نظام المحيطات يواجه خطر الانهيار

تهديد جديد للنظام المناخي

AFP
AFP
قارب يتجول بين الجبال الجليدية العائمة في خليج ديسكو، إيلوليسات، غرب غرينلاند.

نظام المحيطات يواجه خطر الانهيار

في ثمانينيات القرن الماضي، قرب انتهاء الحرب الباردة، كان الباحث الألماني الشاب هارتموت هينريتش، يدرس مع زملائه إمكان دفن النفايات النووية في أعماق شمال المحيط الأطلسي.

وأثناء الدراسة؛ استخرج الفريق بعض العينات من رواسب قاع المحيط، تتمتع بأهمية كبيرة عند علماء المناخ القديم؛ إذ تمثل "كبسولات زمنية" لفهم الماضي، مما يساعدهم في إدراك طبيعة نظام الأرض ووضع تنبؤات لما قد يؤول إليه المناخ مستقبلًا، وكيفية النجاة من الأخطار المحتملة.

ادرك هينريتش تمامًا ذلك الأمر، لذا؛ فحص تلك الرواسب ووجد أن بعض حبيبات المعادن والصخور في نوى الرواسب التي حللها، نُقلت من مواقعها الأصلية على اليابسة إلى قاع المحيطات أو البحار بواسطة جبال جليدية أبحرت في المحيط في تلك الفترة التي تزامنت مع بطء التيار الأطلسي. كشف هينريتش الستار عن "أحداث هينريتش"، التي وصفها في إحدى مقابلاته عام 2017 قبل تقاعده عن البحث العلمي، بأنها "انهيارات كارثية للصفائح الجليدية القارية حدثت خلال العصر الجليدي الأخير مما تسبب في وقف الحزام الناقل المحيطي". لكن، ماذا يعني هذا؟

كبسولة زمنية

تشكل المحيطات ما يقرب من ثلثي مساحة الأرض؛ لذا تعتبر بمثابة الدورة الدموية للحياة على كوكب الأرض. تمامًا مثل الدورة الدموية التي تحرك الدماء بما تحمله من غذاء وحرارة لأنحاء الجسم الحي، هكذا أيضًا تيارات المحيطات التي تنقل الحرارة والغذاء في جميع أنحاء العالم، مما يحفظ نظام المناخ العالمي، ويساهم أيضًا في حفظ النظم البيئية المتنوعة.

هناك نوعان للتيارات المحيطية: السطحية والعميقة، أما السطحية؛ فتتحرك مدفوعة بأنظمة الرياح العالمية التي تدعمها طاقة الشمس، وتجلب الحرارة من المناطق الاستوائية إلى القطبية.

لكن التيارات العميقة؛ تتحرك مدفوعة بالتغيرات في درجة الحرارة والملوحة في المحيط؛ في ما يُعرف بالدورة الحرارية الملحية. هذان النوعان من التيارات يشكلان جزءًا مهمًا من دورة المحيط. لكن هذا النظام العالمي لتيارات المحيط مهدد بالكثير من العوامل، منها ذوبان الجليد؛ نتيجة الاحترار العالمي، مما يدق ناقوس الخطر؛ منذرًا بأحداث كارثية.

يؤدي تراجع الغطاء الجليدي في غرينلاند إلى إطلاق تلك المياه العذبة في شمال الأطلسي، مما يجعل من الصعب على المياه السطحية أن تغوص

يوكسين تشو، باحث ما بعد الدكتوراه في قسم علوم الأرض، جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا

لنعد إلى العصر الجليدي الأخير -الذي امتد بين 115000 إلى 11700 سنة مضت- وحدث خلاله العديد من التغيرات في طبيعة الأرض. تخيل مشهدًا دراماتيكيًا لمجموعة من الجبال الجليدية الضخمة من "صفيحة لورنتييد" وهي واحدة من أكبر الصفائح الجليدية التي غطت أميركا الشمالية خلال العصور الجليدية الأخيرة. كانت تلك الصفيحة ضخمة تتكون من جليد قاري، امتدت عبر كندا وأجزاء من شمال الولايات المتحدة، وشكلت جزءًا كبيرًا من المناظر الطبيعية والمناخ في تلك الفترة. فجأة؛ انهارت بالقرب من مياه المحيط، بما تحمله من صخور ومواد أخرى؛ وقد أدى انهيارها النهائي منذ نحو 11,000 عام إلى تشكيل النظم الجغرافية الحالية في أميركا الشمالية.

