مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

الحدث الأساس يجري في الغرفة التي كانت مخصصة للأم، غرفة الأم، وانطلاقا منها، تحدث غادة نفسها: "لقد بدأتِ تدركين حينها كيف دفع موت زياد كل واحد من أبويك في اتجاه مختلف، وكيف بقيتِ أنت وعالية في منتصف المسافة بينهما، مراهقتان خائفتان وعاجزتان عن أن تردما الهوة التي انفتحت بغتة في دربكما". وتتكثف الذكريات والحزن والألم الشديد في كل خطوة تخطوها في غرفة أمها، وفي كل قطعة تلمسها من الأثاث التي قررت بنصيحة من الأب بيعه، إذا لا أحد في البيت، فهي ستعود إلى بيتها وزوجها وابنتها، ويبقى البيت فارغا من كل شيء بعد أن كان مكتظا بأفراد العائلة وبالأثاث وبالذكريات وبالحياة.

رواية قاسية يطالع الموتُ القارئَ في كل سطر وكل جملة، مع إحساس لا ينقضي بالأسى وبالتفكير في جدوى الحياة طالما أن الموت سينهيها في أية لحظة.

الكتاب: السيمياء- مفاهيمها واتجاهاتها

الكاتب: د. منذر عياشي

الناشر: دار موزاييك للدراسات والنشر – الإمارات العربية المتحدة – تركيا

يقدم الكاتب السوري د. منذر عياشي في كتابه "السيمياء- مفاهيمها واتجاهاتها" تعريفا أو أطروحة، كما يسميها، لمفهوم السيمياء، وهي أنها "مادة لما به الوجود يكون علامة، أو صورة، أو مثالا. وما كان هذا ليكون إلا لأنه ما من شيء في الوجود إلا وهو محتاج إلى علامة تنوب عنه صورة، أو مثال يُستدل بها عليه. فالعلامة ضرورة وجود". بمعنى أنه لولا وجود العلامة كدال، ما كان للمدلول أن يكون.

ثم يفصّل الكاتب في كونها تنوب عنه أو يُستدل بها عليه، بقوله: أما تنوب عنه، فلأن الأشياء إذا كانت موضوعا للكلام، فإنها محال عليها أن تحضر في الكلام، وأن تحضر في ذهن صاحب الكلام، وإنما الذي يحضر هو صورة لها تنوب بها عن الأشياء في الأذهان. وأما يُستدل بها، فلأن الأشياء لما كانت لا تقوم في الأذهان بذواتها وإنما بصورها وتصوراتها وتمثيلاتها، فقد كانت محتاجة إلى علامة (من أصوات أو من أي شيء آخر) تقولها ويُستدل بها عليها في اللسان (أو بما ينوب عن اللسان) بمعنى إن العلامات لا تستمد وجودها في الكلام من خارج الكلام، ولكنها تستمد وجودها في الكلام من الكلام الذي يُستدل به عليها من خارج الكلام.

ثم يعود إلى التراث العربي ليكشف عن ظهور هذا المفهوم قبل أن تُطلق عليه تسميته الحديثة، فهو الذي جعل الإمام الغزالي يرى أن الشيء في وجوده ينقسم وجودات ثلاثة:

الأول هو أن للأشياء وجودا في الأعيان. وإن هذا الوجود هو الوجود الأصلي لها من حيث الحقيقة. وذلك كالجبال، والأنهار، والأشجار، والشمس، والقمر إلى آخره.

أما الثاني فهو أن للأشياء وجودا في اللسان. وإن هذا الوجود هو الوجود اللغوي. وهو يتمثل في جملة الألفاظ والعبارات والنصوص التي تنوب عنها في قول نفسها، ويُستدل بها عليها.

وأما الثالث فهو أن للأشياء وجودا في الأذهان. وإن هذا الوجود هو الوجود المفاهيمي، والصوري، وحتى التخيلي.

ويذهب الكاتب في استقصاء هذا المفهوم عبر عناوين كثيرة فصّل فيها عن العلاقة بين السيمياء والثقافة والتواصل، ولحظات تكوّن الأفعال السيميائية والعلامات، وتحدث عن سيمياء الأدب وغير ذلك من موضوعات وضّحت أكثر فأكثر هذا المفهوم الثقافي والمعرفي والنقدي، هو الذي عمل طويلا كأكاديمي وكمترجم وكمؤلف في هذا المجال.

