بعد اتصال ترمب...هل يحقق بوتين مكاسبه؟

أثارت التطورات قلق الكثير من الدول الأوروبية

بعد اتصال ترمب...هل يحقق بوتين مكاسبه؟

ربما أخفق الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الوفاء بوعده بإنهاء الصراع في أوكرانيا خلال 24 ساعة من توليه منصبه، إلا أن مكالمته الهاتفية التي استغرقت 90 دقيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كشفت عن إمكانية واقعية للتوصل إلى اتفاق بين الزعيمين لوضع حد لهذا النزاع.

فعقب الاتصال الذي جرى بينهما يوم الأربعاء، صرح ترمب بأنه أجرى "محادثة طويلة ومثمرة للغاية" مع بوتين، حيث اتفقا على بدء المفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

وفي منشور عبر منصته "تروث سوشيال"، قال ترمب إنه وبوتين "اتفقا على أن تبدأ فرق كل منهما المفاوضات فورا". وأضاف: "لقد حان الوقت لإنهاء هذه الحرب العبثية التي شهدت موتا ودمارا هائلين وغير ضروريين على الإطلاق. ليبارك الله شعبي روسيا وأوكرانيا!".

ولم يُحدد بعد موعد أول لقاء مباشر بين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين منذ عودة ترمب إلى البيت الأبيض الشهر الماضي، إلا أن ترمب أبلغ الصحافيين بأنه يقترح عقد الجولة الأولى من محادثات السلام في المملكة العربية السعودية التي تبذل جهودا دبلوماسية خاصة بها لإنهاء الصراع في أوكرانيا. وقال ترمب: "سنلتقي في السعودية"، مضيفا أن الزعيمين تبادلا أيضا الدعوات لزيارة عاصمتيهما.

ورغم تفاؤل ترمب الكبير بنتائج محادثاته مع بوتين، فإن الكرملين كان أكثر حذرا، إذ صرح المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، بأن بوتين يؤيد اقتراح ترمب بأن الوقت قد حان للعمل المشترك بين الزعيمين.

ومع ذلك، ورغم حرص ترمب على تصوير محادثاته مع بوتين بصورة إيجابية، برزت مخاوف بشأن طبيعة أي اتفاق قد يجري التوصل إليه مع الرئيس الروسي لإنهاء النزاع. إذ يشعر القادة الغربيون بالقلق من أن يؤدي قرار ترمب بالتعامل مع بوتين دون فرض أي شروط مسبقة إلى تشجيع فلاديمير بوتين على الاعتقاد بأن غزوه المثير للجدل لجارته أوكرانيا سيحقق مكاسب في النهاية.

وبالتأكيد، فإن المؤشرات الأولية الصادرة عن إدارة دونالد ترمب بشأن طبيعة أي اتفاق سلام محتمل لإنهاء الحرب في أوكرانيا لا تبعث على التفاؤل بالنسبة للأوكرانيين، الذين خاضوا معركة طويلة ومكلفة للدفاع عن أراضيهم.

أثار رفض إدارة ترمب دعم المطالب الأساسية لأوكرانيا لإنهاء النزاع اتهامات بأن البيت الأبيض يستعد لخيانة القضية الأوكرانية مقابل إنهاء الأعمال العدائية

