زيارة مودي إلى الولايات المتحدة... أزمة الترحيل تطغى على التقارب الدبلوماسي

20 ألف هندي يقيمون في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني

أ.ف.ب
أ.ف.ب
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الأميركي دونالد ترمب أثناء حديثهما خلال اجتماع ثنائي في بياريتز، جنوب غرب فرنسا في 26 أغسطس 2019، على هامش قمة مجموعة السبع

زيارة مودي إلى الولايات المتحدة... أزمة الترحيل تطغى على التقارب الدبلوماسي

يصل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى الولايات المتحدة بعد أيام فقط من تحقيقه انتصارا سياسيا كبيرا على الصعيد الداخلي، بعد أن حقق حزبه "بهاراتيا جاناتا" فوزا كبيرا في الانتخابات المحلية في مدينة دلهي، وألحق مؤخرا هزيمة نكراء بحزب "عام آدمي"الذي يقوده أرفيند كيجريوال، وهو سياسي مغمور برز عام 2012 من خلال حركة لمكافحة الفساد استهدفت الإطاحة بحزب "المؤتمر".

خلال الحملة الانتخابية في دلهي، اعتمد حزب "بهاراتيا جاناتا" بشكل كبير على شعبية مودي ووعوده الطموحة بتحسين أوضاع سكان المدينة البالغ عددهم 20 مليون نسمة. ورغم محدودية صلاحيات حكومة دلهي المحلية، فإن الفوز بالعاصمة يحمل أهمية دولية كبرى بسبب وجود البعثات الدبلوماسية والتغطية الإعلامية الواسعة.

يحظى حزب مودي القومي الهندوسي بدعم قوي من الجاليات الهندية في الخارج، لا سيما الجالية الغوجاراتية، التي تحتفل حتى بأصغر انتصارات حزب "بهاراتيا جاناتا". وتعد ولاية غوجارات، التي يسيطر عليها الحزب، واحدة من أبرز مصادر الهجرة في الهند. وكانت الولايات المتحدة قد رحلت 104 هنود في أوائل فبراير/شباط، وهم مقيدو الأيدي داخل طائرة نقل عسكرية، ثلثهم من ولاية غوجارات.

تعكس هذه الرحلة القسرية، وهي الأولى منذ تولى الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقاليد الأمور في البلاد، إصرار إدارته على اتخاذ موقف صارم ضد الهجرة غير الشرعية. وتشير تقارير إعلامية هندية إلى أن الحكومة استطاعت حتى الآن توثيق نحو 20 ألف مقيم هندي موجود في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني، ومن المتوقع أن يجري ترحيل المئات منهم قريبا.

ووفقا لمركز "بيو" للأبحاث، بلغ عدد الأميركيين من أصول هندية في الولايات المتحدة في عام 2022 نحو 4.8 مليون شخص، ويشكل المهاجرون منهم ثلثي هذا العدد. وتشير التقديرات إلى أن نحو 750 ألف هندي يقيمون في البلاد بشكل غير قانوني، مما يجعل الهند ثالث أكبر مصدر للمهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة بعد المكسيك والسلفادور.

لكن مشاهد المرحّلين قسرا وهم مقيدون أثارت موجة من الغضب في الهند، حيث استغل قادة المعارضة القضية لانتقاد حكومة مودي في البرلمان ووسائل الإعلام، ما تسبب في إحراج إدارة مودي وجعل وزير الشؤون الخارجية سوبرامانيام جايشانكار يسارع إلى التأكيد على أن عمليات الترحيل ليست ظاهرة جديدة. وقال في البرلمان: "إن هذه العملية موجودة منذ سنوات عديدة".

وبالفعل، منذ عام 2009، جرى ترحيل 15.668 هنديا من الولايات المتحدة، وكان ما يقرب من 40 في المئة منهم خلال الولاية الأولى لترمب. لكن اختيار طائرة عسكرية لنقل المرحّلين هذه المرة أثار انتقادات واسعة في الهند. ووصفت الولايات المتحدة العملية بأنها "إجراء يتعلق بالأمن القومي"، فيما أوضح وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري في 7 فبراير أن "هذا الخيار كان الأسرع لتنفيذ العملية". وأضاف أن الحكومة الهندية مستعدة لاستكشاف بدائل أخرى في المستقبل.

المشهد الأمني المتغير في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، خاصة فيما يتعلق بالصين، يلعب دورا محوريا في التعاون الأميركي-الهندي

وبالنسبة للهند، فإن قضيتي التنقل (أي حركة المهنيين والطلاب والعمال لأغراض التعليم والعمل) والهجرة (أي الاستقرار أو الانتقال طويل الأمد لمواطنيها) يشكلان معا عنصرين أساسيين في علاقتها المتعددة الأوجه مع الولايات المتحدة والكثير من الدول الأخرى، حيث يؤثران على الروابط الاقتصادية والسياسات الدبلوماسية وتبادل القوى العاملة.

