السعودية وعُمان... جارتان تتشاركان الرؤى والأهداف

علاقات متينة و13 اتفاقية استثمارية بـ267 مليون دولار والتجارة إلى 4 مليارات

Shutterstock
Shutterstock
البوابة التاريخية للعاصمة العمانية مسقط

السعودية وعُمان... جارتان تتشاركان الرؤى والأهداف

تشهد دول مجلس التعاون الخليجي تناميا في العلاقات المتبادلة أكثر من أي وقت مضى وتناغما ثنائيا بين الجيران، لا سيما بين السعودية وسلطنة عُمان، أكبر دولتين في المجلس مساحة، واللتين تلعبان دورا محوريا يمتد إلى أبعد من منطقة الخليج حيث البحر الأحمر وبحر العرب.

أخيرا، شهد البلدان زيارات مكثفة بينهما تظهر مدى عزمهما على توثيق تلك الروابط بمشاريع تنموية واتفاقات تميز التجارة بين البلدين وتسهلها. ونجح منتدى الأعمال السعودي العماني الثاني الذي عقد في العلا في ديسمبر/كانون الأول المنصرم في ترجمة الاتفاقات التي شهدتها النسخة الأولى في عام 2023 في العاصمة الرياض، حيث وقع 13 اتفاقية استثمارية بين الجانبين تجاوزت قيمتها مليار ريال (267 مليون دولار).

ارتفاع نسبة الاستثمار السعودي المباشر في عمان بنحو 50,2 في المئة عام 2024

مركز الإحصاء العُماني

وتمخضت عن اللقاءات والمشاورات المستمرة بين مسؤولين ورجال أعمال من الدولتين قرارات عدة وإجراءات تهدف إلى تسهيل سبل التعاون، وفي مقدمتها إعفاء المستثمرين السعوديين في مدينة مدائن الصناعية في عمان من الضرائب، وذلك على هامش مجلس الأعمال السعودي العماني في اجتماعه الأخير الذي استضافه اتحاد غرف المملكة. 

وتميز العام المنصرم عن العقود السابقة لا سيما في مجالي التجارة والاستثمار بين البلدين، وهذا ما تعكسه الأرقام حيث تشير بيانات مركز الإحصاء العُماني إلى ارتفاع نسبة الاستثمار السعودي المباشر في عمان بنحو 50,2 في المئة عام 2024.

رويترز
العاصمة السعودية الرياض، 15 نوفمبر 2024

ويبدو أن البلدين في مطلع مرحلة جديدة بدأت ملامحها بالتبلور، أبرزها تنامي الثقة بينهما على نحو غير مسبوق، وعلى مدار العام المنصرم، لم يتوان الجاران عن إطلاق المشاريع الإنمائية.

ومن أبرز الاتفاقات التي عقدت بين البلدين العام المنصرم، توقيع صندوق التنمية السعودية اتفاقا مع وزارة المالية العمانية لتمويل ودعم إنشاء مدينة المضيبي الصناعية في السلطنة بقيمة 40 مليون دولار. 

العلاقات السعودية العمانية تتسم بالمتانة والازدهار، ونحن واثقون بأن التعاون المستمر بيننا سيحقق مكاسب استراتيجية تخدم مصلحة البلدين، سواء في القطاع التجاري أو الصناعي أو السياحي

قيس بن محمد اليوسف، وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار العماني

كما أكد وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار العماني، قيس بن محمد اليوسف، في يناير/كانون الثاني الماضي أن "العلاقات السعودية العمانية تتسم بالمتانة والازدهار، وتشهد تطورا على الصعد كافة، ونحن واثقون بأن التعاون المستمر بيننا سيحقق مكاسب استراتيجية تخدم مصلحة البلدين، سواء في القطاع التجاري أو الصناعي أو السياحي".

