ارتدادات تعريفات ترمب الجمركية على مصر بين الفرص والتحديات

الرسوم على الصلب والألمنيوم تفتح الباب أمام التضخم العالمي وتختبر مرونة السوق المصرية

Shutterstock
Shutterstock
عشرات بكرات القضبان الحديد التي تصدرها مصر إلى الخارج، الإسكندرية 12 فبراير 2025

ارتدادات تعريفات ترمب الجمركية على مصر بين الفرص والتحديات

تترقب الشركات في مختلف دول العالم الأخطار الناجمة عن السياسات التصعيدية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في إطار حروب تجارية عالمية. وتشمل هذه السياسات فرض تعريفات جمركية جديدة على اقتصادات الدول الكبرى، أو على قطاعات محدد مثل الحديد والألمنيوم، مما قد يترك آثارا سلبية في النمو الاقتصادي والطلب على المعادن.

ومن الواضح أن هذه ليست مجرد حروب تجارية، بل إن البعد السياسي حاضر بقوة، وتجلى من خلال التراشق بين الولايات المتحدة وكولومبيا، والمكسيك، والصين، وكندا وغيرها.

مصر ليست بمنأى من أضرار قرار الرئيس الأميركي المثير للجدال بفرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 25 في المئة على كل واردات الصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الرسوم الجمركية الحالية على المعادن. فأي أثر في الاقتصاد الأميركي سينعكس تلقائيا على الاقتصاد المصري، وخصوصا مع استمرار آثار التضخم وحجم العجز الذي لا يترك للحكومة المصرية فرصة لالتقاط الأنفاس؟

قد تتأثر مصر سلبا بتصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، نظرا إلى علاقاتها التجارية الوثيقة مع هذين البلدين، اللذين يُعدَّان شريكين تجاريين رئيسيين لمصر

كذلك قد تتأثر مصر سلبا بتصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، نظرا إلى علاقاتها التجارية الوثيقة مع هذين البلدين، اللذين يُعدَّان شريكين تجاريين رئيسيين لمصر.  يرى محللون أن محاولات ترمب فرض رسوم جمركية وعقوبات على الدول تهدف إلى التأثير عليها اقتصاديا لقبول خطط سياسية معينة، مثل خطة تهجير سكان قطاع غزة التي تمس مصر والأردن. وقد تتسلسل هذه العقوبات لتشمل منع المعونة الأميركية عن مصر، وهي ورقة ضغط استخدمتها الولايات المتحدة سابقا.

الرسوم الجمركية سلاحا سياسيا

ويلفتون إلى أن الرسوم الجمركية تُعَد جزءا من استراتيجيات ترمب لتحقيق الهيمنة الاقتصادية الأميركية عالميا. وقد تطلق سياسات كهذه موجات تضخمية عالمية جديدة تؤثر في المنتجات المشتقة وتكاليف الشحن والتأمين وسلاسل الإمداد، مما يؤدي إلى تراجع قوة المستهلكين الشرائية في أنحاء العالم، بما في ذلك دول نامية كمصر، التي تعتمد على استيراد المنتجات المصنعة. وقد يؤدي ذلك إلى عجز تجاري وفجوات في ما يتعلق بالنقد الأجنبي، مما يزعزع بالتالي استقرار العملات المحلية.

.أ.ف.ب
استقرار الصادرات المصرية من الألمنيوم بعد قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، 10 فبراير 2025

اختلفت آراء الخبراء الاقتصاديين الذين استطلعت "المجلة" آراءهم في شأن أثر هذه السياسات في مصر، إذ رأى البعض أن ثمة أضرارا محتملة، بينما اعتبر آخرون أنها فرصة للدخول إلى أسواق جديدة. في هذا السياق، أوضح الخبير الاقتصادي طاهر المرسي أن مصر بعيدة عن الأثر المباشر لقرارات الرئيس الأميركي، "لأن صادراتها من الصلب تذهب في شكل رئيس إلى تركيا والاتحاد الأوروبي، إذ تتصدر تركيا قائمة الدول المستوردة للصلب المصري، تليها إسبانيا، وإيطاليا، ورومانيا، أما صادرات الألمنيوم، فلا تمثل الولايات المتحدة سوقا رئيسة أو حتى ثانوية لمصر".