ذابت كمية ضخمة من تلك الجبال الجليدية العذبة الباردة واختلطت بمياه المحيط الدافئة، لتتأثر درجة ملوحة مياه المحيط جراء الكميات الهائلة من المياه العذبة الذائبة من الجبال الجليدية، كما انخفضت أيضًا درجات حرارة المحيط.

مع الأخذ في الاعتبار أنّ الجبال لا تذوب في يوم أو اثنين، إذ تستغرق وقتًا طويلًا لتذوب، وهذا يعني أنها تسافر لمسافات بعيدة عبر المحيط حتى يكتمل ذوبانها؛ فيرتفع منسوب سطح البحر.

هذا بدوره يؤثر في "الحزام الناقل المحيطي"، الذي يُسمى أيضًا "حزام النقل الحراري المالح" أو "الدورة الحرارية الملحية"؛ فهو العامل الأقوى للحفاظ على دوران مياه المحيط، مدفوعة بالفروق في درجات الحرارة والملوحة.

تذهب المياه الباردة الكثيفة إلى قاع المحيط، بينما تبقى المياه الدافئة الأقل كثافة على السطح. وتأتي أحداث هينريتش لتعطل هذا النظام المعقد. هذا ما حدث تمامًا خلال العصر الجليدي الأخير شمال المحيط الأطلسي، مما تسبب في تعطيل الدورة الانقلابية في المحيط الأطلسي (AMOC)، التي تُعد جزءًا أساسيًا من دورة المحيط العالمية، التي تبدأ من شمال الأطلسي، وتنتهي هناك.

شاترستوك
صورة جوية من طائرة بدون طيار لجبل جليدي كبير في المقدمة مع العديد من الجبال الجليدية في الخلفية، تم التقاطها في مضيق في جنوب غرب غرينلاند في الصيف.

وفي ظل سيناريوهات ارتفاع درجات الحرارة، قد تنهار الدورة الانقلابية في المحيط الأطلسي بحلول منتصف القرن الحالي، وهذه كارثة. ولإدراكها، لنذهب إلى المناطق الباردة، التي يغطيها الجليد شتاءً وتنخفض حرارتها عن الصفر، تلك المنطقة يطلق عليها القطب الشمالي، وهو يشمل بعض الدول في شمال أوروبا، وغرينلاند وأجزاء من أميركا الشمالية، وشمال آسيا. على الرغم من الصقيع الذي يزور تلك البلاد ويغطيها بثوب أبيض ناصع، إلا أنّ أغلب تلك البلاد مأهولة بالسكان، ويأتي السؤال الأهم، كيف يعيشون هكذا؟ ببساطة، هذا بفضل النظام المناخي العالمي المدعم بالنظام العالمي لتيارات المحيط، التي تشمل "الدورة الانقلابية في المحيط الأطلسي" (AMOC)، الذي يتيح إمكان الحياة هناك. لكن مع اختلال الدورة؛ فقد نشهد تبريدًا كبيرًا في غرب أوروبا وشرق أميركا الشمالية، وتغيرات أخرى في الأمطار الاستوائية التي تؤثر في الأمازون ووسط أفريقيا.

ومع فقدان كميات هائلة من الجليد في غرينلاند، قرر الدكتور يوكسين تشو، الباحث ما بعد الدكتوراه في قسم علوم الأرض في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، أن يتفقد ما إذا كان الاحترار العالمي الذي يعاني منه العالم اليوم، قد يساهم في تكرار أحداث مماثلة لحدث هينريتش، وبناءً عليه قد تتأثر الدورة الانقلابية في المحيط الأطلسي. وركز دراسته مع فريقه البحثي على غرينلاند؛ التي تضم ثاني أكبر غطاء جليدي في العالم بعد القارة القطبية الجنوبية، يغطي نحو 1.7 مليون كيلومتر مربع، يختلف واقعها تمامًا عن اسمها؛ فهي مغطاة بالجليد الأبيض، على الرغم من اسمها الذي يعني "الأرض الخضراء"، ووجود هذا الجليد طبيعي باعتبارها أحد أجزاء القطب الشمالي.

