب المصلحة الدوليين الذين لهم مصلحة في النمو الاقتصادي في غزة. وستستبعد حماس والجماعات المسلحة بشكل دائم عن الحكم. وستعالج مسألة السيادة بعد 50 عاما، في أعقاب النجاح في إنشاء إدارة مدنية مستقرة ونظام قانوني. ستماثل هذه الإدارة نماذج مثل هونغ كونغ أو بورتوريكو، حيث يتمتع المستثمرون بإشراف قوي قبل الانتقال إلى الحكم المحلي.

عرفت اتفاقات أوسلو (1993-1995)، غزة بأنها "أرض متنازع عليها"، كذلك  لا يوجد في غزة حكومة معترف بها يمكنها منع التدخل الأجنبي

وإن السلطة التي يمكن بموجبها للولايات المتحدة (أو أي كيان أجنبي) أن تسيطر على غزة وتنقل سكانها وتعيد بناءها بموجب نموذج البناء والتشغيل والنقل كما هو مقترح في تقرير بلزمان هي سلطة مثيرة للجدل إلى حد كبير وتفتقر إلى أساس قانوني واضح بموجب القانون الدولي. ومع ذلك، يقترح التقرير العديد من المبررات أو الآليات الممكنة التي يمكن من خلالها فرض هذه السيطرة:

التكاليف المتوقعة والجدول الزمني

ستتراوح تكلفة إعادة الإعمار الضخمة لغزة ما بين 1 و2 تريليون دولار وستستغرق ما بين 5 و10 سنوات لإنجازها. وسيحصل المستثمرون على حصة مباشرة في غزة مع عقد إيجار مدته 50 عاما وحوافز لبناء وتشغيل بنية تحتية مدنية لحكم غزة بموجب تقديم القطاع الخاص للخدمات العامة.

رويترز
جنود إسرائيليون ودبابات في استراحة وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة "حماس"، 15 فبراير 2025

مسألة سيادة غزة وسيادة القانون: بموجب القانون الدولي، لا تزال إسرائيل هي المحتل العسكري الفعلي لغزة على الرغم من انسحابها منها في سنة 2005. أما اتفاقات أوسلو (1993-1995)، فقد عرّفت غزة بأنها "أرض متنازع عليها"، وليست دولة ذات سيادة. وقسمت الاتفاقات الأراضي الفلسطينية إلى مناطق (أ) و(ب) و(ج)، ومنحت إسرائيل السيطرة الكاملة على المنطقة (ج) التي تشمل أجزاء من غزة.كذلك، لا يوجد في غزة حكومة معترف بها يمكنها منع التدخل الأجنبي، كون حماس جهة غير حكومية، والسلطة الفلسطينية لا تملك سيطرة حقيقية على غزة.

وبموجب هذا المنطق، تستطيع إسرائيل أن تمنح الولايات المتحدة أو هيئة دولية سلطة إدارة غزة في إطار التسوية بعد الحرب. كما يمكنها (وربما التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة) أن تحتج بأن تأجير غزة لأغراض التنمية ترتيب اقتصادي وليس استعمارا. ويسوق التقرير سوابق قانونية للنموذج القائم على الإيجار، مثل منطقة قناة بنما التي خضعت للإدارة الأميركية يبن سنتي 1903 و1999؛ وبورتوريكو التي أصبحت أرضاً أميركية ذات حكم ذاتي محدود؛ وهونغ كونغ التي استأجرتها بريطانيا من الصين بين سنتي 1898 و1997.  

font change