ما هو مستقبل إدارة تغير المناخ من وجهة نظر المثقفين الخليجيين

التحديات معلومة لكن المهم هو تحديد السياسات المطلوبة

AFP
AFP
مضخة حفر نفط وسط الكثبان الرملية في صحراء إمارة دبي الخليجية، 2022

ما هو مستقبل إدارة تغير المناخ من وجهة نظر المثقفين الخليجيين

عقد منتدى التنمية الخليجي اجتماعه السنوي خلال الفترة 7-8 فبراير/شباط الماضي، في مدينة مسقط في سلطنة عمان. هو الثالث والأربعون للمنتدى الذي تأسس في ديسمبر/كانون الأول عام 1979 بمعرفة عدد من المثقفين الخليجيين الذين آلوا على أنفسهم الاهتمام بمتابعة القضايا ذات الصلة في هذه المنطقة من العالم والاعتناء بها ومحاولة فهم المعوقات والمشكلات التي تواجه مسيرة التنمية. طرحت خلال الاجتماعات المتتالية قضايا عديدة منها ما يتعلق بالاقتصاد والطاقة والنفط ومسائل الديمغرافيا والاختلالات السكانية وتشوهات سوق العمل وغياب التنوع الاقتصادي. اللقاء الأخير جاء تحت عنوان "مستقبل إدارة تغيير المناخ والتنمية الاقتصادية في دول الخليج العربية".

طرحت خلال اللقاء أوراق بحثية مميزة ومنها ورقة متعلقة بـ"السياسات والتقنيات المطلوبة في دول الخليج العربي لمواجهة تحديات تحول الطاقة والتغير المناخي"، أعدها الدكتور عدنان شهاب الدين من الكويت، الذي سبق له العمل مديرا عاما لمعهد الكويت للأبحاث العلمية ومديرا مهما لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي، فضلا عن عمله سنوات في منظمة الأقطار المصدرة للنفط OPEC في فيينا.

أسئلة المناخ والتوجهات للحد من الاعتماد على الطاقة الأحفورية

الورقة طرحت أسئلة مهمة تدور حول التحديات التي تواجه دول الخليج في تعاملها مع تغير المناخ والتوجهات للحد من الاعتماد على الطاقة الأحفورية في الدول المستهلكة الرئيسة. هذه التحديات أصبحت معلومة لدى دول الخليج، لكن المهم هو تحديد السياسات التي ستنتهجها هذه الدول لمعالجة الاختلالات الاقتصادية والبيئية في بلدان المنطقة.

AP

كذلك كيفية التعامل مع الاقتصاد العالمي الذي أصبح أكثر استجابة لتنويع مصادر الطاقة، بعدما تراجعت تكاليف إنتاج الطاقات البديلة نتيجة للتطور التقني والاستثمار في المعالجات البيئية.

لا شك أن دول الخليج ذاتها بدأت الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة ووظفت مليارات الدولارات في البنية التحتية للطاقات البديلة وأصبحت منتجة لهذه الطاقات.

هناك تحدٍّ في كيفية الاستفادة من تقنيات حبس ثاني أكسيد الكربون، للوصول إلى نفط أو غاز نظيف يمكن تصديره إلى البلدان المستهلكة 

وهناك، أيضا، تحدٍّ تم التطرق اليه في اللقاء يتعلق بكيفية الاستفادة من تقنيات حبس الكربون، ثاني أكسيد الكربون، للوصول إلى نفط أو غاز نظيف يمكن تصديره إلى البلدان المستهلكة التي تهتم بإنجاز مشاريع تصفير الانبعاثات الكربونية ولديها برامج محددة بمواعيد تقريبية.

الاتفاقات الدولية وتبعاتها

ورقة مهمة أخرى قدمها الدكتور ماجد المنيف، الاقتصادي السعودي المرموق الذي شغل مناصب عديدة ذات صلة بالنفط والطاقة والاقتصاد، ومنها رئاسته المجموعة الاستشارية الدولية لمركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية. تطرقت الورقة لاتفاقية الأمم المتحدة الاطارية للتغير المناخي UNFCCC والمعتمدة منذ عام 1994. تطرق إلى الجدل الذي أثير حول المسائل الواردة في الاتفاقية وكيف طرحت مختلف الدول وجهات نظرها، ثم الوصول إلى اتفاقية باريس عام 2015. الرئيس دونالد ترامب في رئاسته الأولى أعلن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية، ثم جاءت رئاسة جو بايدن لتعيد الولايات المتحدة الى التزام الاتفاقية وبذل جهود حيثية لتسريع الانتقال إلى الطاقات النظيفة والحد من استخراج النفط من حقول كبيرة في الولايات المتحدة التزاما لفلسفة البيئة النظيفة.

AFP

كما أن إدارة بايدن رصدت مبالغ مهمة للاستثمار في مشاريع الطاقات البديلة وعملت على توحيد الجهود الدولية للتوافق على مواجهة التغير المناخي. لكن بعد انتخاب ترامب، مرة أخرى، في نوفمبر/ تشرين الثاني، من العام الماضي وتسلمه الرئاسة في يناير/كانون الثاني ، الماضي أعلن عزمه على الانسحاب من الاتفاقية مرة أخرى.

