كتب الكاتب البيروفي ماريو فرغاس يوسا في أحد مقالاته المنشورة اخيرا، مدافعا عن اللغة الاسبانية: "ليست اللغة مجرد وسيلة للتواصل. إنها ثقافة وتاريخ وأدب ومعتقدات وتجارب متراكمة تركت بصماتها على المفردات، وضخّت في عروقها الأفكار والصور والعادات والمنجزات العلمية". وهي عبارة على الرغم من عمقها، لا يمكن أن تصح إلا إذا كان المقصود منها هو اللغة الأم. أما اللغة التي يتم تعلمها كلغة ثانية، أو تلك التي تُفرض تاريخيا بالقوة والقهر، من دون أن تتمكن من قبر اللغة الأصلية ودفعها إلى الهامش على غرار ما فعلته اللغات الأوروبية في أفريقيا، فتبقى مجرد لغة تواصل، ينبغي فصلها عن سياقها الثقافي والتاريخي بهدف خدمة ثقافة وتاريخ اللغة الأم.
الفرنسية في الجزائر: إرث أم أداة؟
في الجزائر، تبقى اللغة الفرنسية منذ الاستقلال حتى اليوم قضية شائكة في المشهد الثقافي والسياسي. فرغم أهميتها الوظيفية في مجالات مثل التعليم العالي والإدارة، تظل لغة دخيلة، حملت معها إرثا استعماريا لا يزال مثار جدل.
فالفرنسية ليست جزءا أصيلا من الهوية الجزائرية، بل إرث وظيفي يوظف بدرجات متفاوتة بين طبقات المجتمع، على غرار التوظيف الذي أراده لها كاتب ياسين حين قال إن "الفرنسية غنيمة حرب"، وهو بذلك لم ينظر إليها كهوية ثقافية، بل كأداة تعبير عن آلام شعبه ونضاله ضد الظلم. وهذا رغم فضل هذه اللغة عليه، حين سمحت له بمخاطبة قراء أكثر تفاعلا مع الأدب، مما سمح له بإيصال صوته المتفرد سواء في المسرح أو الرواية، على نحو جعله يبلغ العالمية باقتدار.