الصلب والألمنيوم: سلاح اقتصادي يعيد تشكيل معادلة القطاع عالمياً

هل سيغيّر الإجراء قواعد الاقتصادات العربية المصدّرة والمستوردة للمعدنين؟

.أ.ف.ب
.أ.ف.ب
عمال مصانع الصلب يتظاهرون احتجاجا على خفض مزانية المخصصة لقطاع الصلب، في بروكسل 5 فبراير 2025

الصلب والألمنيوم: سلاح اقتصادي يعيد تشكيل معادلة القطاع عالمياً

في الحادي عشر من فبراير/شباط 2025، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب قرارا بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على واردات بلاده من الصلب والألمنيوم، في خطوة وصفها بأنها "ضرورية لحماية الاقتصاد والأمن القومي الأميركيين". هذا القرار، الذي يدخل حيز التنفيذ في مارس/آذار، جاء في وقت تعاني فيه القطاعات المحلية الأميركية ذات الصلة من تراجع كبير، إذ انخفض إنتاج الألمنيوم إلى 670 ألف طن فقط عام 2024، مقارنة بـ3.7 مليون طن عام 2000، في حين تغطي واردات الصلب 23 في المئة من الاستهلاك المحلي.

ترمب برر قراره بأن هذه الإجراءات ستضع حدا لما وصفه بـ"الإغراق العالمي" بواردات المعدنين، ولا سيما تلك الوافدة من الصين، التي تنتج أكثر من نصف الصلب في العالم، بما يعادل 1.032 مليار طن سنويا، وفق إحصاءات عام 2022. وعلى رغم أن الصين ليست مورّدا رئيسا للولايات المتحدة، يُغرِق فائض إنتاجها الأسواق العالمية ويضغط على الأسعار، مما يجعل الصناعات الأميركية أقل قدرة على المنافسة.

عاصفة من الانتقادات الدولية

على الرغم من أن القرار يستهدف تحسين الأوضاع الاقتصادية المحلية، على حد زعم ترمب، يثير عاصفة من الانتقادات الدولية. في كندا، التي تُعَد البلد الأكثر تصديرا للصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة، وصف وزير الصناعة فرنسوا فيليب شامبين القرار بأنه "غير مبرر"، بينما دعا رئيس الوزراء جاستن ترودو إلى محادثات ثنائية عاجلة لتجنب التصعيد. بدورها، طالبت مجموعات ضغط في كندا بفرض رسوم مضادة على منتجات أميركية.

الرسوم على الصلب والألمنيوم ستضر بالشركات والمستهلكين على حد سواء 

أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية

أما الاتحاد الأوروبي، الذي يُعَد من أول الكيانات الدولية المتضررة، فأعلن أنه سيتخذ "إجراءات حازمة" لحماية مصالحه الاقتصادية، بينما أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن هذه الرسوم "ستضر بالشركات والمستهلكين على حد سواء".

استنفار أوروبي وأميركي

في الأسواق المالية، انعكس القرار في شكل إيجابي على أسهم شركات الصلب والألمنيوم الأميركية، إذ قفزت أسهم شركة "كليفلاند-كليفس"، مثلا، بنسبة 20 في المئة فور إصدار ترمب إعلانه ذا الصلة. ومع ذلك، برزت في القطاعات التي تعتمد على هذين المعدنين، مثل تصنيع السيارات والبناء، أصوات أعربت عن قلقها من ارتفاع التكاليف، بما من شأنه أن يؤدي إلى زيادة أسعار المنتجات وتقليص القدرة التنافسية في الأسواق العالمية.

.أ.ف.ب
رافعة ترفع قضبان الحديد، في سوق للصلب في مقاطعة آنهوي شرق الصين، 10 فبراير 2025

على الصعيد العالمي، تُعتبَر هذه الرسوم بمثابة نقطة تحول في العلاقات التجارية. الصين، على رغم كونها ليست مستهدفة مباشرة، تنظر إلى هذه التطورات بوصفها فرصة لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الكيانات الدولية المتضررة مثل كندا والاتحاد الأوروبي. في المقابل، بدأت الكيانات المتضررة في البحث عن سبل للرد، مما يثير مخاوف من تفاقم الحروب التجارية الجارية بالفعل.

آثار متفاوتة عربيا... الخليج ومصر

في العالم العربي، تتفاوت الآثار المتوقعة لهذه الرسوم. بلدان الخليج، وفي مقدمها دولة الإمارات العربية المتحدة، تُعتبَر من بين أول البلدان المنتجة للألمنيوم عالمياً (نحو 2.6 مليون طن سنويا). كذلك تعتمد هذه البلدان في شكل كبير على التصدير إلى الأسواق العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة. ولذلك سيؤدي رفع الرسوم إلى تقليص قدرة المنتجات الخليجية على المنافسة في السوق الأميركية، مما يدفعها إلى البحث عن أسواق بديلة في آسيا وأوروبا.

