لم يكن توقف آلة الموت في غزة إشعارا بولادة الحياة، في معناها الحقيقي، بل أن فصلا ثانيا من مأساة الغزيين العائدين إلى الشمال يرسمه القلق باستئناف الحرب، والشعور بأنهم وحيدون في مواجهة تداعيات الحرب التي عصفت بهم طوال 471 يوما.
حتى عبارة "ليسوا أرقاما"، تراجع حضورها، بعدما شكلت الرابط الأقوى مع غزة. كانت ومضة الوعي بأن الأرقام المئوية والألفية من عدّاد الشهداء والجرحى والمعتقلين والمفقودين والمشردين واليتامى والجياع الغزيين، إنما تعود إلى إنسان يمتلك قصة. لكن العالم المتواطئ والمتفرج والمتعود، تتخلله استثناءات، ولو تمتعت بهوامش محدودة مقارنة بالنمط العام وخياراته. تشكل هذه المبادرات فعلا في التعارض مع السائد، وافتراضات ناجحة من الإمكان والتجاوز.
حكاية لم تنته فصولها
من عبارة "ليسوا أرقاما"، تشكل موقف واسم منظمة إنسانية أسستها شابتان من بريطانيا، هما سمية الوزاني وسارة بن تاريفيت، لأجل أكثر الضحايا الغزيين هشاشة وبراءة، فأطلقتا عليها اسم "أطفال لا أعداد" Children Not Numbers. منذ بدء عملياتها في مارس/آذار 2024، تروي المنظمة مآسي الأطفال على صفحاتها بهدف احتوائها. وهو ما تراكمه- بصعوبة بالغة ولكن بإصرار- معتمدة على خلفية المؤسستين الحقوقية، وفريق قيادة عليا من الأطباء بخبرة واسعة، وتبرعات فردية، وفريق عمل من أكثر من 180 عضوا، في مقاربة متكاملة تشمل ثلاثة مجالات للتدخّل، يستفيد منها مئات الأطفال الغزيين: الطبابة والتعليم المدرسي والمناصرة.
تفتح هذه الجهود كوة للحياة في جدار الموت الذي يلف غزة، منطقة كانت ولا تزال منكوبة، مفصولة عن العالم، فـ"أكبر خطأ بمكن ارتكابه الآن، هو الاعتقاد بأن وقف إطلاق النار هو نهاية سعيدة لحكاية الفلسطينيين في غزة، لقد حانت الآن لحظة الوعي. حان الوقت الذي يواجه فيه أهل غزة حقيقة الموت. نتلقى من العائلات العائدة، صورا عن بيوت هي عبارة عن حوض غسيل معلق على الجدار، وكل شيء آخر هو غبار وأنقاض ومعادن وقطع من الشظايا".