الكتاب: فلسطين في النثر العربي الحديث - صور مختارة

الكاتب: رشيد النجاب

الناشر: دار الآن ناشرون وموزعون – الأردن

أربعة وعشرون نصا موزعا بين الرواية والرحلة والسيرة الذاتية والمقالات، يجول الكاتب الأردني رشيد النجاب بينها ويستقصي حضور فلسطين فيها وكيف تناولها الكتاب، وذلك في كتابه "فلسطين في النثر العربي الحديث - صور مختارة". يقول الكاتب إن فكرة الكتاب بدأت بعد قراءته كتاب "على دروب الأندلس" للشاعر سميح مسعود وهو من أدب الرحلات، فكتب مقالة حوله، إلا أن الكاتب الروائي الفلسطيني محمود شقير هو الذي ارتأى أن ينتقل من فكرة كتابة المقالة إلى فكرة كتابة الكتاب.

يقول محمود جرادات، كما ورد على غلاف الكتاب، إن القارئ يتنقل مع هذه النصوص من مكان إلى آخر، ومن حكاية إلى أخرى، ومن مرحلة إلى أخرى، وتصب كلها في تحفيز القارئ على البحث والمتابعة، وإرشاده إلى فضاءات سرعان ما يكتشف أنها فريدة. ويتابع، إن هذه النصوص تشكل رحلة شيقة ورشيقة تلامس شغاف القلب، وتستفز الذاكرة والحلم، وتنقب في محطات أدبية وسياسية وثقافية متنوعة، تحمل بصمات عدد من الأدباء والمفكرين، منهم: حنا مينه، محمود شقير، إلياس نصرالله، سميح مسعود، إبراهيم غبيش، مجدي دعيبس، سعاد العامري، فاروق وادي، باسم الزعبي، قاسم توفيق، صافي صافي، نجاتي صدقي، محمود الأطرش المغربي، نادية كامل، يوسف زيدان، عبد المجيد حمدان، إيمان يحيى، طارق قديس، حنا أبو حنا، سمير أديب، وباسم خندقجي.

كتب الناقد الأردني محمد عبيدالله مقدمة هذا الكتاب، وجاء فيها إن هذه القراءات الأدبية المتنوعة التي جمعها مؤلفها في كتاب واحد تمثل لونا طيبا من التأليف الأدبي، ينطوي على بعض خيوط تجربة القراءة بما هي تجربة ذاتية عميقة، تستدعي التفاعل بين النص والقارئ، فيغدو النص ملكا للقارئ وجزءا من عالمه، وتتجلى بعض جوانب الجمال في مقدرة النصوص الأدبية المتفوقة على اتساع دلالتها ومداها لتعبر عن كاتب النص أولا، ولكنها لا تنغلق على هذه الدائرة بل تتعداها للتعبير عن الآخرين، وهو ما يظهر في تجارب القراء والنقاد إذ يكتشفون جزءا من أنفسهم وتجاربهم في الكتب التي يطالعونها، ونجد علامات على هذا الجانب الحميم من تجربة القراءة في كتاب رشيد النجاب، خصوصا عندما يعرّج أثناء قراءاته على بعض تجاربه وعلى تسجيل بعض التداعيات التي تمثل ضربا من المشاركة والتفاعل الرفيع بين القارئ والنص الأدبي.

الكتاب: قوة القراءة من سقراط إلى تويتر

الكاتب: فرانك فوريدي

ترجمة: هاني حجاج

الناشر: المركز الأكاديمي للأبحاث – لبنان

يتتبع الكتاب أثر القراءة في تكوين الفكر البشري مرحلة إثر أخرى من مراحل التاريخ، منذ العصور القديمة حتى عصرنا الحالي الرقمي، ويركز بصفة خاصة على القراءة وشكلها في عصر المعلومات هذا. يبحث في تشكل الدلالة الرمزية للقراء من خلال اختياراتهم لما يقرأون، إذ إن انتقاء المرء كتابا ما أو إقباله على نوعية محددة من الكتب، أو حتى طريقة قراءته، يشكل دلالة رمزية كبيرة -كما يصفها الكاتب- للقارئ، ويوضح على نحو ما هويته الثقافية.