ومن بين المطالب الأساسية التي وضعها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإنهاء القتال، انسحاب القوات الروسية بالكامل من جميع الأراضي الأوكرانية التي احتلتها منذ عام 2014، بما في ذلك شبه جزيرة القرم ذات الأهمية الاستراتيجية، إضافة إلى موافقة حلف شمال الأطلسي (الناتو) على انضمام كييف إلى الحلف.
ولكن، وفقا لمصادر في إدارة ترمب عقب محادثاته مع بوتين، فإن من غير المرجح تلبية أي من هذين المطلبين الرئيسين.
إذ صرح دونالد ترمب للصحافيين في البيت الأبيض بأنه من غير المرجح أن تعود أوكرانيا إلى حدودها ما قبل عام 2014، رغم إشارته إلى أن "بعض تلك الأراضي ستعود" دون تقديم أي تفاصيل إضافية.
كما أكد الرئيس الأميركي اتفاقه مع التصريحات السابقة التي أدلى بها بيت هيغسيث، وزير دفاعه الجديد، خلال قمة "الناتو" في بروكسل يوم الأربعاء، حيث قال إنه لا يوجد إمكانية واقعية لانضمام أوكرانيا إلى الحلف العسكري.
وفي كلمة ألقاها خلال قمة للدفاع في بروكسل، وصف هيغسيث فكرة عودة أوكرانيا إلى حدودها السابقة بأنها "غير واقعية،" كما قلل من أهمية احتمال انضمامها إلى "الناتو".
وفي إشارة إلى تحول جذري في موقف واشنطن من الحرب، حذر هيغسيث من أن الولايات المتحدة لن تتسامح بعد الآن مع علاقة غير متوازنة مع حلفائها، مطالبا أعضاء "الناتو" بزيادة إنفاقهم الدفاعي بشكل كبير، بينما يتوجب على الدول الأوروبية تحمل النصيب الأكبر من تمويل أوكرانيا.
ويتناقض استعداد إدارة ترمب للتواصل مع فلاديمير بوتين بشأن أوكرانيا بشكل صارخ مع موقف الإدارة السابقة بقيادة جو بايدن، التي قدمت مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية لأوكرانيا عقب الغزو الروسي في فبراير/شباط 2022، كما دعت إلى إزاحة بوتين عن الحكم.
وأثار رفض إدارة ترمب دعم المطالب الأساسية لأوكرانيا لإنهاء النزاع اتهامات بأن البيت الأبيض يستعد لخيانة القضية الأوكرانية مقابل إنهاء الأعمال العدائية، ما دفع وزير الدفاع بيت هيغسيث إلى التأكيد على أن مكالمة ترمب مع بوتين "ليست خيانة" لأوكرانيا.
ومع ذلك، أثارت هذه التطورات قلق الكثير من الدول الأوروبية الكبرى، بما في ذلك بريطانيا، التي دعمت المجهود الحربي الأوكراني، ما دفعها إلى الإصرار على أن تكون جزءا من أي مفاوضات مستقبلية بشأن مصير أوكرانيا.

تدرك إدارة ترمب أن روسيا لا تزال تمثل تهديدا للأمن الأوروبي، وهو ما قد يهدد المصالح الأميركية، خاصة في ظل الاستثمارات التجارية والعسكرية الأميركية الواسعة في أوروبا

وجاء في بيان مشترك صادر عن سبع دول أوروبية عقب اجتماع لوزراء الخارجية في باريس:  "يجب أن تنصبّ أهدافنا المشتركة على تمكين أوكرانيا وتعزيز موقفها"، مشددا على أن "أوكرانيا وأوروبا يجب أن تكونا جزءا من أي مفاوضات"، كما دعا إلى تقديم ضمانات أمنية قوية لكييف.
أما بالنسبة لأوكرانيا، فقد حاول الرئيس فولوديمير زيلينسكي إظهار موقف متماسك حيال نتائج أول اتصال بين ترمب وبوتين، مؤكدا أن مكالمته مع الرئيس الأميركي، التي جرت بعد حديث ترمب مع بوتين، كانت "نقاشا جيدا ومفصلا حول مجموعة من القضايا".
وكتب زيلينسكي: "لا أحد يريد السلام أكثر من أوكرانيا. نعمل مع الولايات المتحدة على وضع خطواتنا التالية لوقف العدوان الروسي وضمان سلام دائم وموثوق"، مضيفا أنه "جرى الاتفاق على مواصلة التواصل والتخطيط لاجتماعات مقبلة".
تعول كييف على أن رغبة ترمب في تحقيق اتفاق يعزز صورته عالميا ستدفعه إلى تفادي الظهور وكأنه يكافئ بوتين على غزوه لأوكرانيا. وفي حين قد تضطر أوكرانيا إلى تقديم بعض التنازلات، فإن ترمب سيطالب موسكو أيضا بتقديم تنازلات في أي اتفاق سلام مستقبلي.
كما تدرك إدارة ترمب أن روسيا لا تزال تمثل تهديدا للأمن الأوروبي، وهو ما قد يهدد المصالح الأميركية في حال تصاعدت التوترات بين موسكو وبقية دول أوروبا، خاصة في ظل الاستثمارات التجارية والعسكرية الأميركية الواسعة في القارة.
وهكذا، ورغم أن مكالمة ترمب مع بوتين قد أطلقت المسار الدبلوماسي لإنهاء النزاع في أوكرانيا، لا يزال الطريق طويلا قبل التوصل إلى تسوية سلام دائمة.
 

font change