الجغرافيا والحدود في الميدان الاقتصادي

تتمتع كل من السعودية وسلطنة عمان بموقع جغرافي يمثل أهمية استراتيجية في المنطقة، حيث تعد السعودية المنفذ البري الرئيس لعمان الذي يربطها بدول مجلس التعاون ما عدا الإمارات المحاذية لها، كما تعد مسارا محوريا بالنسبة الى مسقط لا سيما في استيرادها وتوريدها البضائع والنفط من القارة الأفريقية واليها، من خلال البحر الأحمر الذي يربط قناة السويس بآسيا. وينطبق الأمر نفسه بالنسبة الى الرياض حيث تقع السلطنة في موقع يشرف على مضيق هرمز في الخليج العربي، وفي الضفة الأخرى بحر العرب الذي يربط الخليج بأهم وأكبر منطقة بحرية في المحيط الهادئ.

.أ.ف.ب
ميناء مدينة سور جنوب عمان، 19 يونيو 2022

وبسبب هذه المواقع، تسعى كبرى الدول المصدرة في العالم إلى التعاون مع البلدين وإقامة مشاريع تعود بالفائدة على طرق الشحن الحيوية. على رأس تلك الدول الصين التي أشركت السعودية وعمان في مشروعها طريق الحرير، وتستثمر في ميناء الدقم لبناء مدينة صناعية، وكذلك الأمر في المملكة حيث يتم بناء منطقة صناعية في ميناء جازان بالشراكة بين الرياض وبكين، فضلا عن مشاريع أخرى في مختلف مدن المملكة والسلطنة.

وعلى الرغم من التضاريس المعقدة التي تربط بين البلدين، حيث يفصل بينهما الربع الخالي، أكبر رقعة برية في العالم، إلا أنهما لما يتوانيا عن تطوير وتنمية التجارة والسياحة بينهما، ولا يزال منفذ الربع الخالي يستقبل زوار البلدين والبضائع المصدرة منذ نحو ثلاث سنوات.

يربط الجاران، الرياض ومسقط، تاريخ عميق من العلاقات السياسية والاقتصادية تعود إلى عام 1971، وتلتقي مصلحة البلدين في العديد من الأهداف

وساهم المنفذ بشكل أساس في نمو التبادل التجاري بين الرياض ومسقط حيث بلغت قيمة البضائع الواردة إلى مسقط عبر المنفذ نحو 159,7 مليون ريال عماني (نحو 416 مليون دولار) وفقا لإحصائية صادرة في شهر يونيو/حزيران 2024، وبحسب المهندس سعيد بن علي العبري، رئيس مجلس إدارة فرع غرفة تجارة وصناعة عُمان بمحافظة الباطنة، بلغت قيمة التبادل التجاري الإجمالي بين البلدين 1,14 مليار ريال عماني (نحو 3,64 مليارات دولار). 

وأوضح وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي على هامش زيارته مدينة العلا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن حركة منفذ الربع الخالي ارتفعت عن الأعوام المنصرمة بنسبة 52 في المئة. 

ويربط الجاران، الرياض ومسقط، تاريخ عميق من العلاقات السياسية والاقتصادية تعود إلى عام 1971، وتلتقي مصلحة البلدين في العديد من الأهداف والعوامل، لا سيما بين مسؤولي الجانبين الذين تمتاز علاقاتهم بالمتانة والاستقرار على مدى سنوات، وهذا ما يعكسه تاريخ الزيارات. فإذا ما عدنا إلى عام 2021، نجد أن السلطان هيثم بن طارق خص السعودية كأول بلد يتوجه إليه عند توليه الحكم، ولهذه الزيارة دلالاتها في إيضاح مدى متانة العلاقات بين البلدين. هذا بالإضافة إلى العديد من القضايا والتوجهات المشتركة لا سيما في السنوات الخمس المنصرمة، وفي مقدمتها الالتفات إلى التنمية والارتقاء بالدولتين إلى مراكز عالمية في شتى المجالات، والنأي بالنفس عن الشؤون الداخلية للدول، إلى جانب تنويع مصادر الناتج المحلي بعيدا عن الموارد التقليدية من خلال زيادة فرص الاستثمار في أسواق البلدين وتسهيلها.