ارتفع متوسط درجات الحرارة العالمية بين شهري يناير وسبتمبر 2024، إلى 1.58 درجة مئوية، مقارنة بعصر ما قبل الصناعة

المنظمة العالمية للأرصاد الجوية

يقول الدكتور يوكسين لـ"المجلة": "يؤدي تراجع الغطاء الجليدي في غرينلاند إلى إطلاق تلك المياه العذبة في شمال الأطلسي، مما يجعل من الصعب على المياه السطحية أن تغوص. ويمكن أن يؤدي هذا إلى تعطيل الدورة الانقلابية بأكملها، مثل دس عصا في عجلة دوارة".

ولكي يقدر الدكتور يوكسين مع زملائه ما إذا كان تراجع الغطاء الجليدي في غرينلاند قد يتسبب في أحداث مثل هينرتش، كان الحل بالعودة الى الماضي، وتقدير ما إذا كانت كميات الجبال الجليدية التي تسببت في تلك الأحداث تكافئ المتوقع فقدانها حاليًا، وفي هذا الصدد قال يوكسين لـ"المجلة": "يتعين علينا أن نتعلم من الماضي للتنبؤ بالمستقبل بشكل أفضل. لقد قارنا بين إطلاق الجبل الجليدي خلال أحداث هاينريش وبين إنتاج الجبل الجليدي المرصود والمتوقع من الغطاء الجليدي في غرينلاند".

استخدم الباحثون الرواسب التي أسقطتها الجبال وقتذاك، وقاسوا كمية المياه العذبة التي تمت إضافتها الى المحيط باستخدام نظائر اليورانيوم، وقارنوها بمعدلات اليوم. على الرغم من أنّ غرينلاند تفقد كميات هائلة من الجليد اليوم؛ فإنّ ذوبان الجليد لن يساهم في توقف التيار من تلقاء نفسه مثلما جرى مع أحداث هينرتش السابقة. ونشروا دراستهم في دورية "ساينس" (Science) في مايو/أيار 2024.

يقول الدكتور "يوكسين" لـ"المجلة": "نتوقع أنه بحلول عام 2100، لن يكون إطلاق الجليد من الغطاء الجليدي في غرينلاند كافيًا لتعطيل الدورة الانقلابية الأطلسية الزوالية بشكل كبير، كما جرى خلال أحداث هاينريش. ومع ذلك، بعد عام 2100، سوف تتسارع الدورة الانقلابية الأطلسية الزوالية". ويتابع: "بطبيعة الحال، لا يمكن للماضي أن يكون نظيرًا مثاليًا للمستقبل. ومع ذلك، وكما يقول المثل، فإن التاريخ لا يعيد نفسه أبدًا، ولكنه يتناغم".

شاترستوك
صورة جوية من طائرة بدون طيار لجبال جليدية في مضيق في جنوب غرب غرينلاند في الصيف.

يرى يوكسين أنّ الجبال الجليدية أكثر فعالية في تعطيل التيار، مقارنة بمياه الذوبان من الأرض. مع ذلك، يحذر يوكسين من استمرار انبعاثات الغازات الدفيئة، قائلًا: "ترتفع درجة حرارة الأرض، ونحن البشر السبب في ذلك، وإذا لم نخفض انبعاثات الكربون بشكل كبير؛ فإن النتيجة ستكون مدمرة. لا شيء في دراستي يغير هذه الحقائق".

ووفقًا لـ"المنظمة العالمية للأرصاد الجوية" (WMO)؛ فقد ارتفع متوسط درجات الحرارة العالمية بين شهري يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 2024، إلى 1.58 درجة مئوية، مقارنة بعصر ما قبل الصناعة. حتى وإنّ كان هناك دعم كبير من ظاهرة النينو في هذه الزيادة المطردة في درجات الحرارة؛ فهذا الارتفاع في درجات الحرارة يتجاوز هدف 1.5 درجة مئوية لاتفاق باريس، ويشكل تهديدًا كبيرًا للحياة على سطح الأرض، وهذا مؤشر أيضًا الى زيادة معدلات ذوبان الجليد.

