عندما كسب الغرب الحرب الباردة، اعتقد البعض في أوروبا مثل فوكوياما الأميركي باستتباب السلام و"نهاية التاريخ"، وداعبهم الوهم بأن الوحدة الاقتصادية وتوسيع الاتحاد الأوروبي كفيلان بتحصين القارة العجوز من أنواء التحولات العالمية. ولهذا تعثرت اقتراحات بناء "الجيش الأوروبي" أو "الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية" ولم تلاق التجاوب المطلوب.
حاليا في مواجهة إعصار ترمب والمخاوف المستقبلية من خطط روسيا والصعود الصيني، عقد قادة الاتحاد الأوروبي قمة غير مسبوقة ذات طابع تشاوري مع حلف شمال الأطلسي وبريطانيا في بروكسل في الثالث من فبراير/شباط الجاري لبحث سبل تعزيز الاتفاق الدفاعي تزامنا مع ضغوط سيد البيت الأبيض العائد وتغير الوقائع الاستراتيجية.
سيتطلب الأمر انتظار إصدار المفوضية الأوروبية نهاية الربيع القادم للكتاب الأبيض حول الدفاع الأوروبي من أجل التأكد من تسريع الأجندة الخاصة بتعزيز القدرة التنافسية والإمكانات الدفاعية. يبدو الوصول إلى هذه الأهداف عسيرا من دون وجود استراتيجية موحدة وتوافق على خيارات التمويل، لكن حدة التنافسية العالمية وهاجس "الانعزالية الأميركية" ربما تحفز الأوروبيين على تطوير تعاونهم الدفاعي خشية تهميشهم وإضعاف موقع قارتهم بين أقطاب العالم
تنشيط الدفاع الأوروبي بين الضرورات والإمكانات
ناقش القادة الأوروبيون خلال قمة بروكسل التشاورية تحديد احتياجات القدرات المشتركة، وتعزيز القاعدة الصناعية والتكنولوجية الدفاعية الأوروبية، وكذلك خيارات التمويل العام والخاص التي من شأنها أن تجعل من الممكن الاستجابة لها. كما ناقشوا العلاقات عبر الأطلسي وقضايا التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي، بحضور مارك روته، الأمين العام لـ"الناتو".
وتكمن أهمية الاجتماع كونه الأول الذي ينعقد بعد تسلم دونالد ترمب مهامه، ولأنه الأول المخصص حصريا للدفاع وأيضا لأنه الأول الذي ينضم إليه رئيس وزراء بريطانيا منذ دخول البريكست حيز التنفيذ وخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
من دون ضغط ووجوب تبني نص ختامي وتوصيات تبعا لطابع القمة التشاوري، تمحورت المباحثات حول سؤالين رئيسين: "ما القدرات العسكرية التي ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يعطي الأولوية لإنفاق الأموال عليها؟ وكيفية تمويل تطوير هذه القدرات واكتسابها؟".