الذكرى الثمانون لقمة عبد العزيز-روزفلت... والعلاقات السعودية-الأميركية

مرت العلاقة الثنائية بين البلدين بتحديات عدة، أثبتت فيها المملكة، في كل مرة، أنها حليف استراتيجي

Yusra Naim
Yusra Naim

الذكرى الثمانون لقمة عبد العزيز-روزفلت... والعلاقات السعودية-الأميركية

في مثل هذا اليوم، غيّر الملك عبد العزيز آل سعود خارطة الشرق الأوسط للمرة الثانية في حياته، بعد المرة الأولى يوم وحد القبائل العربية، وأسس المملكة العربية السعودية، لتكون الدولة الأقوى في الوطن العربي، والأكثر تأثيرا في العالم الإسلامي.

وكان التغيير الثاني في 14 فبراير/شباط 1945، يوم التقى بالرئيس الأميركي فرانكلن روزفلت على متن مدمرة في البحيرات المرة بقناة السويس، ليؤسس تحالفا متينا بين البلدين، عاش أطول بكثير منه ومن روزفلت.

كانت هذه هي المرة الثانية التي يجتمع فيها رئيس أميركي مع زعيم عربي، بعد اللقاء الشهير بين وودرو ويلسون والأمير فيصل بن الحسين في مؤتمر باريس للسلام سنة 1919. ولكن الفارق بينهما أن لقاء عام 1919 كان على هامش مؤتمر دولي وليس ثنائيا، ولم يكن فيصل في حينها قد توج ملكا على سوريا بعد، وقد استقبلته فرنسا يومئذ بصفته ممثلا عن أبيه الشريف حسين. وكان فيصل ضعيفا للغاية سنة 1919، يبحث عن شرعية دولية، بينما كان الملك عبد العزيز في قمة شرعيته سنة 1945، عندما قرر تلبية دعوة الرئيس الأميركي.

في سنة 1919 كان الأمير فيصل بحاجة إلى الأميركيين، بينما في سنة 1945 كانت أميركا بحاجة إلى الملك عبد العزيز، لضمان وقوف بلاده مع "دول الحلفاء" في الحرب العالمية الثانية، وعدم دخول ألمانيا النازية إليها، لا من الناحية العسكرية والسياسية ولا من الناحية الاستثمارية والتجارية. قبل قمة عام 1945 كانت الدول الغربية تطالب الدول العربية والإسلامية بموقف واضح من النازية، وقد فرضت على العراق قطع علاقاته الدبلوماسية ببرلين، وكررت الطلب نفسه أمام شاه إيران رضا بهلوي الذي لم يستجب، فاضطرت بريطانيا، ومعها الاتحاد السوفياتي، لغزو طهران والإطاحة به عام 1941.

الولايات المتحدة نكثت بوعدها بعد وفاة روزفلت في 12 أبريل/نيسان 1945 وقدمت دعما كبيرا وغير مسبوق للحركة الصهيونية العالمية في عهد خليفته الرئيس هاري ترومان

وفي العراق، انفجرت ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد الإنكليز، ما أدى إلى هروب العائلة المالكة من بغداد وتدخل بريطانيا مباشر لإعادة الأمور إلى نصابها. أما مع السعودية، فكان الوضع مختلفا لأن العلاقة كانت ندية مع الملك عبد العزيز، ولا يمكن لبريطانيا أو للولايات المتحدة أن تفرض عليه موقفا سياسيا لم يكن راضيا عنه. لم تكن السعودية صنيعة الدول الغربية كما هو الحال مع المملكة العراقية أو تعتمد على دعم دول غربية. وبذلك، لم يكن بوسع الرئيس روزفلت أو رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل التحكم في قراراتها. ولهذا السبب بدأ روزفلت بمغازلة الملك السعودي باكرا لكسب ودّه منذ 18 فبراير 1943، يوم أعلن أنه يسعى لعلاقة استراتيجية مع المملكة، ودعا الأمير فيصل بن عبد العزيز لزيارتها في شهر سبتمبر/أيلول من العام نفسه.

ثم دعا روزفلت ملك السعودية إلى الاجتماع، ووضع الملك سلسلة من المطالب الصارمة ومنها الوقوف في وجه مشروع سوريا الكبرى، وعدم اتخاذ أي موقف من القضية الفلسطينية يتعارض مع حقوق الشعب الفلسطيني.

غيتي

استمر اللقاء الشهير خمس ساعات متواصلة، ووعد فيه الملك عبد العزيز بدعم موقف "الحلفاء" في حربهم مع أدولف هتلر. وفي المقابل، تعهد روزفلت بتزويد السعودية بخبرات عسكرية لتطوير جيشها. ووعد الملك بعدم السماح لأحد أن يستغل نفط المملكة، لا من النازيين ولا من الفاشيين ولا من السوفيات، شرط دعم الشعب الفلسطيني والحفاظ على حقه في تقرير المصير.

ولكن الولايات المتحدة نكثت بوعدها بعد وفاة روزفلت في 12 أبريل/نيسان 1945 وقدمت دعما كبيرا وغير مسبوق للحركة الصهيونية العالمية في عهد خليفته الرئيس هاري ترومان، وصولا لقيام دولة إسرائيل في 14 مايو/أيار 1948.

