فروق كثيرة تميز الصورة الورقية عن الرقمية. أولها أن الفرق بين الصورتين هو الفرق ذاته بين الكيمياء والرياضيات. تسمى الصورة الورقية الصورة التناظرية. تعني كلمة "تناظر" Analogie "تشابها" أو "تماثلا". الكيمياء لديها علاقة مشابهة بالضوء، إذ تحفظ الأشعة المنبعثة من موضوع الصورة في حبيبات صغيرة من الفضة. لكن لا وجود لأي تشابه أو تناظر بين الضوء والأرقام. الوسيط الرقمي يترجم الضوء إلى بيانات، وفي هذه العملية، يضيع الضوء. في التصوير الرقمي، تحل الرياضيات محل الكيمياء.
تنقل الصورة الورقية أو التناظرية إلى الورق، عبر السلبي، آثار الضوء المنبعثة من الموضوع المصور. إنها، في جوهرها، صورة من الضوء. في مختبر الغرفة المظلمة، يعاد الكشف عن الضوء، مما يجعلها، بالتالي، "غرفة مضيئة". أما الوسيط الرقمي، فعلى العكس من ذلك، يحول الأشعة الضوئية إلى بيانات، أي إلى نسب رقمية. البيانات ليست مضيئة ولا مظلمة، بل تقطع استمرارية ضوء الحياة. يلغي الوسيط الرقمي العلاقة السحرية التي تربط الشيء بالصورة الفوتوغرافية عبر الضوء.
هشاشة
غالبا ما نحافظ على الصورة الورقية بالعناية التي نوليها لشيء عزيز على قلوبنا. هشاشتها المادية تجعلها عرضة للشيخوخة والانحلال، إنها تولد فتواجه الفناء. لا عجب إذن أن نلاحظ أن دراما الفناء والبعث تهيمن على نظرية التصوير الفوتوغرافي في كتاب "الغرفة المضيئة" لرولان بارت، تلك النظرية التي يمكن قراءتها كمديح للصورة التناظرية. فباعتبار هذه الصورة شيئا هشا، تكتب لها نهاية حتمية بالفناء، لكنها في الوقت نفسه وسيط للبعث. من المفارقات الأساسية للصورة الورقية هي أنها تنتج الموت عندما تحاول أن تحفظ الحياة و"تخلدها". عندما تسعى الصورة لأن تجعل الغياب حاضرا، فإنها تغدو بذلك شهادة حقيقية على غياب هذا الحضور.