يروي الكاتب فرانك فوريدي في كتابة "قوة القراءة من سقراط إلى تويتر" كيف أن شيشرون، الكاتب الروماني الشهير، قسّم القراء منذ ما قبل الميلاد تقسيما تراتبيا هرميا مانحا أفضلية لمن هم في سلم الهرم على حساب القراء الآخرين في تدرجاته، الأمر الذي أثر على تاريخ القراءة والقرّاء حتى عصرنا الراهن الذي لم يزل يقسم الناس بين متعلم وأمي، ويقسم القراء بين قارئ عادي وفق ما يسميه الكتاب وقارئ متحفّظ، وتقسيمات أخرى بين قارئ مكثّف وآخر يسميه القارئ الموسع. ثم يعود المؤلف إلى القرن التاسع عشر ويكشف أن من يسميهم أو في الحقيقة من كان يسميهم المجتمع والثقافة بـ"رجال الأدب" هم الذين يُعتبرون النخبة، فيما يوصف الآخرين بغير المثقفين! أما في عصرنا الراهن فثمة تمييز يبيّنه الكاتب بين القراء الأداتيين والقراء الثقافيين.

ثمة معان متعددة ومتغيرة للقراءة يستكشفها الباحث عبر التاريخ، ويركز على مفهوم القراءة في هذا العصر الرقمي، والقراءة على وسائل التواصل في ظل عصر المعلومات والوسائط المتعددة التي تضعنا أمام سؤال لا يزال راهنا حول امتصاص المعلومات والقدرة على ذلك وكيفيته.

مقولة الكتاب تظهر عبر صفحاته باستمرار وهي إعادة الاعتبار الى فن القراءة الذي يراه موازيا لفن الكتابة. 

الكتاب: معجم الرواية

الكاتب: إيف ستالوني

ترجمة: محمد آيت ميهوب

الناشر: مشروع كلمة للترجمة – الإمارات العربية المتحدة

هذا النوع من المعاجم لا يفيد الباحثين في الراوية ونقادها فحسب، بل يفيد القارئ العام ليتعرف أكثر فأكثر الى تطور الرواية منذ الأشكال الأولى لظهور السرد وصولا إلى وضع الرواية الراهن الذي يتغير باضطراد إن على مستوى الشكل أو على مستوى المضمون، إنه كتاب موسوعي في الرواية، كما يقول المترجم محمد آيت ميهوب عنه، في حوار معه حول كتاب "معجم الرواية" للكاتب الفرنسي إيف ستالوني: إنه ذو طبيعة موسوعية جعلته يتجاوز حدود وظيفته المعجمية وينزع إلى أن يكون موسوعة نقدية تضم مقالات متعددة المشارب، يمكن أن تُقرأ كل مقالة منها على حدة. ويوضح سبب اعتباره موسوعة بالقول: هو موسوعي لكثرة مداخله وتنوع زوايا النظر فيها إلى الرواية واتساع باب التحليل فيها، وهو موسوعي كذلك لإحالته على حقول معرفية وثقافية وعلمية وحضارية كثيرة تمتد من الأسطورة إلى الإشهار مرورا بالأدب والفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ والأنثروبولوجيا والرسم والسينما، وهو موسوعي أيضا لإحالته على مئات الروايات الفرنسية والغربية التي استقى منها المؤلف أمثلته ونماذجه، ومن خلالها رحل بالقارئ في شعاب تاريخ الرواية الغربية.

وقد قال عنه الناشر إن هذا معجم ســمـاه مؤلفـه "معجم الروايــة"، ولـو سمـــاه "المعجم الموسوعي للرواية" لما كان مبالغا البتة، فهو ليس من نوع المعاجم الوجيزة التي تكتفي بالتعريف بكل مدخل أو مادة بسطر أو اثنين، بل يجد القارئ فيه سلسلة مقالات تُعنى كل واحدة منها بمادة محددة تنصب على أحد مكونات الجنس الروائي وممثليه البارزين ومراحل تطوره، وعلى معطيات أساسية من تاريخه كله. وتتسم المقالات بترابطها الشديد، بعضها يحيل على بعض، وتغتني كل مقالة بالأخرى وإليها تضيف. هكذا يقدم المعجم فن الرواية في امتداده التاريخي واتساعه المعرفي، بدءا ببذوره الأولى المنبثّة في الملاحم والحكايات والقصص المنظومة شعرا والخرافات والأمثال، ويعرض تطور هذا الجنس الأدبي وما شهده من توسع هائل استطاعت الرواية بفضله أن تستوعب أدوات الشعر والتاريخ والتحليل وغيرها، وتستثمرها استثمارا شديد الخصوبة.