دول الخليج أصبحت ملتزمة الأهداف المعتمدة في الاتفاقات وعليها أن تنفق الأموال من أجل المساهمة في مواجهة المتغيرات المناخية والعمل على الحد من الانبعاثات الكربونية

دول الخليج أصبحت ملتزمة الأهداف المعتمدة في الاتفاقات، وعليها أن تنفق الأموال من أجل المساهمة في مواجهة المتغيرات المناخية والعمل على الحد من الانبعاثات الكربونية. لكن دول الخليج تعاني من اعتمادها على إيرادات النفط، ولذلك لا بد من صياغة سياسات واضحة للموازنة بين أهمية إنتاج النفط وتصديره، وفي الوقت نفسه العمل على تحرير النفط من ثاني أكسيد الكربون، وكذلك السعي لإنتاج الطاقة من مصادر بديلة. كما هو معلوم أن إنتاج الطاقة من مصادر متجددة سيساهم في توفير كميات من النفط لتصديرها إلى الدول المستهلكة، هذه الكميات يتم الآن استخدامها لإنتاج الكهرباء وتوليد الطاقة للمصانع والمؤسسات التي يمكنها أن تستبدلها بمصادر طاقة بديلة.

وقدر الباحثون من خلال أوراقهم في المؤتمر أن دول الخليج يمكن أن تعتمد بشكل متزايد على الطاقة الشمسية وبأسعار معقولة لاستخدامات عديدة في دول المنطقة. أحد الباحثين وهو مبارك بن خميس الحمداني من عمان، ذكر بأن هناك أهمية لبناء أنظمة اقتصادية واجتماعية وبنى تحتية لمواجهة تغيير المناخ، وأكد ضرورة تغيير السلوكيات المجتمعية للحد من استهلاك الطاقة. ذلك يعني دعم التوعية وتبني سياسات حكومية تعزز الترشيد في استهلاك الطاقة، وفي طبيعة الحال ليس هناك سبيل محكم سوى إعادة تسعير الاستهلاك ومراجعة سياسات دعم الاستهلاك المتبعة في عدد من دول الخليج.

رويترز
حقل نفطي تابع لشركة أرامكو في الربع الخالي، الشيبة، المملكة العربية السعودية، 12 يناير 2024.

غني عن البيان أن دول الخليج تواجه مسائل عديدة في مواجهة التغير المناخي. تعتبر دول الخليج من المناطق الحارة التي تتطلب استخداما كثيفا للطاقة الكهربائية، خصوصاا في شهور الصيف من أجل تبريد المنشآت والمباني والمساكن، وتتزايد الاحتياجات سنويا بفعل النمو السكاني. لذلك يعد الانتقال إلى استخدام الطاقات المتجددة ذا أهمية، حيث ستتم الاستفادة من الطاقة الشمسية والبدائل الأخرى وتوفير كميات كبيرة من النفط والغاز وخفض الانبعاثات الكربونية. أوضح الدكتور عدنان شهاب الدين أهمية تبني دول الخليج سياسات تؤدي إلى العمل بموجب اتفاقية باريس 2015 وما تبعها من تطورات ونتائج الاجتماعات، وآخرها اجتماع دبي 2023.

لا بد أن تنسق السياسات مع عدد من الدول المنتجة للنفط والدول النامية، بما يحفظ حقوق البلدان المنتجة للنفط. في طبيعة الحال، ليس هناك من إمكانات لانخفاض الطلب على النفط والغاز بشكل كبير على المدى المنظور، لكن تظل هناك ضرورة للتكيف مع سياسات التعامل مع الطاقات الجديدة وتطوير الصناعة النفطية واستخدام أفضل التقنيات لتصدير نفوط ملائمة لمتطلبات البيئة النظيفة.

دور المجتمع المدني في دول الخليج

منتدى التنمية بما يطرحه من قضايا اقتصادية واجتماعية خلال مؤتمراته السنوية، يؤكد أهمية المجتمع المدني في دول الخليج وضرورة الاستفادة من الخبرات في هذه البلدان في صناعة السياسات الاقتصادية. يمكن، أيضا، الاستفادة من منظمات خليجية مثل منتدى التنمية الخليجي لدراسة وتقديم حلول وبرامج لتخطي معضلات التنمية وتعزيز القدرات على التحول نحو الاستدامة الاقتصادية والتفاعل مع المتغيرات الجارية في العالم.

لا شك أن القضايا عديدة ولم تعد محدودة كما كانت الحال في مطلع الثمانينات من القرن الماضي عندما تأسس منتدى التنمية. ويدل طرح قضية التغير المناخي، على وعي أعضاء المنتدى بالمشكلات المتجددة التي تواجه بلدان الخليج وأهمية التصدي لها بالعلم والمعرفة وإثراء الحوار حولها.

font change