انتصر رفيق الحريري على قاتليه

انتصر رفيق الحريري على قاتليه

في 14 فبراير/شباط من عام 2005، قبل عشرين عاما، اغتال نظام بشار الأسد ومعه "حزب الله" اللبناني رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري. كان الاغتيال لشخص رفيق الحريري ورفاقه، ولكنه كان أيضا اغتيالا لمشروع رفيق الحريري ورؤية رفيق الحريري.

تتفق أو تعارض الرجل وسياسته، ولكن المؤكد أن أحدا لا يستطيع أن ينكر حجم خسارة هذا الرجل على لبنان واللبنانيين، كما على الدول العربية.

لم يكن يشبه حلفاءه ولا خصومه في السياسة، لم يأتِ من خلفية ميليشياوية ولم يرث العمل السياسي عن عائلته، لم يكن شريكا في الحرب، كان مشروعه السلم الأهلي والتعليم والاعتدال وإعادة بناء الحجر والبشر، وقام بالكثير من التسويات ليحقق ما أمكن من رؤيته للبنان الذي أحب.

كانت علاقاته تمتد على مساحة العالم شرقا وغربا، أصدقاؤه في كل مكان، وسخر هذه العلاقات لخدمة لبنان أولا، ولكن لخدمة سوريا أيضا. غير أن أعداء الداخل كانوا له بالمرصاد، حاولوا عرقلة مشروعه هم وبشار الأسد، بالابتزاز والتهديد والوعيد إلى أن قرروا اغتياله، أظنهم لم يكرهوا رفيق الحريري بقدر ما كرهوا لبنان.

اليوم بعد عشرين عاما على اغتياله، ومع قناعة الخصم قبل الحليف بأن خسارة هذا الرجل لا تعوض، تغير لبنان وتغيرت المنطقة وتغير العالم كثيرا، بشار الأسد- الذي هدد رفيق الحريري وتوعد بتكسير بيروت وشارك نظامه في اغتيال رفيق الحريري، كما ذكرت وزيرة الدفاع والخارجية الفرنسية السابقة ميشال أليو ماري من أن ضغوطا كبيرة مارسها نظام الأسد كي لا تظهر أسماء مسؤولين سوريين في الحكم النهائي للمحكمة الدولية- هرب وسقط نظامه بفضل نضال الشعب السوري البطل. وحسن نصرالله- المتهم حزبه باغتيال الحريري، بل إن المحكمة الدولية لم تسم سوى أفراد من "الحزب" لأن نظامها الداخلي يمنعها من تسمية دول وأحزاب- اغتيل بعد أن ورط لبنان في حروب داخل سوريا ومع إسرائيل أودت بحياته وأنهت مشروعه.

اليوم بعد عشرين عاما على اغتيال الحريري، ومع قناعة الخصم قبل الحليف بأن خسارة هذا الرجل لا تعوّض، تغير لبنان وتغيرت المنطقة وتغير العالم كثيرا

خسارة رفيق الحريري لم تكن خسارة لبنانية فقط، فقد خسره السوريون أيضا، ومن منا لم يسمع كم كان نظام الأسد يخاف من محبة السوريين للحريري، ومن منا لم ير محبة السوريين له أمس في ذكرى اغتياله؟

قتلة رفيق الحريري لم يعودوا هنا، انتهوا كما انتهى مشروع "الهلال الشيعي" والنفوذ الإيراني، سوريا ولبنان لم يعودا تحت سيطرة القتلة، يخطوان خطوات ثابتة للعودة إلى المحيط العربي.

بعد عشرين عاما على اغتياله، انتهى زمن الميليشيات وفشل حكمها، وبدأ زمن الدولة وبناء المؤسسات، انتهى زمن التطرف وأدرك الكثيرون أن لا بديل عن الاعتدال، انتهى زمن إرسال الشباب إلى الموت فالشباب مكانهم مقاعد الدراسة والعمل، انتهى زمن الهدم وبدأ زمن إعادة الإعمار.

لا يزال الطريق طويلا ومليئا بالمخاطر، لكن العجلة انطلقت، وصفحة إيران في المنطقة على وشك أن تطوى، والتطرف لم يعد له حاضنة.

بعد عشرين عاما على اغتياله، يمكننا إعلان انتصار رفيق الحريري على قاتليه، وانتصار مشروعه على مشروعهم.

font change