تتركز صادرات مصر إلى الولايات المتحدة في الملابس الجاهزة، التي تشكل نحو 55% من الصادرات المصرية الإجمالية إلى أميركا، والتي لا تتجاوز قيمتها ملياري دولار

طاهر المرسي، خبير اقتصادي

وأضاف المرسي أن صادرات مصر إلى الولايات المتحدة "تتركز في الملابس الجاهزة، التي تشكل نحو 55 في المئة من الصادرات المصرية الإجمالية إلى أميركا، والتي لا تتجاوز قيمتها ملياري دولار، وهو رقم محدود في إطار التجارة الدولية".

 الحديد المصري... والأوكراني

من جانبها، أشارت خبيرة الاقتصاد والمال الدكتورة حنان رمسيس إلى أن مصانع الحديد والصلب والألمنيوم في مصر "تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي في السوق المحلية، في حين يجري استيراد بقية الاحتياجات من الخارج". وأوضحت أن مصر ليست مصدّرا رئيسا لهذه المنتجات، "وبالتالي لا تتأثر في شكل مباشر بقرارات ترمب، إذ تركز صادراتها على الأقطان والملابس والمحاصيل الزراعية، التي تخرج عن نطاق الرسوم الجمركية المفروضة". واعتبرت رمسيس أن هذه القرارات لا تمثل سوى "زوبعة في فنجان"، مشيرة إلى محاولات ترمب الضغط على الاتحاد الأوروبي لفرض رسوم إغراق على شركة "حديد عز" المصرية، "بزعم أنها تهدد الحديد الأوكراني، غير أن الشركة أوضحت أن ما تصدّره إلى الخارج هو كميات صغيرة لا تؤثر في الأسواق العالمية، ويجري تسعيرها وفق الأسعار العالمية".

Shutterstock
مصنع للألمنيوم في الإسكندرية، في مصر 1 يونيو 2020

كذلك، أشارت رمسيس إلى أن تكلفة إنتاج المواد مثل الحديد والألمنيوم في مصر "ليست منخفضة، بسبب أزمات نقص الغاز والكهرباء التي شهدتها البلاد سابقا، مما أدى إلى تقليص الإنتاج بما يحقق الاكتفاء الذاتي للسوق المحلية، من دون وجود فائض للتصدير". ولفتت إلى أن المساعدات الأميركية لمصر والأردن، على الرغم من كونها جزءا ثابتا من السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، لم تكن دائما محصنة ضد الضغوط السياسية والاقتصادية.

تمثل المساعدات الأميركية وسيلة ضغط على مصر، لكن المعونات الأميركية التي تصل إلى 1,5 مليار دولار، لا تشكل سوى اثنين في المئة من الدخل الإجمالي للبلاد. ويُخصَّص جزء كبير من هذه المعونات للتسليح

ويرى خبراء آخرون أن المساعدات الأميركية تمثل وسيلة ضغط على مصر، لكن المعونات الأميركية التي تصل إلى 1,5 مليار دولار، لا تشكل سوى اثنين في المئة من الدخل الإجمالي للبلاد. ويُخصَّص جزء كبير من هذه المعونات للتسليح، في الوقت الذي تمنع فيه أميركا مصر من استيراد قطع الغيار للمعدات العسكرية. وفي هذا السياق، تلجأ مصر إلى التصنيع المحلي أو التعاون المباشر مع روسيا والصين، وهما من أكبر حلفاء مصر.

الأثر في اسواق المال

على صعيد آخر، يؤدي أثر السياسات الأميركية إلى تغييرات في أسواق المال، مما يفتح المجال أمام صناديق الاستثمار لاستغلال الفرص، ولا سيما من خلال الضغوط البيعية على السوق. في الوقت نفسه، شهدت صادرات مصر إلى الولايات المتحدة زيادة بنسبة 34,5 في المئة في الفصل الأول من عام 2024، لتصل قيمتها الإجمالية إلى 585.8 مليون دولار مقارنة بالفصل الأول من عام 2023. ووفق تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تصدّرت الملابس الجاهزة قائمة الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة بزيادة سنوية قدرها 9,2 في المئة، لتصل إلى 168,9 مليون دولار.

الفئة التي سجلت أعلى نسبة نمو كانت صادرات الفواكه والخضروات، التي شهدت زيادة بنسبة 26,1 في المئة لتصل إلى 23,4 مليون دولار. كذلك سجلت صادرات الصلب والحديد إلى الولايات المتحدة زيادات بنسبة 18,4 في المئة، لتصل قيمتها إلى 59,6 مليون دولار و29,7 مليون دولار على التوالي. ومع ذلك، أوضحت رمسيس أن الولايات المتحدة "ليست سوقا احتكارية للألمنيوم المصري، إذ لا تمتلك مصر خام الألمنيوم، بل تستورده بكميات قليلة جدا، مما يجعل دورها في السوق العالمية صغيرا للغاية".