لا نزال في الشمال

لا يزال الحديث مستمرًا عن الدورة الانقلابية في المحيط الأطلسي، لكن هذه المرة، يبحث العلماء في فترة زمنية أبعد، لمعرفة الماضي والاستدلال به على المستقبل؛ فليست فقط أحداث هينرتش هي سبب تعطيل الدورة الانقلابية للمحيط الأطلسي ومنها دورة المحيط العالمية، بل قد تكفي الحرارة المرتفعة وذوبان الجليد في التأثير على الدورة، وهنا قررت مجموعة بحثية من جامعة القطب الشمالي بقيادة الدكتور محمد عزت، إجراء دراسة في الفترة بين الجليدية، تحديدًا قبل 128 ألف سنة مضت.

يقول الدكتور محمد عزت لـ"المجلة": "لقد وجدنا أنه خلال جزء من آخر فترة بين جليدية، منذ نحو 128000 سنة، كان لذوبان الجليد البحري في القطب الشمالي تأثير كبير في الدورة الانقلابية في البحار الشمالية، وهو عنصر مهم في الدورة الانقلابية المحيطية الأطلسية (AMOC) والمناخ".

ووجد الفريق البحثي بقيادة الدكتور محمد عزت أنّ المياه العذبة التي تدفقت من ذوبان الجليد إلى البحار الشمالية وشمال الأطلسي، أدت إلى إحداث تغيرات في كثافة المحيطات، وانخفضت درجات حرارة المحيطات في اتجاه الشمال بسبب التيارات الأطلسية. "لذا، باختصار، وجدنا تبريدًا في البحار الشمالية تمكنا من ربطه بمناخ عالمي دافئ وزيادة ذوبان الجليد البحري". 

يقول الدكتور عزت لـ"المجلة": "إن الفترة الزمنية التي حققنا فيها، آخر فترة بين جليدية، هي فترة مثيرة للاهتمام ومناسبة جدًا للنظر فيها لأن درجات الحرارة العالمية خلال ذلك الوقت كانت أعلى بمقدار 1 إلى 2 درجة مئوية عن فترة ما قبل الصناعة (اليوم نحن بالفعل أعلى بدرجة مئوية واحدة عن فترة ما قبل الصناعة). وبالتالي، وفي هذا المعنى فإن فترة ما بين العصرين الجليديين الأخيرة توفر لنا نوعًا من التشابه مع ما نتجه إليه خلال هذا القرن". ونُشرت الدراسة في دورية "نيتشر كوميونيكاشنز" في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى ذوبان الجليد في القارة القطبية الجنوبية، وتؤدي مياه الذوبان هذه إلى إبطاء الدورة الانقلابية للمحيطات

ماثيو إنغلند عالم في فيزياء المحيطات والمناخ، جامعة نيو ساوث ويلز الأوسترالية

نحو القارة القطبية الجنوبية، حيث السكون والبرودة الشديدة، حيث موطن طائر البطريق المحبوب، تلك القارة التي أثارت فضول العلماء والمستكشفين منذ زمن. يعتبر هذا الغطاء الجليدي الأكبر في العالم، حيث يغطي نحو 14 مليون كيلومتر مربع. وتضم نحو 60% من المياه العذبة.

وعلى الرغم من إجراء الكثير من الأبحاث حول الدورة الأطلسية، إلا أنه لا يُعرف الكثير عن دوران المحيط السحيق، الذي يمثل جزءا مهما من التيار العميق، ولا يُعرف الكثير عن دورانه، الأمر الذي أخذته على عاتقها مجموعة بحثية، بتنسيق من الدكتور ماثيو إنغلند، عالم في فيزياء المحيطات والمناخ، جامعة نيو ساوث ويلز، سيدني، أوستراليا، لكن هذه المجموعة قررت الغوص في الأعماق، حتى 4000 متر، ليبحثوا عن تأثير ذوبان كميات كبيرة من الجليد في حركة دوران التيارات العميقة حول القارة القطبية الجنوبية. أخبر الدكتور ماثيو إنغلند "المجلة" أنّ: "أهم هذه التهديدات هو ذوبان الجرف الجليدي والصفائح الجليدية بسبب الانحباس الحراري العالمي".

وأجرى الفريق البحثي محاكاة في ظل سيناريوهات ارتفاع درجات الحرارة خلال الثلاثة عقود المقبلة، ووجد أنه من المتوقع أن يتباطأ الانقلاب في القطب الجنوبي بشكل كبير على مدى العقود القليلة القادمة. وبحسب الدكتور ماثيو: "تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى ذوبان الجليد في القارة القطبية الجنوبية، وتؤدي مياه الذوبان هذه إلى إبطاء الدورة الانقلابية للمحيطات. فهذه الدورة الانقلابية عنصر حاسم في الدورة الانقلابية للمحيطات العالمية". ومع استمرار درجات الحرارة في الارتفاع؛ "ستصبح المحيطات أكثر ركودًا في العمق". ونشر الدراسة في "نيتشر" عام 2023.

