كانت الحركة الوطنية الفلسطينية منذ انطلاقها في أواسط الستينات، وجدت في سوريا ساحة لأنشطتها رغم القيود التي وضعها النظام على العمل الفدائي ضد إسرائيل من جبهة الجولان، أي إن ذلك الأمر كان مضبوطا وفقا للخطوط أو للتوظيفات، السياسية للنظام السوري والتي لا تنسجم مع حماسته أو ادعاءاته، بمقاومة إسرائيل.
في حينه، استثمر النظام السوري في صعود الحركة الوطنية الفلسطينية وأساسا حركة "فتح"، في منافسة مصر على قضية فلسطين، إذ كان الرئيس جمال عبد الناصر وراء ولادة "منظمة التحرير" (1964)، كما استثمر فيها للتغطية على هزيمة يونيو/حزيران 1967، وادعاء تبني نهج الكفاح المسلح وأن فلسطين قضيته المركزية، كغطاء لمصادرة الحريات والهيمنة على الشعب، ووضع اليد على موارد البلد، وتبرير تعثر عملية التنمية، وبناء سلطته الأمنية.
بيد أن كل ما تقدم، في الواقع، تم بالتوازي مع محاولة ذلك النظام، بشخص الرجل القوي فيه حافظ الأسد، آنذاك، الإمساك بالورقة الفلسطينية، بداية بمحاولته السيطرة على "فتح"، عبر شخصيات عسكرية موالية له، ثم عبر إنشاء، أو دعم إنشاء، منظمات فلسطينية، تكون بمثابة استطالة له في البيت الفلسطيني، مثل منظمة "الصاعقة" والجبهة الشعبية- القيادة العامة، إلى درجة أن شعار: "استقلالية القرار الفلسطيني" الذي صكه الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات كان شرّع لصد تدخل نظام الأسد في الشأن الفلسطيني.
في السياق أيضا، شمل استثمار نظام الأسد للحركة الوطنية الفلسطينية الهيمنة على لبنان، ثلاثة عقود (1976-2005)، ما نجم عنه احتكاكات عسكرية مباشرة، تم فيها تدمير كثير من مخيمات الفلسطينيين في لبنان، جزئيا أو كليا، وكلها شهدت مجازر مروعة؛ يمكن معها اعتبار ما حصل في مخيمات سوريا، مؤخرا، وخاصة اليرموك، بمثابة امتداد لها.