لماذا لا يحق لطهران مطالبة دمشق بـ"الديون البغيضة" بل عليها ان تدفع تعويضات؟

مطالعة قانونية خاصة بـ"المجلة" تفند المبادئ العالمية لهيئات ومراجع في القانون الدولي والاقتصاد لتصنيف الديون

Sameer Al-DOUMY - AFP
Sameer Al-DOUMY - AFP
فتى سوري يرفع علم سوريا خلال احتفالات بإسقاط الأسد في حمص

لماذا لا يحق لطهران مطالبة دمشق بـ"الديون البغيضة" بل عليها ان تدفع تعويضات؟

بعد أسبوع من هروب بشار الأسد من سوريا، نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية في 15 ديسمبر/كانون الاول 2024 تقريرا أعده ماثيو كامبل بعنوان "إيران خسرت الأسد ومعه 50 مليار دولار". وتساءل الكاتب في تقريره عن إمكان إعادة هذا المبلغ الضخم إلى رعاة الأسد في طهران.

وكانت جهة معارضة إيرانية أعلنت قبل أكثر من سنة في مايو/أيار2023 حصولها على "وثيقة سرية مسربة من مؤسسة الرئاسة الإيرانية" تؤكد أن الـ50 مليار دولار هو المبلغ المقدر الذي أنفقته الحكومة الإيرانية في الحرب الأهلية السورية من دون الاتفاق على كيفية استرداده، نقدا أو في إطار مشاريع اقتصادية. ثم عادت المعارضة الإيرانية وتحدثت عن وثيقة أخرى "تؤكد أن ديون إيران على سوريا يصعب استردادها".

بعد يومين من نشر تقرير كامبل، عقد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي مؤتمرا صحافيا في غرفة غير مدفأة في الوزارة التي يعمل فيها بسبب انقطاع الغاز، وهو أمر أثار الكثير من الانتقادات الشعبية، إلى جانب انقطاع الكهرباء المستمر في إيران نتيجة نقص التمويل بفعل تحويل الأموال إلى خارج البلاد طوال أكثر من عقد مضى.

وقال في هذا المؤتمر "إن الرقم الذي يتم تداوله على أنه دين مستحق على سوريا لإيران مبالغ فيه، وإن الاتفاقات والمعاهدات ومذكرات التفاهم التي وقعت بين البلدين، ليست بين مجموعات أو حكومات موقتة بل هي بين دولتين. لذلك، جميع الالتزامات المتأتية عنها لا تزال قائمة ولا يمكن أن تختفي، وأي نظام أو حكومة يتوليان السلطة في أي من الدولتين، يلتزمان مبدأ 'خلافة الدولة' وهو مبدأ معترف به في القانون الدولي وتنتقل بمقتضاه الحقوق والواجبات".

سبق وتم العمل بمنحى إلغاء الديون بعد تغيير الحكومات منذ ثلاثينات القرن التاسع عشر في أميركا عندما تخلت ولايات ميسيسيبي وأركنساس وفلوريدا وميشيغان عن ديونها بعد تمرد المواطنين وتغيير الحكومة، وكانت الحجة إساءة استخدام الأموال المقترضة وخيانة الأمانة

وخلص إلى دعوة الحكم الجديد في دمشق إلى التزام تعهداته وفقا للاتفاقات والعقود المبرمة مع نظام الأسد، مشيرا إلى أن القضية ستشكل جزءا من تعاملات إيران المستقبلية مع حكومة دمشق الجديدة.

التحلل من مبدأ "العقد شريعة المتعاقدين"

يستند كلام بقائي كما ألمح إلى المبدأ القانوني المعروف "العقد شريعة المتعاقدين" باللاتينية Pacta sunt servanda، وهو مبدأ متفق عليه في علاقات الأطراف في إطار القوانين المدنية والتجارية، وأيضا في إطار القانون الدولي العام، وفقا للمادة 26 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات عام 1969، التي تنص على "أن المعاهدة ملزمة لأطرافها وعليهم تنفيذها بحسن نية". وقد اعتُمد المبدأ في القانون الكنسي لعام 1983. ووردت في القرآن الكريم في سورة الإسراء، الآية "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئُولا".

وبهذا التوجه ذكر ميتو جولاتي وأوغو بانيزا في كتابهما "ديبلوماسيات الديون السيادية: إعادة النظر في الديون السيادية من زمن الإمبراطوريات الاستعمارية الى زمن الهيمنة"، "أن القاعدة العامة للخلافة الحكومية في القانون الدولي صارمة ومفادها أن الحكومات ترث ديون أسلافها مهما كانت الخلافات السياسية بين الحكومات".  

