يولاندا غواردي لـ"المجلة": شعراء المعلقات كانوا يمتلكون وعيا عميقا وثقافة رفيعة

دور النشر الإيطالية تفضّل الصورة النمطية عن المهاجرين

Handout
Handout
يولاندا غواردي

يولاندا غواردي لـ"المجلة": شعراء المعلقات كانوا يمتلكون وعيا عميقا وثقافة رفيعة

يولاندا غواردي حاصلة على الدكتوراه في الأنثروبولوجيا والأدب العربي من جامعة تاراغونا – إسبانبا، وشهادة الماجستير في اللغة والأدب العربي من جامعة تورينو، والماجستير في اللغة والأدب الألماني من جامعة ميلانو. عملت يولاندا غواردي أستاذة للغة والثقافة العربية في المعهد العالي للشرق الأوسط والأقصى بميلانو، كما درّست اللغة العربية في جامعة بافيا، واللغة والترجمة من العربية إلى الايطالية في جامعة ميلانو، والأدب والثقافة العربية بجامعة ماتشيراتا – إيطاليا، وهي تدرس حاليا اللغة والأدب العربي بجامعة تورينو. صدرت لها كتب عدة عن الحضارة والثقافة العربية الإسلامية ومقالات مختلفة عن الأدب العربي المعاصر عموما والأدب الجزائري المكتوب بالعربية على وجه الخصوص. من بين الروايات والدواوين الشعرية التي ترجمتها إلى اللغة الإيطالية رواية "غدا يوم جديد" لعبد الحميد بن هدوقة، "عواصف جزيرة الطيور" لجلالي خلاص، و"الزلزال" للطاهر وطار، "ملامح" لزينب حفني، "الأبيض والأسود" لأمل بوشارب، "الديوان الإسبرطي" لعبد الوهاب عيسوي، "عين حمورابي" لعبد اللطيف ولد عبدالله، "كلما لمست شيئا كسرته" لعبد الإله صالحي، "حرف جامد" لثورية إقبال، "اذهبوا قليلا إلى السينما" لجلال الحكموي، "بلاد الثلاثاء" لخالد سليمان الناصري، وغيرها. وهي تعمل حاليا على ترجمة رواية "خبز على طاولة الخال ميلاد" للكاتب الليبي محمد النعاس. حصلت يولاندا غواردي على وسام رئيس الجمهورية الجزائرية لجهودها في نشر الثقافة العربية، كما حصلت على "جائزة الملتقى الدولي للرواية - عبد الحميد بن هدوقة" (الجزائر)، وحصلت كذلك على "جائزة خادم الحرمين العالمية للترجمة" (المملكة العربية السعودية) سنة 2011، وذلك لمساهمتها في الترجمة من العربية إلى الإيطالية.

ترجمة غواردي المعلقات إلى اللغة الإيطالية، التي صدرت عن دار النشر الإيطالية "موتا" والتي هي فرع "منشورات المتوسط" بالعربية، بمبادرة "ترجم"، إحدى مبادرات "هيئة الأدب والنشر" في المملكة العربية السعودية، كانت محور حديثنا خلال هذا اللقاء الخاص الذي أجرته المجلة معها في مدينة ميلانو، وامتد بعد ذلك ليشمل أمورا أخرى تتعلق بالترجمة ومدى تأثيرها في التقارب ما بين الثقافات المختلفة.

المعلقات

  • ما الذي دفعك إلى ترجمة المعلقات إلى اللغة الإيطالية؟

السبب الذي يجعلني أعتقد، وهو أيضا رأي جميع المشاركين في إنجاز هذا العمل، أن ترجمة هذا النص تعدّ أمرا بالغ الأهمية في وقتنا الحاضر، ينطلق من الإجابة عن السؤال: لماذا ينبغي gلقارئ الإيطالي الاطلاع على هذه النصوص العربية في عام 2024، وهي نصوص تنتمي إلى ثقافة تبدو بعيدة جدا عنا وقد كتبت في القرن السادس وربما حتى قبل ذلك. أولا وقبل كل شيء، أود أن أوضح أن هذا العمل لا يتعلق بنشاطي الشخصي. فنحن، كمشرفين وكمنسقين، لم نكن مهتمين بتقديم عمل أكاديمي بالطريقة التي يمكن فهم المنهج بها، فعلى الرغم من أنه يحتوي على بعض الجوانب الأكاديمية إلا أن المقدمة توضح ذلك بشكل كامل.

