لطالما تصدرت الأنشطة النووية الإيرانية العناوين الرئيسة، رغم أن مدى اقتراب طهران من بناء قنبلتها الأولى لا يزال غير واضح. غير أن فشل إيران النسبي في الحفاظ على سرية طموحاتها النووية يتناقض بوضوح مع تجربة إسرائيل، الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية. ففي ستينات القرن الماضي، نجحت إسرائيل في تطوير القنبلة بسرية شبه تامة، بل وتمكّنت من تضليل الحكومة الأميركية بشأن أنشطتها وأهدافها.
وأطلق ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، مشروع بلاده النووي في منتصف إلى أواخر خمسينات القرن الماضي، حيث أنشأ المجمع النووي الإسرائيلي في ديمونة خلال فترة لم يكن فيها سوى ثلاث دول تمتلك أسلحة نووية. وبعد مرور عقد من الزمن، وقبيل اندلاع حرب الأيام الستة عام 1967، تمكنت إسرائيل سرا من تجميع أولى قنابلها النووية.
ورغم المعارضة الشديدة من الولايات المتحدة، التي قادها الرئيس جون كنيدي، تمسّك القادة الإسرائيليون بتحقيق أهدافهم، إذ اعتبروا المشروع النووي التزاما يضمن مستقبل بلادهم، تعهدا بـ"عدم تكرار المأساة" مستوحى من ذكرى المحرقة. وقد لعبت الجرأة والمراوغة والخداع دورا محوريا في التنفيذ الحثيث للبرنامج النووي الإسرائيلي.
وفي الشهر الماضي، نشر الأرشيف الأمني القومي بجامعة جورج واشنطن كُتيبا إلكترونيا جديدا يضم 20 وثيقة حول المشروع النووي الإسرائيلي، مسلطا الضوء على ما كانت تعرفه الحكومة الأميركية بشأن أسرار ديمونة، وكيف نجحت إسرائيل في إخفائها.
ومنذ البداية، تصور القادة الإسرائيليون مشروع ديمونة على أنه سر داخل سر. كان السر الأول هو الاتفاق النووي الفرنسي-الإسرائيلي لعام 1957، الذي أسفر عن إنشاء المجمع النووي. وقد جرت المفاوضات بشأن هذا الاتفاق بسرية تامة، إذ أدرك الطرفان حساسيته البالغة.
لكن كان هناك سر أعمق: منشأة إعادة المعالجة الضخمة تحت الأرض، المكوّنة من ستة طوابق، والتي غالبا ما يُشار إليها باسم مصنع الفصل الكيميائي، وقد صُمّمت لإنتاج البلوتونيوم الصالح لصنع الأسلحة مع بقائها مخفية عن الأنظار. لم يكن سوى عدد قليل جدا من الأشخاص على جانبي الاتفاق الفرنسي-الإسرائيلي على دراية بهذا السر الداخلي.