.أ.ف.ب
رئيس النظام السابق بشار الأسد يستقبل وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي، قبل أيام من هروبه، دمشق، 1 ديسمبر 2024

بمرور الوقت، تبين من التطبيق العملي أن هناك ضرورة لتلطيف مبدأ "العقد شريعة المتعاقدين" في العلاقات الدولية، من خلال مبدأ آخر عرف باللاتينية باسم "Clausula rebus sic stantibus"، ومضمونه أن أحكام المعاهدة أو الاتفاق تظل قابلة للتطبيق فقط إلى الحد الذي تبقى فيه الظروف الأساسية التي بررت إبرامهما بشكلهما.

هروب الأسد من الحكم يبرر وقف الالتزامات

وعلى هذا الأساس، جرى تضمين اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات نصا ورد في المادة 62 منها يجيز الاحتجاج بالتغيير الجوهري غير المتوقع في الظروف التي كانت سائدة عند توقيع الاتفاق، كأساس لإيقاف العمل بالاتفاق أو المعاهدة أو الانسحاب منهما، شرط ان تكون الظروف سببا رئيسا لرضا الأطراف، وأن يكون التغيير دافعا لتبديل مدى التزامات أي من الأطراف بصورة جذرية. ما سبق، ينطبق في الحقيقة على العلاقة بين إيران وسوريا، حيث تبدلت الظروف جذريا بعد هروب بشار الأسد من الحكم، مما يبرر وقف الالتزامات والمنافع المتبادلة بحسب المادة 62 الآنفة الذكر، لا بل إمكان التملص منها.

التخلي عن الديون في تجربة الحرب الأهلية الأميركية

وقد عُمل بمنحى إلغاء الديون بعد تغيير الحكومات منذ ثلاثينات القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة عندما تخلت ولايات ميسيسيبي وأركنساس وفلوريدا وميشيغان عن ديونها بعد تمرد المواطنين وتغيير الحكومة، وكانت الحجة إساءة استخدام الأموال المقترضة وخيانة الأمانة من جانب المقترضين والمقرضين. وحدثت موجة ثانية من الرفض بعد عام 1877 مع تخلي ثماني ولايات جنوبية عن ديونها بإصدار مرسوم يقضي بأن الديون المتراكمة خلال الفترة ما بين نهاية الحرب الأهلية 1865 و1877 نتجت من الاقتراض غير المشروع للسياسيين الفاسدين.

لجنة إلغاء الديون غير المشروعة (CADTM): الدعم المالي لنظام إجرامي حتى ولو كان مخصصا لغايات اجتماعية إنسانية، هو ترسيخ وتمكين لهذا النظام ووجهة القروض ليست أساسية في تصنيف الدين ما إذا كان بغيضا أم لا

القانوني الروسي الشهير ألكسندر ناهوم ساك

وتوالى الأمر خلال القرن العشرين، ومن أمثلته كوستاريكا، حيث أعلن التخلي عن الديون التي تعاقد عليها النظام السابق بعد تغييره في عام 1919. وفي شباط 1918 تخلت الحكومة السوفياتية عن جميع الديون التي تكبدها النظام القيصري وتم إلغاء ديون ناميبيا لجنوب أفريقيا من قبل حكومة نيلسون مانديلا في عام 1994، وغيرها من الأمثلة.

.أ.ف.ب
البنك المركزي السوري، في دمشق، 30 ديسمبر 2024

جدير بالذكر أن لجنة إلغاء الديون غير المشروعة (CADTM) أشارت في أحد تقاريرها إلى أنه حتى في حالة عدم وجود تغيير في الحكومة أو النظام، يمكن الدولة أن تفرض خفضا للديون على دائنيها من خلال اتخاذ إجراءات أحادية تساعد سكانها. أيضا، أصدرت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي عام 2019 حكما قضت فيه بأنه يمكن الدولة في حالات خاصة تعديل التزامات ديونها من جانب واحد.  

الديون السورية "ديون بغيضة" بتوصيف إيران نفسها

تستطيع الحكومة السورية الحالية، حتى ولو لم تكتسب الصفة الشرعية، وبصفتها حكومة أمر واقع، وكذلك الأمر بالنسبة لأي حكومة مستقبلية، إعلان التوقف عن دفع أي ديون مترتبة على سوريا لصالح إيران، بذريعة أن هذه الديون "بغيضة" أو "كريهة"، من الجائز التملص منها.

