انسحاب إسرائيل من خط نتساريم بغزة... ماذا يعني ذلك فلسطينيا؟

استمرار فصل الشمال عن الجنوب

أ.ف.ب
أ.ف.ب
فلسطينيون يسيرون على طول جسر وادي غزة عبر ممر نتساريم بين مدينة غزة (في الأعلى) والنصيرات (في الأسفل) في 10 فبراير

انسحاب إسرائيل من خط نتساريم بغزة... ماذا يعني ذلك فلسطينيا؟

منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كان لخط نتساريم أهمية كبري في إدارة الحرب بعد احتلاله وفرض سيطرة الجيش الإسرائيلي على تلك المنطقة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي توسعت خلال أشهر الحرب حتى باتت تفصل القطاع إلى جزأين شمالي وجنوبي، وذلك حتى ما بعد إعلان التوصل لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين حركة "حماس" وإسرائيل بوساطة قطرية مصرية أميركية في يناير/كانون الثاني الماضي، والبدء في انسحاب الجيش تدريجيا.

ويبدأ خط نتساريم من أقصى المنطقة الجنوبية الشرقية لمدينة غزة، ممتدا على طول قرابة 7 كيلومترات حتى أقصى جنوب غربي المدينة، وتوسع الجيش في الخط من خلال عمليات التدمير وتجريف المباني السكنية والتعليمية والتجارية، وتجريف آلاف الدونمات الزراعية على الجانبين شمالا وجنوبا، حتى وصل عرض الخط الفاصل للقطاع لأكثر من 8 كيلومترات، وهي مساحة واسعة من أراضي قطاع غزة الذي كانت تبلغ مساحته 365 كيلومترا مربعا، وذلك قبل الحرب الأخيرة واحتلال الجيش الإسرائيلي للأراضي داخل القطاع.

وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، الذي بدأ سريانه في التاسع عشر من يناير الماضي، تراجع الجيش الإسرائيلي من المناطق الغربية لخط نتساريم، وسُمح للنازحين في جنوب القطاع، بالعودة إلى مناطق سكنهم الأصلية شمالا، مشيا على شارع الرشيد (البحر) على الطريق الغربي الساحلي في اليوم السابع من بدء سريان الاتفاق. كما سمح الجيش بعودة النازحين بمركباتهم عن طريق موازٍ لشارع صلاح الدين شرقا ومن بين قوات الجيش التي كانت لا تزال موجودة في المنطقة، ولكن بعد الخضوع للفحص والتفتيش على حاجز تُشرف عليه قوات دولية مصرية قطرية أميركية.

وصار الوضع على ما تم الاتفاق عليه، حتى 9 فبراير/شباط من الشهر الحالي، حيث تراجع الجيش من مناطق وسط نتساريم وحتى أقصى المناطق الشرقية، بعمق قرابة كيلومتر واحد داخل القطاع، كما أبقى على قواته داخل أراضي غزة على طول الحدود الجنوبية والشرقية والشمالية، وكان من المفترض أن يتم بموجب الانسحاب، البدء بالسماح للغزيين، بحرية الحركة في الاتجاهين بالمركبات أو مشيا على طريق صلاح الدين، إلا أن ذلك لم يصدر بشكل رسمي من قبل الجيش الإسرائيلي، بل أقر في بيان له أنه وبموجب الاتفاق سيتم السماح للنازحين بالمرور من جنوب القطاع إلى شماله مشيا من صلاح الدين دون تفتيش بالإضافة للاستمرار بسير المركبات باتجاه واحد كما في الأيام السابقة، وهو ما يعني استمرار فرض الجيش الإسرائيلي لسيطرته على منطقة نتساريم من خلال المراقبة بطائرات الاستطلاع والطائرات المسيرة والجنود الموجودين داخل آلياتهم العسكرية أو في الزوارق الحربية على طول الشريط الساحلي للبحر المتوسط، وحتى بعد انسحاب الجيش من على الأرض. فماذا يعني ذلك بالنسبة للفلسطينيين؟

يبدأ خط نتساريم من أقصى المنطقة الجنوبية الشرقية لمدينة غزة، ممتدا على طول قرابة 7 كيلومترات حتى أقصى جنوب غربي المدينة