من المهم قراءة هذه القصائد لما تمتاز به من روعة التعبير وقوة اللفظ ودقة التشبيه وسلامة الفكرة والإيجاز، ولا تزال تُدرس حتى الآن لما تجسده من معانٍ خالصة باللغة العربية

  •  وما الهدف من هذا الاختيار؟

لقد اتبعت، على أي حال، مسارا دراسيا محددا، أكاديميا في المقام الأول، لذا لا يمكنني أن أكون مختلفة في شأن مساري. وبما أن هذه الأعمال غالبا ما تُنجز من منظور أكاديمي، فإنها تحتفظ بطابع مرجعي ذاتي كبير. كان الهدف هو تقديم عمل أدبي يمكن الجميع الاطلاع عليه بطريقة ما. ومع ذلك، يمكن القول إنه قد لا يكون كذلك، إذ إن بعض أجزاء هذه النصوص قد تكون صعبة قليلا. لكن ما يثير الاهتمام حقا هو القيمة التي تحملها هذه القصائد وما تخبرنا به. أولا، تخبرنا أنه في هذا العصر، عندما نتحدث عن البدو باللغة الإيطالية، نميل دائما إلى تصور سلبي بعض الشيء. ولكن في الواقع شعراء المعلقات كانوا يمتلكون وعيا عميقا عن زمنهم وكانوا مدركين ذواتهم، ولديهم ثقافة رفيعة المستوى إلى حد بعيد. لماذا أذكر هذا؟ لأن هذا الأمر بقي عالقا في ذهني منذ أن بدأت دراسة اللغة العربية. في الحقيقة، ربما تشير هذه الكلمة، أقصد البدو، بشكل حصري إلى حقبة ما قبل الإسلام، وبالتالي وجدت أنه من المفيد التركيز على هذه السمة الأولى.

"المعلقات – الشعر العربي قبل الإسلام"، من إعداد يولاندا غواردي وحسين بن شينا

  •  هذه ليست الترجمة الأولى للمعلقات إلى اللغة الإيطالية، أليس كذلك؟

نعم، هناك ترجمة أخرى، ولكنها لا تشمل جميع القصائد العشر كما هو الحال هنا. إن هذه هي الترجمة الإيطالية الأولى على الإطلاق للقصائد العشر كافة. ليس لديّ أي صعوبة في قول ذلك، لأن النسخة السابقة يمكن اعتبارها ليست ترجمة بالمعنى الدقيق للكلمة، بل هي تفسير، بمعنى أنه عند القيام بالترجمة، يجب على المترجم أن يفهم ما كُتب، وبالتالي أن يقدم تفسيرا. وغالبا ما يتعلق الأمر بالنصوص العربية القديمة حيث يُقال بين المترجمين: "حسنا، هذه الصورة لا تعجبني" أو "يصعب فهمها بالنسبة للقارئ". لذا، حتى عندما نعتبر القارئ ذا مستوى ثقافي أدنى، يسعى البعض إلى شرح الأبيات بدلا من ترجمتها. في بعض الأحيان يبدو أن الشرح يجعل النصوص تبدو أبسط، ولكنه أيضا يجعلها أصعب على الفهم وأبعد عن المعاني الأصلية. لذلك، مع مرور الوقت نُقحت ترجمات الأعمال الأدبية العربية الكلاسيكية، أي حُذف العديد من الأجزاء التي اعتُقد أن القارئ الغربي غير قادر على فهمها لأنها قد تكون مملة أو متكررة. يمكن أن تكون هناك أسباب عديدة لذلك، أو ببساطة فُسرت تلك الأجزاء دون نقل الصور التي استخدمها العرب أنفسهم.