لا شك في أن هنالك طلبا كبيرا على الفرص في الولايات المتحدة بين المهنيين الهنود، ودليل ذلك أن 72.3 في المائة من جميع تأشيرات"H-1B" الممنوحة بين أكتوبر/تشرين الأول 2022 وسبتمبر/أيلول 2023 كانت من نصيب الهنود.

ولا تزال الروابط الاقتصادية بين البلدين قوية. ففي السنة المالية التي انتهت في 31 مارس/آذار 2024، بلغ حجم التجارة الثنائية في السلع 118.2  مليار دولار، بفائض تجاري قدره 36.8 مليار دولار لصالح الهند. وبشكل عام، بلغت التجارة الثنائية في السلع والخدمات190.1مليار دولار في عام 2023، ما يضع الولايات المتحدة في مرتبة الشريك التجاري الأكبر للهند.

وتسعى الهند إلى جذب الاستثمارات والتكنولوجيا الأميركية لتعزيز قطاعها الصناعي، الذي لا يمثل سوى 2.8في المئة من الإنتاج العالمي، مقارنة بحصة الصين التي تبلغ حوالي 30 في المئة كما أن المشهد الأمني المتغير في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، خاصة فيما يتعلق بالصين، يلعب دورا محوريا في التعاون الأميركي-الهندي. ويمتد هذا التعاون إلى ما هو أبعد من الاقتصاد، ليشمل الشراكات الاستراتيجية داخل التحالف الرباعي (Quad) الذي يضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، فضلا عن التعاون العسكري الثنائي، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريبات المشتركة وتجارة الأسلحة المتطورة.

وبينما قاومت الهند، خلال رئاسة جو بايدن، الضغوط الأميركية لتقليص روابطها الاقتصادية والعسكرية مع روسيا بسبب الصراع في أوكرانيا، فإنها تتوقع أن ينخفض هذا التدقيق في هذه المسألة في عهد ترمب.

قد تضيّق حملة ترمب "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" الخناق على المهاجرين غير الشرعيين وتتسبب في مزيد من عمليات الترحيل، مما يعمّق فجوة التفاهم الدبلوماسي بين مودي وواشنطن

ومع ذلك يواجه مودي تحديين رئيسين يتمثلان في تصعيد ترمب حملته ضد الهجرة غير الشرعية، وميوله الحمائية بفرض التعريفات الجمركية، وهما سببان محتملان لمزيد من المخاطر الاقتصادية والسياسية على الهند. ويشعر المصدرون الهنود بقلق متزايد بعد إجراءات ترمب التجارية ضد الشركاء الرئيسين للولايات المتحدة مثل المكسيك وكندا والصين، ناهيك عن حالة عدم اليقين بشأن حرب تجارية عالمية محتملة تزيد من الضغوط على الروبية الهندية.

ورغم فقدان حزبه للأغلبية البرلمانية، تمكن مودي من تأمين فترة ثالثة على التوالي كرئيس للوزراء في يونيو/حزيران 2024. كما عززت سلسلة الانتصارات الإقليمية، التي توجت بانتصاره في دلهي، مكانته الدبلوماسية، مما يعزز علاقته بترمب في السنوات الأربع المقبلة.

أ ف ب
رئيس الوزراء ناريندرا مودي (في الوسط) يحيي مستقبليه في مدينة دوسا في 12 أبريل 2024

وخلال ولايته الأولى كرئيس للولايات المتحدة، قام ترمب بزيارة بارزة إلى الهند في فبراير/شباط 2020، حيث بدأ جولته التي استمرت يومين من أحمد آباد، مسقط رأس مودي في ولاية غوجارات، قبل أن يتوجه إلى نيودلهي وأغرا. وألقى ترمب خطابا أمام حشد من 125 ألف شخص في أحد الملاعب الرياضة العملاقة في أحمد آباد، وتبادل هو ومودي الإطراء، في استعراض واضح لعلاقتهما السياسية القوية.

وكان لهذا الحدث صدى مشابه لمهرجان"Howdy, Modi"  في هيوستن في سبتمبر 2019، حيث تجمع عشرات الآلاف من أنصار مودي في عرض ضخم شارك فيه نحو 400 فنان هندي. ومع ذلك كان النقاد متشككين وسارعوا إلى تسليط الضوء على التناقض الصارخ بين التقارب الدافئ بين الزعيمين، والمعاملة القاسية التي تعرض لها المرحّلون الهنود الذين قيدوا بالسلاسل على متن طائرات النقل العسكرية الأميركية.

وقد تضيّق حملة ترمب "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"(MAGA) الخناق على المهاجرين غير الشرعيين وتتسبب في مزيد من عمليات الترحيل، مما يعمّق فجوة التفاهم الدبلوماسي بين مودي وواشنطن.

font change