AFP
جبل جليدي، طوله بضع مئات من الأمتار، ينجرف على طول مضيق سكورسبي ساوند، في شرق غرينلاند.

فقدت الأنهار الجليدية 9 تريليون طن من جليد الأنهار بين عامي 1961 و2016؛ أي 55 عامًا فقط. ومع تفاقم ظاهرة الاحترار العالمي، يزداد الأمر سوءًا؛ إذ ذكر تقرير "فجوة الانبعاثات"، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة في أكتوبر/تشرين الاول 2024، أن العالم إذا لم يغير في السياسات التي يتخذها اليوم، فقد يرتفع متوسط درجات الحرارة العالمية بين 2.6 إلى 3.1 درجة مئوية.

توابع أخرى

ولأنّ تيارات المحيطات تعمل كـ"منظم للمناخ العالمي"؛ فالتغيرات الطارئة عليها، قد تقود إلى عواقب وخيمة، تجعل درجات الحرارة أكثر تطرفًا، حرارة شديدة عند خط الاستواء، وبرودة عند القطبين. وتتقلص مساحة اليابسة الصالحة للسكن. وعواقب أخرى، يخبر بها الدكتور ألاسدير هاريس، مدير التحالف من أجل مرونة المحيطات والمناخ (ORCA) المجلة، قائلًا: "تضر هذه التغييرات بالتنوع البيولوجي في المحيطات من خلال تغيير الموائل وتدفقات المغذيات ومستويات الأوكسجين. تعمل التيارات الأبطأ على تقليل ارتفاع المغذيات وإنشاء مناطق فقيرة بالأوكسجين، مما يهدد النظم البيئية البحرية وشبكات الغذاء". ويضيف: "إن ارتفاع درجات حرارة المحيطات، إلى جانب الحموضة الناجمة عن مدخلات المياه العذبة، يعرض الشعاب المرجانية والأنواع القطبية ومصائد الأسماك للخطر، مما يتسبب في هجرة الأنواع وانقراضها".

ويشرح هاريس التوابع اللاحقة لهذا، موضحًا أنّ التأثيرات تمتد على مستوى العالم؛ فتؤثر في النظم البيئية ومصائد الأسماك وسبل عيش البشر. وتفقد الأنواع القطبية مواطنها الحيوية، وتواجه النظم البيئية الاستوائية ضغوطًا أكبر، ويهدد انخفاض مخزونات الأسماك الأمن الغذائي. وتتطلب معالجة هذه القضايا اتخاذ إجراءات مناخية عاجلة للحد من الانبعاثات وحماية النظم البيئية البحرية وبناء المرونة العالمية.

حاجة لخفض الانبعاثات

لكن مع زيادة الانبعاثات الدفيئة، يزداد الأمر خطورة. في حين يرى هاريس أنّ "الحد من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري أمر ضروري!". ويقول لـ"المجلة": "إن الانتقال إلى الطاقة المتجددة، وتبني التقنيات المنخفضة الكربون، وحماية النظم البيئية للكربون الأزرق مثل أشجار المانغروف والأعشاب البحرية يمكن أن يساعد في الحد من ارتفاع درجة حرارة المحيطات، وتحمضها، وارتفاع مستويات سطح البحر". ويشدد على ضرورة تعزيز اتفاقيات المناخ العالمية، مثل اتفاق باريس، الذي خرج عام 2015، من مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ في دورته الحادية والعشرين (COP21)، والذي وضع هدف عدم تجاوز متوسط درجات الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية، مقارنة بمستويات عصر ما قبل الصناعة.

وإدراكًا لأهمية الغطاء الجليدي، يقول يوكسين لـ"المجلة": "قد يبدو الغطاء الجليدي وكأنه أماكن قاحلة تصد الحياة، لكنه الثقل الموازن على المقياس المجازي الذي يوفر التوازن للحياة على السطح. وعندما نفقد هذا التوازن، ستتغير أنماط الطقس، وسترتفع مستويات سطح البحر، وستكافح الحياة من أجل التكيف".

font change