القراءة الواعية لهذه الأشعار تتطلب إعادة النظر فيها بشكل كامل، دون اقتطاع أجزاء منها أو انتقاء أبيات فردية بهدف استخدامها كاقتباسات

لنأخذ مثلا يمكن تطبيقه على الجميع، وهو البيت الأول من معلقة عنترة المعروفة بالذهبية: "هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَـرَدَّمِ/ أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ". عند التعمق في الترجمات المختلفة، نجد تفسيرات متنوعة لهذا المقطع. ومع ذلك، أود أن أشير إلى صورة دقيقة للغاية، وهي الصورة التي تعكس أن الشعر في تلك الحقبة كان بمثابة نسيج متكامل. في الواقع، هذه القصائد أقرب بكثير إلى ثقافتنا، أو ما يعرف بالثقافة الغربية. لماذا أقول هذا؟ لأن اليونانيين يُعتبرون المرجعية الأولى للغرب، لذا يُقال إن الثقافة الغربية تنبع من الثقافة اليونانية. لقد كان لديهم شعراء يُطلق عليهم اسم الرابسوديين، والكلمة اليونانية "رابسود" (rhapsoidós) تعني النسّاج. ومن ثم، أشير بهذه الطريقة إلى صورة يمكن القارئ أو القارئة الغربية فهمها تماما، إذ إنها تنتمي إلى ثقافتنا فتقصّر المسافات بين الثقافات. أعتقد أنه من المهم قراءة هذه القصائد لما تمتاز به من روعة التعبير وقوة اللفظ ودقة التشبيه وسلامة الفكرة والإيجاز، ولا تزال تُدرس حتى الآن لما تجسده من معانٍ خالصة باللغة العربية مثل الحب والاعتزاز بالنفس والفخر وغيرها الكثير من الأغراض الشعرية المتنوعة.

AFP
صورة التقطت في أكتوبر 1933 تُظهر بدويا فلسطينيا مع جمله بالقرب من خيمة في فلسطين

ثقافة البداوة

  •  كيف يتصور الإيطاليون البدو في الوقت الحاضر؟

عند الحديث عن هؤلاء البدو في فترة ما قبل الإسلام، غالبا ما نضفي على الموضوع طابعا رومانسيا، حيث نتصورهم يعيشون في قلب الصحراء. ورغم أنهم كانوا يقيمون في الخيام، فإن الواقع كان مختلفا، إذ كانت حياتهم غنية بالمضمون. لا شك أنهم كانوا محاربين، وكانت الحرب في تلك الأزمنة تعتمد على الغزو من أجل البقاء. وبالتالي، كان هناك إيقاع معين لتلك القصائد، لكنها كانت تحمل أيضا عمق الإنسانية وقربها منا. وعلى الرغم من كل شيء، أرى الأمل يتجلى أمامي. وأين أراه؟ أراه في الشباب، فالشباب ومن سيأتي بعدهم هم الذين سيتولون الحفاظ على ذاكرتنا ونقل هذه الأشعار إلى المستقبل. هذه هي الرسالة التي أعتبرها جوهرية في هذه الأعمال الفنية، إذ تجعل منها أشعارا قابلة للاستفادة حتى في زمننا الحاضر. إن القراءة الواعية لهذه الأشعار تتطلب إعادة النظر فيها بشكل كامل، دون اقتطاع أجزاء منها أو انتقاء أبيات فردية بهدف استخدامها كاقتباسات. فالقصيدة الكلاسيكية من هذا النوع ينبغي أن تُقرأ بكاملها ويجب أن تُعاش أيضا.

  •  قراءة ربما تتطلب جهدا أكبر ...