كان من المفترض بموجب انسحاب الجيش الإسرائيلي والسماح بحرية الحركة للمواطنين، أن تعود مناطق أراضي قطاع غزة عبارة عن قطعة أرض واحدة، يمكن التنقل فيما بينها مشيا أو بأي وسيلة نقل يختارها الغزيون، وكذلك القدرة على تبادل البضائع ووصول المساعدات الإغاثية الإنسانية، دون قيد أو شرط، إلا أنه وبعد الإعلان الإسرائيلي الأخير، ما زالت إسرائيل هي المُتحكم في فصل غزة وسكانها والتحكم في سير حياتهم اليومية والتنغيص عليهم من خلال فرض المراقبة والقيود حتى على نقل المرضى والمستلزمات الطبية، أو من خلال التحكم بحياة أكثر من 13 ألف غزي كانوا يقطنون داخل منطقة نتساريم ما قبل الحرب، وتهديد حياتهم بعدما تعرضت منازلهم للدمار الكلي.

ما يجري على نتساريم وتباطؤ الجيش الإسرائيلي وتعنته في تنفيذ بنود الاتفاق والعمل على تسهيل حياة سكان قطاع غزة البالغ تعدادهم أكثر من مليونين و300 ألف فلسطيني، تزامن مع دعوات  خيالية من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن الدولة الفلسطينية المرتجاة، ودعوات رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترمب لتهجير سكان القطاع إلى دول عربية بحجة أنه لا يمكن العمل على إعادة إعمار غزة التي تعرض أكثر من 80 في المئة من مبانيها وبنيتها التحتية للدمار الكلي أو الجزئي، وهو ما يدلل على تنفيذ إسرائيل وأميركا محاولة فرض بيئة طاردة للغزيين من خلال قتل سُبل الحياة أمام الفلسطينيين ودفعهم للتفكير والمطالبة بالخروج من القطاع دون التمسك بأرضهم.

أي إن استمرار سيطرة الجيش الإسرائيلي على مساحات واسعة من أراضي جنوبي مدينة غزة وشمال مخيمي البريج والنصيرات- نتساريم- حتى لو كانت سيطرة من خلال فرض القيود على الحركة والمراقبة والتتبع، واحدة من أهم أسباب دفع الناس للهجرة والبحث عن حياة بديلة بغض النظر عن المكان، بل ودفع الفلسطينيين بالإجبار المُبطن لمطالبتهم بفتح معبر رفح البري مع مصر والسماح لهم بالخروج بدلا من التمسك بأرضهم والمطالبة برفع الحصار والقيود الإسرائيلية وعودة الحياة المدنية والخدمات الأساسية من خلال البدء الفوري بإعادة الإعمار.

أ.ف.ب
نازحون فلسطينيون يعبرون ممر نتساريم في طريقهم إلى الأجزاء الشمالية من قطاع غزة في 9 فبراير

الأهمية العسكرية لخط نتساريم

هذا بالنسبة للحياة المدنية، لكن أيضا خط نتساريم يمتاز بأهمية عسكرية وسياسية- إسرائيلية وفلسطينية- حيث تمكن الجيش الإسرائيلي من خلال سيطرته على الخط، من فصل سكان القطاع عن بعضهم البعض والاستفراد بمناطق سكنية بعد تفريغها وإجبار سكانها على النزوح خلال الحرب، كما منع وتحكم من خلال سياساته في المواد الإغاثية التي تصل للسكان المحاصرين حتى وصل بهم الأمر لتناول ورق الأشجار وعلف الحيوانات كبديل عن الطحين الذي منع دخوله لفترة طويلة، مُجبرا آلاف الفلسطينيين على النزوح للبحث عن الطعام والشراب في المناطق الجنوبية التي تعرضت أيضا للسياسيات الإسرائيلية ذاتها بوتيرة أقل حدة بدرجات بسيطة.