مرت العلاقة الثنائية بين البلدين بتحديات عدة، أثبتت فيها المملكة، في كل مرة، أنها حليف استراتيجي

غضب الملك السعودي من هذا التصرف، ولكنه حافظ على العهد وظل متمسكا بموقف بلاده المعارض للنازية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء، ولم يبخل في دعم الولايات المتحدة في حربها الباردة مع الاتحاد السوفياتي. وكان سدا منيعا أمام انتشار الشيوعية في الوطن العربي، وبعد وفاته سنة 1953، وقفت السعودية مع أميركا في وجه الخمينية الثورية اعتبارا من سنة 1979، ثم في وجه صدام حسين بعد احتلال الكويت عام 1990، وأخيرا في وجه الأصولية والتطرف الديني في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2011.

مراحل وتحديات

مرت العلاقة الثنائية بين البلدين بتحديات عدة، أثبتت فيها المملكة، في كل مرة، أنها حليف استراتيجي، ولكنها ليست تابعة للولايات المتحدة. كما أنها لم تتردد في معارضتها جهارا في محطات عدة، مثل يوم قام الملك سعود (نجل الملك عبد العزيز وخليفته) بقطع النفط عن حلفائه البريطانيين والفرنسين في أثناء العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956. وجاء ذلك على الرغم من تحفظات المملكة على سياسات الرئيس جمال عبد الناصر، ولكنها أصرت أن لا يدفع الشعب المصري ثمن مجابهته للدول الكبرى. وتكبدت السعودية يومها خسائر مالية هائلة وصلت إلى 300 مليون دولار، تماما كما فعل الملك فيصل بن عبد العزيز في أثناء حرب أكتوبر 1973، يوم استخدم سلاح النفط ثانية لدعم مصر وسوريا. كما عارضت السعودية الأميركان في أثناء الغزو الإسرائيلي لبيروت سنة 1982، والغزو الأميركي للعراق عام 2003، ولكنها في المقابل شهدت أيضا مراحل من النمو والازدهار معها، في عهد الرئيس رونالد ريغان في الثمانينات وأثناء حكم الرئيس بيل كلينتون مثلا (1993-2001)، وفي ولاية الرئيس دونالد ترمب الأولى (2017-2021)، ومجددا اليوم، بعد عودته إلى البيت الأبيض في شهر يناير/كانون الثاني الماضي.

وكانت السعودية أول محطة في جدول زيارات ترمب الخارجية سنة 2017، وقد تكون مجددا أول محطة خارجية له هذا العام. أما إدارة الرئيس جو بايدن فقد ذهبت غير مأسوف عليها، وتحديدا بعد فشلها في اتخاذ موقف شجاع تجاه الهجمات الحوثية، وعزمها على التوصل إلى اتفاق حول سلاح إيران النووي حتى لو كان على حساب الدول العربية، وأخيرا، حيال موقف بايدن الداعم لإسرائيل في حربها الأخيرة على غزة.

ولكن عهد بايدن شهد أيضا بداية مباحثات جدية حول اتفاقية دفاعية بين السعودية والولايات المتحدة. وتعود هذه الاتفاقية إلى الواجهة اليوم مع عودة ترمب إلى الحكم، ولكن الأوضاع الإقليمية قد تلقي بظلالها الثقيلة على أية مفاوضات مستقبلية خصوصا بعد الكلام الأميركي عن تهجير أهالي القطاع وجعله "ريفييرا الشرق الأوسط"، كما قال ترمب في مؤتمره الصحافي الأخير في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

خيارات السعودية توسعت وتغيرت ولكن حاجة أميركا لها لم تتغير، بل ازدادت بشكل كبير نظرا لقوة المملكة الاقتصادية ودورها المحوري في معظم الملفات الدولية الشائكة

الشروط لم تتغير في جوهرها عن شروط الملك عبد العزيز، فالرياض متمسكة بمحاربة الأصولية والتطرف كما كان الملك المؤسس متمسكا بمحاربة النازية ومن بعدها الشيوعية، وهو على استعداد لمزيد من التعاون، شرط أن لا يكون على حساب الشعب الفلسطيني. ما رفضه الملك عبد العزيز بحزم سنة 1945 قد يكون حجر أساس الموقف سنة 2025، مع فارق رئيس وهو، اتساع الخيارات السعودية اليوم من الناحية الاستثمارية والسياسية، مع صعود نجم الصين في المنطقة وتنامي دور دول "بريكس".

خيارات السعودية توسعت وتغيرت ولكن حاجة أميركا لها لم تتغير، بل ازدادت بشكل كبير نظرا لقوة المملكة الاقتصادية ودورها المحوري في معظم الملفات الدولية الشائكة.

محضر قمة الملك عبد العزيز–روزفلت موجود في أرشيف البيت الأبيض، وقد يجد ترمب من المفيد العودة إليه ودراسته عن قرب قبل زيارته المرتقبة إلى المنطقة.

font change