من الطبيعي أن تتطلب قراءة هذا النوع من النصوص جهدا أكبر، لكنها في ذات الوقت تُظهر احتراما أكبر للقارئ، إذ أنني أؤمن إيمانا راسخا بأن القارئ هو صاحب الكلمة الأخيرة في هذا السياق. هناك كلمة جميلة بالإنكليزية Fiction، التي تساعدنا في فهم كيف أن الأدب هو نوع من الخيال، أي أنه ليس حقيقة ملموسة. قد يكون الأدب معقولا، لكنه لا يمثل الواقع. وغالبا ما يحدث الخلط بين هذه النصوص والوثائق التاريخية. بالطبع، توجد الوثائق التاريخية باللغة العربية، إلا أنها شيء آخر تماما. لقد شارك خمسة مترجمين في هذا المشروع، وهذا التنوع ينعكس بصورة طبيعية في الترجمات، إذ لكل شخص أسلوبه الخاص في الترجمة. من وجهة نظري كمحررة، أعتقد أن كل قصيدة اختارت المترجم المناسب لها. ولتحويلها إلى اللغة الإيطالية، كان يتعين على كل واحد منا أن يمر بالنص قبل أن يصبح إيطاليا، لكن أيضا يتفاعل معه بطريقة ما، مثلما كان يشاع منذ العصور القديمة عن الشاعر كونه شخصا عاش في عالم الجن. لذا كان علينا أن ندع هذه القصائد تسكن أرواحنا قبل ترجمتها إلى اللغة الإيطالية.

يولاندا غواردي

خصائص العربية

  •  لماذا اخترت اللغة العربية لغة للترجمة وللبحث؟

بدأت علاقتي باللغة العربية منذ أن كنت طالبة في قسم اللغات بجامعة ميلانو، وقد اتسمت هذه العلاقة منذ البداية بالفضول وشغف المعرفة واكتشاف آداب وحضارات جديدة. كنت على قناعة راسخة بأن اللغة العربية هي الأنسب للتعرف الى ثقافات الشعوب العربية، ولعل الترجمة تُعتبر من بين أفضل الوسائل لتحقيق هذا الهدف. المترجم المحترف لا يكتفي بالمعلومات اللغوية السطحية لنقل نص ما، بل عليه غالبا أن يتعمق في البحث لإيجاد الحلول الملائمة والمناسبة لنقل محتوى رسائل المؤلف إلى قرّائه.

العربية تحتوي على مفردات وتراكيب لغوية فريدة، مما يجعل من الصعب العثور على معادلات لها في الإيطالية

درست عدة لغات أوروبية قبل ذلك، لكنني شعرت بأن اللغة العربية ستكون لغة حياتي. وبالفعل، استمرت علاقتي باللغة والثقافة العربية عموما وترجمة نصوص متنوعة تشمل الرواية والقصة والشعر ومجالات معرفية أخرى. فمن خلال ترجمات سلسلة "برزخ"، سعينا لتقديم مؤلفات لكاتبات وكتّاب عرب معاصرين للقراء الإيطاليين. واستندت رؤيتنا في هذه السلسلة على الموضوعية والدقة، سواء في طريقة الترجمة والنشر أو في اختيار الأعمال المتميزة التي أنتجتها الثقافة العربية المعاصرة والتي نالت إعجاب الجمهور المحلي وخضعت لتقييم النقاد المحليين. لقد وضعنا نصب أعيننا تقديم صورة بعيدة عن الأنماط الشائعة، واثقين بأنها ستفاجئ القارئ الإيطالي وستزعزع قناعاته وتعيد اليه تلك الصورة التي افتقدها عن العالم العربي المتسم بالحركية الثقافية والحداثة والجدل الثقافي. من بين الترجمات التي صدرت عن هذه السلسلة أذكر رواية "المشرط" للكاتب كمال رياحي، ورواية "الإقلاع عكس الزمان" للمؤلفة إميلي نصر الله، والمجموعة الشعرية "أحد عشر كوكبا" للشاعر محمود درويش. كما توجد أعمال أخرى تحت الترجمة ستصدر قريبا.

  • "وجوه" لزينب حنفي

 ما المصاعب التي واجهتك في الترجمة من اللغة العربية؟

الصعوبة الأساس تكمن في غنى اللغة العربية، فهي محيط مترامي الأطراف ولا تكفي حياة واحدة لمعرفتها بالكامل، ولكن في الوقت نفسه هذه الصعوبة هي التي تبعث في نفسي روح التحدي والمضي في عملي بإصرار أكبر.