وهذه الذريعة سبق لإيران نفسها أن تمسكت بها إزاء الولايات المتحدة الأميركية عام 1982 ردا على مطالبة الأخيرة لها بمبلغ كبير من المال بموجب عقد مؤرخ عام 1948 يتعلق بشراء إيران بعض المعدات العسكرية. وكانت حجة إيران أن الديون المطالب بها "بغيضة"، وقد فرضتها الولايات المتحدة على نظام سابق وهي غير قابلة للتحويل إلى حكومة جمهورية إيران الإسلامية.

خلاصات القانوني الروسي الشهير ألكسندر ناهوم ساك

كذلك، تستطيع الحكومة السورية أن تستند إلى الخلاصات التي توصل إليها القانوني الروسي الشهير ألكسندر ناهوم ساك الذي كان أول من تناول بالبحث والتمحيص مصير الاتفاقيات المالية الدولية بعد تغيير الأنظمة السياسية، والتي حصلت طوال مئة وخمسين عاما، وذلك في معرض تأليفه كتابا نشر باللغة الفرنسية وحمل عنوان "آثار تحولات الدول على ديونها العامة والتزاماتها المالية الأخرى". 

عندما يتعاقد نظام استبدادي على دين ليس لتلبية احتياجات دولته أو خدمة لمصالحها، بل لتعزيز قوته أو قمع تمرد شعبه أو ما إلى ذلك، فإن هذا الدين يصبِح "دينا بغيضا" لأنه يلحق الضرر بالشعب. لذا، لا ينبغي أن يكون سداد "الديون البغيضة" المستحقة على أنظمة استبدادية إلزاميا

وقد ألمح ساك في مقدمة كتابه إلى "أنه عندما يتعاقد نظام استبدادي على دين ليس لتلبية احتياجات دولته أو خدمة لمصالحها، بل لتعزيز قوته أو قمع تمرد شعبه أو ما إلى ذلك، فإن هذا الدين يصبِح "دينا بغيضا" لأنه يلحق الضرر بالشعب. بناء على ذلك، لا ينبغي أن يكون سداد "الديون البغيضة" المستحقة على أنظمة استبدادية إلزاميا، لأنه كان من الواجب على الجهة المقرضة أن تعلم أن اتفاق الدين تم دون موافقة الشعب أو لصالحه".

وأضاف "مثل هذه الديون لا تلزِم الأمة، فهي ديون لصالح النظام. إنها ديون شخصية تعاقد عليها الحاكم وهي تسقط بزوال النظام، ولو خلفه نظام استبدادي آخر". وينهي "إنه في ظروف معينة، سيتعين على الدائنين قبول إلغاء ديونهم إذا ثبتت قباحتها".

.أ.ف.ب
صورة جوية حديثة للعاصمة السورية، دمشق 12 يناير 2025

من جهة أخرى، رأى ساك أن بعض الديون التي يتعاقد عليها نظام استبدادي يمكن أن تكون مفيدة للسكان، على سبيل المثل، بناء الطرق أو غيرها من مرافق البنية التحتية العامة. بالتالي، هذه الديون ليست كريهة، وفي حال تغيير النظام، يجب سدادها. منحى يخالف ما خلصت إليه لجنة إلغاء الديون غير المشروعة (CADTM) من أن الدعم المالي لنظام إجرامي حتى ولو كان مخصصا لغايات اجتماعية إنسانية مثل بناء المستشفيات أو المدارس، هو ترسيخ وتمكين لهذا النظام ووجهة القروض ليست أساسية في تصنيف الدين ما إذا كان بغيضا أم لا.

فنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا تلقى تمويلا خارجيا واسع النطاق أنفق على البنية التحتية، مما سمح بإطالة عمر النظام على الرغم من دعوة الأمم المتحدة إلى مقاطعته وطلب البنك الدولي وقف تقديم الدعم المالي له.

لا يجوز أن تتحمل الأجيال جنون من سبقها

الطبيعة الاستبدادية للنظام ليست بالنسبة الى ساك الشرط الوحيد الضروري لتحديد "الطبيعة البغيضة للدين" الذي يمكن أن يتنصل منه من يخلف النظام كما يعتقد البعض، لأن الأخذ بهذا المعيار من شأنه أن يؤدي إلى شلل النظام الدولي للائتمان العام برمته وحرمان العالم من فوائده. فالمهم هو وجهة استخدام الدين، فيكون بغيضا إذا تم التعاقد عليه ولو مع حكومة ديمقراطية لتلبية احتياجات تتعارض بشكل صريح مع مصالح الأمة أو الشعب أو الدول، وإذا كان الدائنون، عند منح الائتمان، على علم أو كان بإمكانهم معرفة وجهته البغيضة. ولا يهم بعد ذلك أن تكون السلطة "ملكية مطلقة أو محدودة أو جمهورية وسواء أتت من 'نعمة الله' أو من 'إرادة الشعب' أو جزء منه".