تُعَدّ سلع مثل الحديد والصلب والألمنيوم مواد استراتيجية تؤثر في شكل مباشر في قطاعات حساسة كصناعات الطيران والشحن والسيارات والبناء

محمد عبد العال، خبير اقتصادي

في يناير/كانون الثاني 2021، صدّرت مصر الألمنيوم إلى 42 بلدا بقيمة 64 مليون دولار، محققة نموا بنسبة 44 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020. ووفق الإحصاءات، لم تتأثر الصادرات المصرية بالرسوم الحمائية التي فرضها ترمب في ذلك الوقت، إذ استحوذت الدول الأوروبية، القريبة جغرافيا من مصر، على النسبة الكبرى من الصادرات. 

وتسعى مصر إلى تحقيق هدف صادرات سنوية بقيمة 145 مليار دولار بحلول عام 2030، من خلال تقديم تسهيلات وحوافز للشركات المصدّرة التي تزيد نسبة المكون المحلي في صناعتها. وتُعَد صادرات المنتجات غير النفطية، إلى جانب تحويلات المصريين العاملين في الخارج، وعوائد السياحة، وقناة السويس، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، من أبرز مصادر النقد الأجنبي للاقتصاد المصري.

فرص وتحديات محتملة

في ظل حالة عدم اليقين الجيوسياسي وفرض الرسوم الجمركية، يصعب قياس الآثار الفعلية في الوقت الحالي. ومع ذلك، يرى الخبير الاقتصادي محمد عبد العال أن ثمة أضرارا محتملة، "إذ تُعَد سلع مثل الحديد والصلب والألمنيوم مواد استراتيجية تؤثر في شكل مباشر في قطاعات حساسة كصناعات الطيران والشحن والسيارات والبناء".وقال: "من المؤكد أن هذه القطاعات ستواجه ارتفاعا في تكلفة الإنتاج وزيادة في أسعار المنتجات للمستهلك النهائي، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها".

يمكن مصر أن تستفيد من ارتفاع أسعار الصلب والألمنيوم في الأسواق العالمية، مما يمنحها فرصة لدخول أسواق بديلة بأسعار تنافسية

وعلى الرغم من هذه الأخطار، يرى عبد العال أن مصر يمكنها إيجاد بدائل للتصدير إلى أسواق أخرى في آسيا وأفريقيا، "فالطلب على منتجات كهذه غير مرن وسيظل موجودا، مما يجعل من السهل على مصر تجاوز أي أثر سلبي مستدام".

في المقابل، يمكن مصر أن تستفيد من ارتفاع أسعار الصلب والألمنيوم في الأسواق العالمية، مما يمنحها فرصة لدخول أسواق بديلة بأسعار تنافسية. أشار الخبير الاقتصادي الدكتور خالد الشافعي إلى أن إنتاج الحديد والصلب في مصر يلبي احتياجات السوق المحلية، "وقد اتخذت مصر سابقا قرارات بفرض رسوم إغراق على واردات الحديد الصلب، مما ساهم في حماية السوق المحلية من المنافسة غير العادلة".

.أ.ف.ب
قضبان الحديد لتدعيم بناء داخلي لبرج في ميامي، فلوريدا 10 فبراير 2025

بلغت صادرات مصر من الحديد إلى الولايات المتحدة خلال عام 2024 نحو 126 مليون دولار، وصادرات الألمنيوم 40 مليون دولار، بحسب المدير التنفيذي لغرفة الصناعات المعدنية، محمد سيد حنفي، الذي توقّع "منافسة شديدة" في صادرات هذه المنتجات مع الدول غير الخاضعة إلى الرسوم الجمركية. كذلك أشار إلى أن إنتاج الحديد في مصر بلغ 11 مليون طن في عام 2024، جرى تصدير أربعة ملايين طن منها. وأكد "أن المصانع لديها القدرة على زيادة الإنتاج إذا أُتيحَت لها أسواق جديدة للتصدير". وقال حنفي: "في الوقت الراهن، تعمل مصانع الحديد في مصر بنسبة تعادل 65 في المئة من طاقتها الإجمالية، التي تبلغ 17 مليون طن".

font change