  •  يعتقد البعض أن من يعمل على النصوص العربية يواجه عوائق عديدة في مجال الترجمة. هل تجد هذا الرأي صحيحا؟

أرى أنه من الأفضل وصف ما يقوم به المترجم من العربية بالتحديات. وأعتبر أن أكبر تحدٍ يواجهني هو نقل المفاهيم الخاصة بالمجتمع والثقافة العربية التي لا تملك مقابلا في اللغة الإيطالية. فالعربية تحتوي على مفردات وتراكيب لغوية فريدة، مما يجعل من الصعب العثور على معادلات لها في الإيطالية. كما أن إيقاع الكتابة بين اللغتين مختلف، وهو عنصر أساسي لا يمكن تجاهله، إذ يعتبر الحفاظ على إيقاع النص العربي الأصلي ونقله بطريقة سلسة وواضحة إلى الإيطالية تحديا في حد ذاته، يسعى المترجم إلى تحقيقه دون المساس بأصالة النص.

عقبات

  •  من الواضح أن التركيز يقتصر على ترجمة الأدب العربي من منظور معين، دون أن يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي. كيف يمكننا التغلب على هذه العقبة؟

أرى أن الاهتمام بالعالم العربي في إيطاليا يتحدد بما يحدث في المجال السياسي وترجمة الإنتاج الأدبي المرتبط به. لذا، فإن من يسعى لترجمة ونشر الإنتاج المعرفي العربي، خاصة في إيطاليا، يجب أن يبذل جهودا كبيرة ويستثمر موارد مادية ومعنوية لتحقيق ذلك. لا شك أن كل مثقف واعٍ يدرك تماما أنه لا يمكن وجود حضارة دون إنتاج فكري شامل يتضمن الأدب بمختلف مجالاته، بالإضافة إلى الفلسفة والفن والتكنولوجيا وكل ما يساهم في بناء الحضارة. ولتحقيق ترجمة الإنتاج المعرفي العربي في إيطاليا، ينبغي أن يكون هناك تعاون وتشجيع عقلاني وهادف من قبل المعنيين بالأمر، وأشير هنا إلى أولئك الذين يهتمون بنشر الإنتاج الفكري العربي بشكل عام، سواء كانوا من إيطاليا أو من الدول العربية.

تكمن ميزة الأدب العربي المعاصر في أنه قد تجاوز الحدود الضيقة للعالم العربي وبدأ يتواصل مع الإنسانية بشكل عام، مما يجعله أدبا عالميا

  •  كيف ترين التعاون بينك وبين المؤسسات الثقافية في العالم العربي أو الأفراد، وما شكل التعاون الذي تتطلعين إليه؟

بالتأكيد، لولا التعاون المثمر مع بعض المؤلفين العرب لما كان في الإمكان تحقيق الترجمات التي قمت بنشرها حتى الآن. وبصفتي مديرة سلسلة "برزخ" للترجمات من الأدب العربي، فقد أوليت اهتمامي بالأدب العربي المعاصر، لذا فإن العلاقات مع المؤسسات والأفراد تعد أمرا بالغ الأهمية بالنسبة إلي، خاصة في مجال الترجمة. إن التواصل مع المؤلف يعد ضروريا لفهم أعماله الإبداعية. كما أن العلاقات مع المؤسسات تلعب دورا حيويا في التعرف الى أحدث ما يتم نشره، وكذلك في تذليل العقبات المختلفة سواء كانت مادية أو معنوية التي تعيق عملية إنجاز ونشر الكتب المختارة للترجمة.