يحدد مركز التنمية العالمية (CGD) أربع حالات يعتبر النظام فيها بغيضا، وبالتالي ينطبق ذلك على الديون التي يقترضها، منها: إذا انتهك حقوق الإنسان في التعامل مع شعبه، واستخدامه القهر العكسري ، بالإضافة إلى ارتكابه جريمة التزوير الانتخابي. وصولا إلى سوء إدارته الأموال العامة أو اختلاسها

لتلبية احتياجات تتعارض بشكل صريح مع مصالح الأمة أو الشعب أو الدولة، وإذا كان الدائنون، عند منح الائتمان، على علم أو كان بإمكانهم معرفة وجهته البغيضة. ولا يهم بعد ذلك أن تكون السلطة "ملكية مطلقة أو محدودة أو جمهورية وسواء أتت من 'نعمة الله' أو من 'إرادة الشعب' أو جزء منه".

وكان الفقيه الألماني غوستاف هوغو قد كتب قبل ساك في القرن التاسع عشر أنه "ليس من الممكن أن نطلب من أي جيل أن يتحمل العواقب المترتبة على جنون من سبقوه".

رويترز
صور بعض المفقودين في سجن صيدنايا وغيرها من السجون الأسدية، دمشق، 22 ديسمبر 2022

تاريخيا، تعتبر عدم مطالبة الشعب السيادي والحر باحترام المعاهدات والالتزامات التي يعقدها قادته الطغاة أحد المبادئ العظيمة التي أكدتها الثورة الفرنسية عام 1789. وفي عام 1792، أسقط المؤتمر الوطني الفرنسي ثلثي الديون التي تعاقد عليها النظام القديم. كذلك، أدت الثورة الأميركية عام 1776، إلى إلغاء العديد من المعاهدات من جانب واحد.

أربع حالات يعتبر النظام فيها بغيضا

يحدد مركز التنمية العالمية (CGD) أربع حالات يعتبر النظام فيها بغيضا، وبالتالي ينطبق ذلك على الديون التي يقترضها:

أولا، إذا انتهك حقوق الإنسان في التعامل مع شعبه.

ثانيا، استخدامه القهر العسكري مع مواطنيه.

ثالثا، ارتكابه جريمة التزوير الانتخابي.

رابعا، سوء إدارته الأموال العامة أو اختلاسها.

تفسيرات تتحدث عن تبني صندوق النقد الدولي فكرة اشتراط "غياب موافقة الشعب" لتصنيف "الديون البغيضة"، وإلى جانبه البنك الدولي ونادي باريس

اتصف نظام آل الأسد الذي حكم سوريا على مدى أكثر من خمسين عاما بجميع الحالات الأربع المذكورة. ما يؤكد ذلك، البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية التي استخدمها جيش النظام ضد معارضيه، كما الصور والشهادات التي يتم تداولها عن شتى وسائل التعذيب في السجون السورية، في مقدمها سجن صيدنايا الذائع الصيت، والتي ذهب ضحيتها أكثر من مئة ألف سجين، وأيضا الحشود الشعبية التي ملأت الساحات للتعبير عن فرحتها بالتخلص من نظام آل الأسد، مما يدحض سلامة الانتخابات التي كانت تجرى في السابق. وكذلك سيطرة أفراد من آل الأسد ومقربين منهم على المفاصل الاقتصادية الأساسية في البلاد.

عدم موافقة الشعب السوري كشرط

نشرت مجلة "التمويل والتنمية" الصادرة عن صندوق النقد الدولي في أبريل/نيسان 2002 مقالا لمايكل كريمر، الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة "هارفرد"، وسيما جاياشاندران، إحدى المتخرجات في الجامعة، عن "الديون البغيضة" ذكرا فيه أن العديد من الدول النامية تعاني من ديون تراكمت على عاتق حكام اقترضوا من دون موافقة شعوبهم، واستخدموا الأموال إما لقمع هذه الشعوب أو لتحقيق مكاسب شخصية.  

