السويد في أذهان الكثير منا ارتبطت بكل شيء جميل. هي البلد الذي سجونه خالية بسبب قلة عدد الجرائم، هي البلد الذي شعبه طيب ويترك طعاما مع ورقه مكتوب فيها "خذ ما تريده وادفع بقدر استطاعتك". ارتبطت بأغاني الفرقة السويدية "ABBA" وببرنامج الأطفال الشهير "مغامرات نيلز". هذه هي الصورة التي كان كل عربي يعرفها عن السويد، فهل تغيرت اليوم وهل هي نفس الصورة التي يراها العرب المهاجرون للسويد اليوم؟
عندما أتابع تعليقات العرب المقيمين في السويد في صفحات الأخبار السويدية الناطقة بالعربية أجدها في أغلب الأحيان تعليقات ساخطة وغاضبة، ويلاحظ أن هذا السخط يتزايد عند العرب الذين قدموا للسويد في العقد الأخير، ولكنه قليل، أو يكاد ينعدم عند من قدموا للسويد قبل عشرات السنين. فما السبب يا ترى؟ سأحاول أن أفند الأسباب بحسب رؤيتي الخاصة وملاحظاتي.
في عام 2015 قررت السويد، وكانت في ذلك الوقت تحكمها أحزاب اليسار والوسط، أن تفتح أبوابها وتستقبل عددا كبيرا من المهاجرين من عدة دول تعاني من صراعات وحروب. كان هناك ترحيب أيضا من قبل الشعب السويدي وتعاطف كبير مع اللاجئين، وهناك من تطوعوا في مجالات مختلفة لمساعدة اللاجئين في الاندماج وفهم البلد وتعليمهم اللغة وحتى فتح بيوتهم لهؤلاء اللاجئين.
بالنسبة للسويد كان هذا العدد يفوق استعدادها، ورغم محاولات احتواء القادمين وتقديم الدعم من دراسة وتأهيل لتسهيل العمل فإن الكثير من الخطوات أدت إلى أن يصبح اللاجئون يقيمون في مناطق محددة، كانت تعتبر مناطق جديدة وأصبحت مسكونة من قبل اللاجئين. تسبب ذلك في أنهم انعزلوا عن المجتمع السويدي حيث يقل في هذه المناطق عدد السويديين ومع الوقت أصبح شبه معدوم.
في أبريل/نيسان عام 2017 حدثت جريمة إرهابية. حادثة دهس بالسيارة من قبل شخص أوزبكستاني تسببت في مقتل خمسة أشخاص وجرح آخرين، وكانت هذه الحادثة هي أول صدمة للشعب السويدي بعد قبول اللاجئين، ولكن كان ما يزال عدد كبير من السويديين يرفض التعميم، ويرفض لوم اللاجئين أو المهاجرين.
مع مرور السنوات تدهور الوضع في المناطق التي يكثر فيها المهاجرون حيث أصبحت وكرا للعصابات. تقوم هذه العصابات باستغلال المراهقين والأطفال، خاصة من الذين أتوا من خلفية مهاجرة في تهريب المخدرات أو غيره من الجرائم. وهم يختارون هذه الفئة لأن أعمارهم تحميهم من الدخول للسجن بحسب القانون السويدي. تأثرت أيضا خدمات الدولة من خدمات صحية وغيرها بسبب العدد الكبير من الناس.
القوانين التي تمنع ضرب الأطفال كانت مستنكرة خاصة من الذين قدموا من خلفيات اجتماعية تعتبر الضرب تأديبا واجبا
في السويد لا يحق للشرطي استخدام السلاح إلا في حالات الضرورة القصوى. لا نرى الشرطة في كل مكان، ولم تكن هناك كاميرات كثيرة احتراما لخصوصية الناس. تغير الكثير بسبب زيادة أعمال العنف وتم تعديل القوانين. أيضا محلات السوبر ماركت التي لم يكن فيها كاميرات وكانت فيها خاصية الخدمة الذاتية حيث يشتري الشخص مشترياته ويذهب، تغير هذا حيث زادت السرقات، واضطر الكثير من محلات السوبر ماركت إلى وضع كاميرات.