  •  ما المزايا الأساسية للأدب العربي، ولماذا يُعتبر من الضروري أن يصل إلى العالم؟

تكمن ميزة الأدب العربي المعاصر، في أنه تجاوز الحدود الضيقة للعالم العربي وبدأ يتواصل مع الإنسانية بشكل عام، مما يجعله أدبا عالميا. وعلى الرغم من ارتباط مواضيعه بالحالات الاجتماعية أو السياسية الخاصة ببلد معين، إلا أن رسالته تحمل طابعا عالميا. علاوة على ذلك، فإن الإنسان يشكل تصوراته عن الآخر من خلال قراءة الأدب، وأنا على يقين بأن الأدب يعد وسيلة فعالة للتعرف الى الآخر؛ وبالتالي فإن المعرفة تُعتبر سلاحا قويا للغاية لمقاومة جميع الظواهر السلبية الناتجة من جهل الإنسان بالآخر، والقضاء عليها.

"غدا يوم آخر"، لعبد الحميد بن هدوقة

الإسلام والغرب

  •  لا تزال العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب تعاني من التوتر بسبب عوامل تاريخية. هل يمكن أن تساهم الترجمة والثقافة بشكل عام في تخفيف حدة هذه الأزمة؟

بعيدا من الخطاب السياسي والديبلوماسي، يمكنني القول إن الظروف التاريخية المعروفة والمواجهة العنيفة بين العالم العربي-الإسلامي والغرب في عدة مراحل تاريخية، أفرزت نظرة توجس بين الطرفين، وخاصة بعد انتهاء مرحلة الاستعمار الغربي المباشر عسكريا وثقافيا، والتي لم يمضِ على نهايتها النسبية أقل من سبعين عاما، وما زالت آثارها السلبية حاضرة في الأذهان بكل تبعاتها. وقد نتج من ذلك ما يسميه العلامة ابن خلدون علاقة الغالب بالمغلوب في مختلف المجالات. لذا فإن الدور الذي ينبغي أن تضطلع به حركة الترجمة وأنشطة المؤسسات الثقافية لدى كلا الطرفين لتجاوز تلك الآثار المأسوية وتوفير أرضية للتغيير الحقيقي للوضع، هو بلا شك دور مهم وصعب ومعقد في آن واحد، ويجب ألا يقتصر على علم واحد أو نوع أدبي معين، بل يجب أن يكون عملا شاملا يمس شرائح المجتمع كافة لدى الطرفين.

المهتم بالأدب العربي بشكل عام وأدب المهجر بشكل خاص إذا أراد تغيير هذه الأفكار والكليشيهات السلبية اليوم فإنه يواجه مهمة صعبة وعملا معقدا

  •  في منتصف ثمانينات القرن الماضي، شهدت إيطاليا ظاهرة الكتاب المهاجرين، أي الذين تبنوا اللغة الإيطالية لمخاطبة المجتمع المضيف، دون محاباة في معظم الأحيان. هل استطاع هذا الأدب فرض نفسه وإلى أي حد؟

في كثير من الأحيان، تفضل دور النشر الإيطالية تقديم نوع أدب الهجرة العربي، سواء كان مكتوبا باللغة العربية أو الإيطالية، الذي يعكس صورتين نمطيتين: إما أن يكون البطل إنسانا مسكينا بلا حول ولا قوة، مما يثير مشاعر القارئ المحلي ويدفعه إلى التعاطف والتباكي على معاناته، أو أن تكون له علاقة بالعنف والإرهاب. وإذا تعلق الأمر بامرأة مهاجرة، يجب أن تُصوَّر دائما كضحية مضطهدة من مجتمعها ومستغَلَّة. وفقا لهذا النوع من أدب المهجر العربي، فإن الإنسان العربي المهاجر إلى إيطاليا والغرب إذا لم يكن فقيرا وجاهلا فهو ضحية لعنف مجتمعه، وفي كلا الحالتين لا يجد الحرية والاحترام والأمان إلا في إيطاليا والغرب. لذا، فإن المهتم بالأدب العربي بشكل عام وأدب المهجر بشكل خاص إذا أراد تغيير هذه الأفكار والكليشيهات السلبية اليوم فإنه يواجه مهمة صعبة وعملا معقدا، ومن المؤكد أن هذا التغيير لا يمكن تحقيقه دون التعاون مع المؤسسات الثقافية العربية.

font change