"نحن ممتنون لحليفتنا إسرائيل لهزيمتها (حزب الله)، لكن الشكر لكم أيضا، للشعب اللبناني، شكرا للرئيس (جوزيف) عون ورئيس الوزراء المكلف نواف سلام وكل شخص في هذه الحكومة ملتزم بإنهاء الفساد وملتزم بالإصلاحات وملتزم بضمان أن "حزب الله" ليس جزءا من الحكومة بأي شكل، وأن "حزب الله" يبقى منزوع السلاح ومهزوما عسكريا... لقد وضعنا خطوطا حمراء واضحة من الولايات المتحدة أنه لن يكون بمقدورهم (الحزب) ترويع الشعب اللبناني، وعدم مشاركتهم في الحكومة هو جزء من هذا. لقد انتهى حكم الرعب الذي كان يسلطه (حزب الله) في لبنان وفي العالم...".
ليس غريبا أن يقول مسؤول أميركي مثل هذه الكلمات التي يغلفها شعور الانتصار المحفز بالرغبة في تحويل هذا الانتصار إلى وقائع سياسية مؤسساتية ملموسة، لكن الغريب فعلا أن تُقال في مؤتمر صحافي في بيروت، في بعبدا حيث القصر الرئاسي، على بُعد كيلومترات من معقل "الحزب" التقليدي في الضاحية الجنوبية، الذي منه هيمن "الحزب" على السياسة وتشكيل الحكومات في البلد لأكثر من عقدين من الزمن. أحرجت هذه الكلمات غير المسبوقة في جرأتها، رئيس الجمهورية اللبناني، جوزيف عون الذي التقى مورغان أورتاغوس قبل المؤتمر الصحافي، ما دفعه إلى التصريح بأنه غير معني بما قالته المبعوثة الأميركية.
لم تكن كلمات أورتاغوس في بيروت وحدها كاشفة عن التبني الأميركي الكامل لإسرائيل في ظل إدارة ترمب الحالية، بخلاف التبني المشروط لإدارة الرئيس السابق جو بايدن. حتى المجوهرات التي ارتدتها أثناء الزيارة كانت تقول شيئا شبيها: قلادة وخاتم يحملان نجمة داود، في إشارة لإيمانها اليهودي ذي الطابع السياسي بعد تحولها من المسيحية واعتناقها اليهودية.
في جانب منها، تعكس هذه الكلمات السياسة الأميركية الجديدة في لبنان بعد "طوفان الأقصى". لكن في الجانب الآخر، وربما الأكبر فيها، تسلط الضوء على طبيعة الفريق السياسي الذي يحيط ترمب في رئاسته الثانية الذي يمكن اعتبار أورتاغوس مثالا عليه: يمين ديني متماه سياسيا مع إسرائيل يمتاز بصراحة عالية لا تهتم كثيرا لأعراف التهذيب الدبلوماسي في قول الأشياء الجارحة والمحرجة.
تنتمي أورتاغوس لجيل من الأميركيين اكتشف اهتمامه بالسياسة، الخارجية منها خصوصا، على وقع تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 التي صدمت أميركا وجعلت سياستها في الشرق الأوسط محط نقاش علني وشعبي أميركي نادرين، بعد أن كانت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط ضمن الاختصاص التقليدي لنخبة سياسية وإعلامية محدودة احتكرت، بحكم الأمر الواقع، المعرفة والأحكام بخصوص المنطقة ومشاكلها. بعد هذه التفجيرات، والصدمة الهائلة التي أحدثتها أميركا، اتسع الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط. وحولت أورتاغوس، الطالبة حينها في جامعة فلوريدا الولاية التي ولدت ونشأت فيها، تخصصها الجامعي من الموسيقى، إذ كانت تطمح إلى أن تصبح مغنية أوبرالية، إلى العلوم السياسية، لتعمل بعد تخرجها في مناصب حكومية تتعلق بالشرق الأوسط بينها البعثات الدبلوماسية الأميركية في بغداد والرياض، فضلا عن استمرار عملها كضابطة احتياط في البحرية الأميركية، إلى جانب مهامها الرسمية كمحللة استخبارية لشؤون المنطقة وفي وزارة الخزانة في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.
تقول أورتاغوس عن دخولها المهني في عوالم الشرق الأوسط إنه عندما عرض أول عمل لها بعمر 25 عاما خارج الولايات المتحدة في 2007 كصحافية ضمن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في بغداد كان رد فعلها السريع هو أن "كل شيء كان يدور حول الشرق الأوسط، 24 ساعة يوميا، كل يوم في الأسبوع. قلتُ نعم، سأذهب إلى هناك".