هذه التغيرات غيرت أيضا تقبل الشعب للمهاجرين وتعاطفه معهم، حيث أصبح الإعلام طوال الوقت يتحدث عن جرائم يومية، وانفجارات، وعن رغبة في زيادة السجون، وعن كيفية حل مشكلة جرائم المراهقين، ما زاد من تصويت السويديين للأحزاب اليمينية التي وعدته بأن ذلك سيتغير، وأن قبول اللاجئين سيصبح أقل، وأيضا حصولهم على الجنسية سيصبح أصعب. وتزايدت الكراهية ناحية المهاجرين بسبب هذا الخطاب الذي صور أن جميع المهاجرين مجرمون ويجب طردهم مما تسبب في شعور المهاجرين بأنهم غير مرحب بهم مهما حاولوا الاندماج.
وفي الناحية الأخرى، هناك أشياء أثارت استياء المهاجرين، خاصة المسلمين منهم، بسبب اختلاف الثقافات والقوانين.
مثلا القوانين التي تمنع ضرب الأطفال كانت مستنكرة خاصة من الذين قدموا من خلفيات اجتماعية تعتبر الضرب تأديبا واجبا. السويد هي أول دولة في العالم منعت ضرب الأطفال أو ممارسة أي عنف ضدهم منذ عام 1979، وتقوم الجهات المختصة بسحب الأطفال من العائلة التي تمارس العنف ضدهم، وهذا ما تعرض له عدد من العائلات سواء سويدية أو من خلفيات مهاجرة. ولكن للأسف ساهمت حملة مغرضة بعنوان "السويد تخطف أطفال المسلمين" التي اتهمت السويد بخطف أطفال المسلمين في زرع نظرية المؤامرة بأن السويد تستهدف فقط العائلات المسلمة مما زاد من خوف العائلات التي ليس لديها تعليمٌ كافٍ ولا معرفة كافية وزادت من عزلتها.
أزمة المهاجرين في السويد هي أزمة بين جانبين يجدان صعوبة في فهم بعضهما البعض، بين ثقافتين مختلفتين تماما، وقوانين سويدية سبقت الكثير من البلدان في موضوع حقوق المرأة والطفل
أيضا ساهم موضوع "سلوان موميكا"، وحرقه للقرآن الكريم وتعمده إهانة المسلمين في زيادة غضبهم، وكانت نهاية قصته بأنه قُتل مما أخاف الجانب الآخر الذي يؤمن بحرية التعبير.
مؤخرا أيضا وقعت حادثة هزت السويد، وهي حادثة إطلاق نار في مدرسة فيها مهاجرون أدت لمقتل عدد من الأشخاص منهم عرب، هذه الحادثة زادت في تصاعد الغضب بين فئة المهاجرين وتزايدت اتهاماتهم للحكومة بأنها لم توضح للآن أن سبب الحادثة هو الخطاب المتواصل ضد المهاجرين وبأن القاتل شخص عنصري ضد المهاجرين.
أزمة المهاجرين في السويد هي أزمة بين جانبين يجدان صعوبة في فهم بعضهما البعض، بين ثقافتين مختلفتين تماما، وقوانين سويدية سبقت الكثير من البلدان في موضوع حقوق المرأة والطفل، وهي مواضيع لا زالت متأخرة في الكثير من الدول. هناك أزمة ولكنني أرى أن هناك خطوات قد تستطيع حل هذه الأزمة تدريجيا. يجب استيعاب فكرة أن هذه الشعوب أتت من دول قمعية لذلك هي لا تثق في حكوماتها، ولا في أي حكومة، لذلك على الحكومة السويدية زيادة ثقة هؤلاء بالحوكمة ويأتي ذلك بتوجيه رسائل لهم عبر الإعلام تجعلهم يشعرون بأنهم جزء من هذا المجتمع، وليسوا هم المتهمين في كل المشاكل كما يحدث حاليا، هناك الكثير منهم من يحاول جاهدا أن يعمل ويكدح ليستقر ويعيش بأمان.
في الجانب الآخر على الجالية العربية والمسلمة تفهم القوانين المتعلقة بالمرأة والطفل، وهي قوانين مهمة في السويد ويجب تقبلها بكل الأحوال فلا يمكن قمع امرأة أو مراهقة، ولا تعنيف الأطفال.
بناء جسر بين الطرفين مهم، والإعلام يجب أن يلعب دورا كبيرا، وهذا ما يجب أن تركز عليه الحكومة السويدية، فالمهاجرون مهمون أيضا للسويد، وسيساهمون بشكل إيجابي فقط إن تم بناء هذا الجسر مع رغبة حقيقية في نجاح ذلك.