.أ.ف.ب
مودعون في أحد المصارف السورية في دمشق، 16 ديسمبر 2024

وقد فسر خبراء نشر المجلة لهذا المقال على أنه تبنٍّ من الصندوق لفكرة اشتراط "غياب موافقة الشعب" لتصنيف "الديون البغيضة"، وأيضا على أنه توجه من الصندوق، ومعه البنك الدولي ونادي باريس، من أجل تقديم تعريف جديد لهذه الديون يصب في مصلحة الدائنين، خصوصا من القطاع الخاص، وهو يتضمن ضرورة سداد الديون الدولية قبل صرف أي قرض يتفق عليه مع الصندوق أو البنك الدوليين. واستمرار ذلك من شأنه أن يضغط على الدول المدينة لتسديد ديونها حتى لو كانت بغيضة تنفيذا للشرط الذي فرض عليها، وأيضا تجنبا لمصادرة أصولها في الخارج وتشويه سمعتها، مما يزيد صعوبة اقتراضها من جديد أو جذبها للاستثمارات الأجنبية.

أما بالنسبة الى سوريا، حتى مع التعريف المتشدد لصندوق النقد وخلفياته، تبقى الديون السورية لإيران غير قابلة للسداد لعدم وجود موافقة عليها من الشعب السوري وفقا للآلية المقترحة من الاقتصاديين كريمر وجاياشاندران.

القانون الدولي ومفهوم "الديون البغيضة"

عدم تحديد القانون الدولي مفهوم "الديون البغيضة" غير الشرعية الجائز عدم سدادها، دفع البعض، ومنهم الاقتصاديان كريمر وجاياشاندران، إلى اقتراح خيارات عدة لتقييم شرعية الأنظمة الحاكمة وإعلان أي ديون سيادية تتكبدها هذه الأنظمة، فلا تقع على عاتق الحكومات التي ستخلفها. منها إنشاء هيئة من قضاة محترفين ومستقلين لتقييم شرعية الديون على غرار محكمة العدل الدولية في لاهاي أو المحكمة الجنائية الدولية، أو قيام مجموعة من الشخصيات البارزة من رؤساء دول سابقين، كالرئيس الراحل نيلسون مانديلا مثلا، ومحامين دوليين وممثلين عن منظمة الشفافية الدولية وحقوق الإنسان، بإصدار قائمة دورية بالأنظمة الشرعية.

الأموال الإيرانية استخدمت لانتهاك حقوق الإنسان في التعامل مع الشعب وفي القهر العسكري والتزوير وسرقة الأموال العامة

مع هذا، من غير المتوقع أن تكون هناك عمليا عوائق أو تداعيات لأي قرار قد تتخذه أية حكومة سورية بوقف سداد ديون بلادها البغيضة لإيران ومصادرتها الاستثمارات المرتبطة بهذه الديون أيا كانت آجالها، لصعوبة مجاراة الدول الغربية إيران في أية إجراءات قضائية قد تتخذها ضد سوريا ردا على تملصها من السداد. لا بل من المتوقع أن تقترن أية مساعدات خارجية لسوريا بشرط توقف الأخيرة عن دفع الديون البغيضة التي اقترضها نظام الأسد من المؤسسات العامة والأفراد في إيران.

مطالبة سوريا إيران بالتعويض

من جهة أخرى، تناقل عدد من وسائل الاعلام والمواقع الالكترونية خبر عزم الحكومة السورية على مطالبة إيران بدفع تعويضات مقدارها 300 مليار دولار عن "الأضرار التي لحقت بالسوريين والبنية التحتية السورية بسبب سياساتها التعسفية خلال تحالفها العسكري مع الميليشيات العاملة معها لصالح نظام الرئيس السابق بشار الأسد"، من دون الإشارة إلى أية إجراءات ستتخذها في هذا الإطار.

.أ.ف.ب
عنصر من الادارة السورية الجديدة أمام مدخل قاعدة تابعة للحرس الثوري الإيراني سابقا، في جبل قاسيون، دمشق 4 يناير 2025

الطلب ممكن من حيث المبدأ، انطلاقا مما ذكره ألكسندر ساك في كتابه من أن الدائنين الذي يبرمون "ديونا بغيضة" مع الحكومات لأغراض تتعارض، بعلمهم، مع مصالح الأمة، يرتكبون "عملا عدائيا" ضد الشعب. مما يؤسس ليس فقط لتخلص سوريا من ديونها "البغيضة" بل لمطالبتها أيضا إيران بالتعويض عن مجمل التبعات والأضرار التي لحقت بالأفراد والممتلكات العامة والخاصة جراء دعمها العسكري والمالي لنظام الأسد.

يبقى من المهم هنا تحديد الجهة التي ستنظر في هذه التعويضات وتبتّها، هل هي المحاكم المحلية أو الدولية، أم لجنة خاصة كلجنة الأمم المتحدة للتعويضات التي أنشأها مجلس الأمن عام 1991 للتقرير في التعويضات عن الخسائر الناجمة عن غزو العراق للكويت؟

font change