وأكد الخبير الاقتصادي وعضو اللجنة الاقتصادية والمالية في مجلس الدولة العماني الدكتور محمد الوردي لـ"المجلة" أهمية الشراكة بين السعودية وسلطنة عمان، قائلا "تعد المملكة من أهم الشركاء للسلطنة، لا سيما في المرحلة التي أعقبت افتتاح منفذ الربع الخالي الذي ساهم في تعزيز التبادل التجاري، وتبين ذلك في التعاون المستمر لتعزيز المجال الاستثماري من خلال الشركة السعودية العمانية التي تخطط لضخ نحو 5 مليارات دولار في مختلف الأنشطة في السلطنة، إلى جانب التعاون القائم بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي والصندوق العماني لاستثمارات البنية الأساسية 'ركيزة'، لتمويل العديد من المشاريع الحيوية في مجالات الطاقة والمياه والنقل". وأضاف الوردي، "ساهم نمو مستوى العلاقات بين البلدين في زيادة توافد السياح السعوديين إلى السلطنة الذين فاق عددهم 87 ألف سائح في نهاية يونيو/حزيران 2024".

ساهم نمو مستوى العلاقات بين البلدين في زيادة توافد السياح السعوديين إلى السلطنة الذين فاق عددهم 87 ألف سائح في نهاية يونيو/حزيران 2024

الدكتور محمد الوردي، الخبير الاقتصادي وعضو اللجنة الاقتصادية والمالية في مجلس الدولة العماني

وأشار الوردي إلى أن هناك الكثير من العوامل التي ساهمت في ازدهار العلاقات الاقتصادية بين السعودية وعمان، لكن "أهم عامل ساهم في ذلك وجود الرغبة السياسية الحقيقية لدى قيادة البلدين في المضي قدما نحو تعميق الروابط بينهما".

تكامل الرؤى في المقاصد والأهداف

في السنوات الخمس المنصرمة، كان توسع التنمية في السعودية لافتا ليس نظرا الى حجم الناتج المحلي الإجمالي فحسب، ولكن بسبب النقلة النوعية التي شهدتها لا سيما في ضوء "رؤية 2030" التي تقود التحول الاقتصادي ليكون شاملا لكل القطاعات بعيدا عن الموارد التقليدية مثل النفط والغاز، معتمدةً على الاستثمار كأهم قطاع يمكن التعويل عليه لضمان استدامة الناتج المحلي الإجمالي.

واس
من اليسار، وزير الخارجية العماني بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي يقف بجانب وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، خلال زياته إلى مدينة العلا في 12 ديسمبر 2024

وأثبتت الرياض خلال فترة ليست بطويلة نجاحها في تمكين القطاعات كافة في مسيرة دعمها لاقتصادها، وبلغ ارتفاع الناتج المحلي نحو 70 في المئة منذ انطلاق العمل بـ"رؤية 2030"، وتمكنت خلال فترة وجيزة من جذب أكثر من 540 شركة نقلت مقارها إلى المملكة، وكذلك الاستثمارات المباشرة.

في المقابل، كانت عمان تعيش تجربة مشابهة حيث بدأت مرحلة إعادة ترتيب مواردها وتطويرها خصوصا في ظل الزيادة السكانية التي ترافقها حاجة كبيرة إلى الوظائف، التي بدورها تعتمد على ديناميكية المشاريع. كل ذلك كان حافزا لإطلاق "رؤية 2040"، وخلال السنوات القليلة المنصرمة شهد اقتصاد السلطنة حراكا ونموا غير مسبوقين. وبالطبع، لكلا البلدين احتياجات وأولويات وموارد قد تتباين عن الأخرى، إلا أن هناك تشابها واتساقا في الأهداف والطموحات في عزمهما على تنويع اقتصاديهما واستدامتهما، بالإضافة إلى تشابه أسلوب الرؤيتين في إدارة الموارد وتعزيزها.

font change