وقد يكون لإسرائيل أهداف أخرى من خلال استمرار فرض سيطرتها وتحكمها على نتساريم، وذلك بسبب عدم قدرة جيشها على الإطاحة بالجهاز العسكري لحركة "حماس" بشكل تام واستعادة أسراه أحياء وأمواتا إلا من خلال التفاوض وعمليات التبادل مع أسرى فلسطينيين، وهو ما تفاخر به جنود "كتائب القسام" خلال عمليات تسليم الأسرى الإسرائيليين في كل يوم سبت من كل أسبوع منذ إعلان وقف إطلاق النار، حيث عبرت القيادة السياسية الإسرائيلية عن غضبها ورفضها لمشاهد انتشار أفراد "القسام" بزيهم العسكري وسلاحهم والاستعراض بأنهم ما زالوا موجودين على الأرض رغم ما تعرضوا له من عمليات قتل واغتيال إسرائيلية طالت قيادات الكتائب خلال الحرب، حيث حاولت إسرائيل تعطيل عمليات تسليم الأسرى الفلسطينيين بعد تسلمها الدفعة الثانية من أسراها.

قد تكون لإسرائيل أهداف أخرى من خلال استمرار فرض سيطرتها وتحكمها على نتساريم، وذلك بسبب عدم قدرة جيشها على الإطاحة بالجهاز العسكري لحركة "حماس" بشكل تام

ومن المفترض أن تستمر عمليات تبادل الأسرى بين "حماس" وإسرائيل خلال ثلاث مراحل، حيث تمتد كل مرحلة إلى 42 يوما، وبالتوازي مع ذلك، من المفترض أن تقوم بخطوات على الأرض بشأن الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، عن خط نتساريم ومحور فيلادلفي المحاذي للحدود الجنوبية مع مصر، وفتح معبر رفح البري وزيادة دخول البضائع والمساعدات الإغاثية، وصولا إلى مرحلة إعادة إعمار قطاع غزة، ومن سيحكم في اليوم التالي، حيث يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي على عدم السماح لـ"حماس" باستمرار حكمها لغزة، كما يرفض عودة السلطة الوطنية الفلسطينية لفرض حكمها والسماح لمجلس الوزراء الفلسطيني باستعادة الحكم على كافة مناحي الحياة في غزة.

فلسطينيا، ضربت "حماس" تصريحات ونية إسرائيل وقادتها بعرض الحائط، وأعادت انتشار أفراد وزارة الداخلية التابعة لها لفرض السيطرة على كافة المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي، كما أعلنت كافة الوزارات بغزة عن استعدادها للعمل على إعادة الإعمار وعودة الحياة لغزة، إلا أنها غير قادرة ماليا على المضي قدما بسبب عدم توفر الأموال لبناء ما تم تدميره، كما أنها غير قادرة على السيطرة العسكرية الكاملة بسبب استمرار وجود الجيش الإسرائيلي في مناطق حدودية واسعة للقطاع، واستمرار التحكم في منطقة نتساريم ورفض إسرائيل لوجود أي مُسلح داخل المنطقة حتى لو كان يتبع لشرطة مدنية تابعة لـ"حماس".

وما ينطبق إسرائيليا على "حماس"، ينطبق على السلطة الفلسطينية وأفرادها الذين توقفوا عن العمل منذ عام 2007 بعد سيطرة "حماس" على الحكم في القطاع بقوة السلاح، حيث لا تستطيع السلطة دعوة موظفيها للعودة والعمل بسبب رفض "حماس" ورفض إسرائيل كذلك، إلا أنها- أي السلطة الفلسطينية- تمكنت من عودة وعمل 9 موظفين تابعين لها لتشغيل معبر رفح البري بإشراف من الاتحاد الأوروبي وقوات دولية، بعد موافقة إسرائيلية مشروطة ترفض أي وجود عسكري للفلسطينيين داخل المعبر.

أما بالنسبة لنتساريم، وبحسب ما كان متفقا عليه أو ما يخطط له الفلسطينيون فور انسحاب الجيش الإسرائيلي، كان من المفترض أن تعود حرية الحركة للمدنيين، وكذلك للجهات الحاكمة لغزة، والتي من المفترض أن تفرض سيطرتها سواء كانت تلك السيطرة ستُفرض من "حماس" وداخليتها أو السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، أي إنه كان من المفترض أن يعود قطاع غزة قطعة أرض فلسطينية واحدة دون انفصال أو تحكم وسيطرة خارجية إسرائيلية حتى لو اقتطعت إسرائيل مساحات من الأراضي الحدودية.

font change