في المقابل، قد تستفيد البلدان العربية التي تعتمد على استيراد الصلب، مثل مصر، من انخفاض الأسعار العالمية نتيجة الفائض المتوقع في الأسواق. مثلاً، تُنتِج مصر نحو 7.8 مليون طن من الصلب سنويا، لكنها تعتمد أيضا على الاستيراد لتلبية احتياجاتها. وقد يساعد انخفاض الأسعار في تقليل تكاليف البناء والبنية التحتية في هذه البلدان.

يرى محللون أن الهدف الحقيقي من هذه السياسات هو تعزيز شعبية ترمب في الولايات ذات القطاعات الصناعية المتضررة

ومع ذلك، تكمن التحديات الكبرى في ضرورة تحسين سلاسل الإمداد المحلية وتعزيز القدرات الإنتاجية للبلدان العربية، ولا سيما مع احتمال استمرار التغيرات في النظام التجاري العالمي. ذلك أن هذه الأزمة تُظهر أهمية الاستثمار في القطاعات الصناعية المحلية لتقليل الاعتماد على الواردات وزيادة القدرة التنافسية في الأسواق العالمية.

.أ.ف.ب

بالنظر إلى الآثار المرتقبة داخل الولايات المتحدة، يهدف القرار إلى تعزيز إنتاج الصلب والألمنيوم محليا، لكنه يواجه انتقادات واسعة النطاق من قطاعات اقتصادية أخرى (ولا سيما الصناعات التحويلية التي تعتمد على الصلب والألمنيوم كمكونات أساسية، مثل تصنيع السيارات والبناء والطاقة). عام 2018، عندما فرض ترمب خلال ولايته الأولى رسوما مشابهة، ارتفعت أسعار الصلب والألمنيوم بنسبة 2.4 في المئة و1.6 في المئة على التوالي، وفق لجنة التجارة الدولية الأميركية. وعلى رغم ذلك، لم تؤدِ هذه الخطوة إلى توليد وظائف جديدة في شكل كبير، مما أثار تساؤلات حول فاعلية سياسات مثل هذه في الأجل البعيد.

ترمب من جانبه أكد أن هذه الرسوم هي مجرد بداية لسياسات اقتصادية أشمل، مشيرا إلى أنه يخطط لفرض رسوم إضافية على مجموعة واسعة من المنتجات، بما في ذلك السيارات والرقائق الإلكترونية. ويرى محللون أن الهدف الحقيقي من هذه السياسات هو تعزيز شعبية ترمب في الولايات ذات القطاعات الصناعية المتضررة لأسباب كثيرة – منها نقل الإنتاج إلى الخارج، والتطور التكنولوجي، وتراجع الطلب على الصناعات التقليدية، والسياسات التجارية، وهجرة السكان – استعدادا للانتخابات المقبلة.

كندا وأوروبا تبحث عن تحالفات جديدة

مع تصاعد الحروب التجارية، يبدو أن النظام التجاري العالمي يمر بمرحلة تحوّل. الكيانات الدولية المتضررة من الرسوم، مثل كندا والاتحاد الأوروبي، بدأت بالفعل في البحث عن تحالفات اقتصادية جديدة بعيدا عن الولايات المتحدة. الصين، التي تسعى إلى أداء دور أكبر في الاقتصاد العالمي، قد تكون أكثر البلدان استفادة من هذا الوضع، ولا سيما إذا تمكنت من تعميق علاقاتها مع البلدان المتضررة من السياسات الأميركية.

.أ.ف.ب
من اليمين، وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك الى جانب الرئيس دونالد ترمب خلال توقيعه على قرار فرض رسوم جمركية على الصلب والألمنيوم

وفي النهاية، تُعَد رسوم ترمب الجمركية خطوة مغامرة على خلفية رؤية اقتصادية تزعم أنها تهدف إلى حماية القطاعات المحلية، لكنها تأتي بتكلفة عالية على العلاقات التجارية الدولية. بالنسبة إلى البلدان العربية، يمثل هذا الوضع في الوقت نفسه تحديا للبعض وفرصة للبعض الآخر. يكمن التحدي في التكيف مع التداعيات القريبة الأجل، بينما تكمن الفرصة في استغلال هذه الأزمة لتعزيز القدرات الصناعية وتحقيق الاستقلالية الاقتصادية. الأيام المقبلة ستكشف ما إذا كانت هذه السياسات قادرة على تحقيق أهدافها أم أنها ستقود إلى أزمة أعمق آثارا في الاقتصاد العالمي

font change

مقالات ذات صلة