مورغان أورتاغوس في الشرق الأوسط... الحلول الترمبية التي تلتف على السياسة

في 2024 دعمت حملة نيكي هيلي الانتخابية

"المجلة"
"المجلة"
مورغان اورتاغوس

مورغان أورتاغوس في الشرق الأوسط... الحلول الترمبية التي تلتف على السياسة

"نحن ممتنون لحليفتنا إسرائيل لهزيمتها (حزب الله)، لكن الشكر لكم أيضا، للشعب اللبناني، شكرا للرئيس (جوزيف) عون ورئيس الوزراء المكلف نواف سلام وكل شخص في هذه الحكومة ملتزم بإنهاء الفساد وملتزم بالإصلاحات وملتزم بضمان أن "حزب الله" ليس جزءا من الحكومة بأي شكل، وأن "حزب الله" يبقى منزوع السلاح ومهزوما عسكريا... لقد وضعنا خطوطا حمراء واضحة من الولايات المتحدة أنه لن يكون بمقدورهم (الحزب) ترويع الشعب اللبناني، وعدم مشاركتهم في الحكومة هو جزء من هذا. لقد انتهى حكم الرعب الذي كان يسلطه (حزب الله) في لبنان وفي العالم...".

ليس غريبا أن يقول مسؤول أميركي مثل هذه الكلمات التي يغلفها شعور الانتصار المحفز بالرغبة في تحويل هذا الانتصار إلى وقائع سياسية مؤسساتية ملموسة، لكن الغريب فعلا أن تُقال في مؤتمر صحافي في بيروت، في بعبدا حيث القصر الرئاسي، على بُعد كيلومترات من معقل "الحزب" التقليدي في الضاحية الجنوبية، الذي منه هيمن "الحزب" على السياسة وتشكيل الحكومات في البلد لأكثر من عقدين من الزمن. أحرجت هذه الكلمات غير المسبوقة في جرأتها، رئيس الجمهورية اللبناني، جوزيف عون الذي التقى مورغان أورتاغوس قبل المؤتمر الصحافي، ما دفعه إلى التصريح بأنه غير معني بما قالته المبعوثة الأميركية.

لم تكن كلمات أورتاغوس في بيروت وحدها كاشفة عن التبني الأميركي الكامل لإسرائيل في ظل إدارة ترمب الحالية، بخلاف التبني المشروط لإدارة الرئيس السابق جو بايدن. حتى المجوهرات التي ارتدتها أثناء الزيارة كانت تقول شيئا شبيها: قلادة وخاتم يحملان نجمة داود، في إشارة لإيمانها اليهودي ذي الطابع السياسي بعد تحولها من المسيحية واعتناقها اليهودية.

في جانب منها، تعكس هذه الكلمات السياسة الأميركية الجديدة في لبنان بعد "طوفان الأقصى". لكن في الجانب الآخر، وربما الأكبر فيها، تسلط الضوء على طبيعة الفريق السياسي الذي يحيط ترمب في رئاسته الثانية الذي يمكن اعتبار أورتاغوس مثالا عليه: يمين ديني متماه سياسيا مع إسرائيل يمتاز بصراحة عالية لا تهتم كثيرا لأعراف التهذيب الدبلوماسي في قول الأشياء الجارحة والمحرجة.

تنتمي أورتاغوس لجيل من الأميركيين اكتشف اهتمامه بالسياسة، الخارجية منها خصوصا، على وقع تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 التي صدمت أميركا وجعلت سياستها في الشرق الأوسط محط نقاش علني وشعبي أميركي نادرين، بعد أن كانت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط ضمن الاختصاص التقليدي لنخبة سياسية وإعلامية محدودة احتكرت، بحكم الأمر الواقع، المعرفة والأحكام بخصوص المنطقة ومشاكلها. بعد هذه التفجيرات، والصدمة الهائلة التي أحدثتها أميركا، اتسع الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط. وحولت أورتاغوس، الطالبة حينها في جامعة فلوريدا الولاية التي ولدت ونشأت فيها، تخصصها الجامعي من الموسيقى، إذ كانت تطمح إلى أن تصبح مغنية أوبرالية، إلى العلوم السياسية، لتعمل بعد تخرجها في مناصب حكومية تتعلق بالشرق الأوسط بينها البعثات الدبلوماسية الأميركية في بغداد والرياض، فضلا عن استمرار عملها كضابطة احتياط في البحرية الأميركية، إلى جانب مهامها الرسمية كمحللة استخبارية لشؤون المنطقة وفي وزارة الخزانة في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.

رويترز
الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلا الموفدة الاميركية مورغان اورتاغوس في قصر بعبدا في 7 فبراير

تقول أورتاغوس عن دخولها المهني في عوالم الشرق الأوسط إنه عندما عرض أول عمل لها بعمر 25 عاما خارج الولايات المتحدة في 2007 كصحافية ضمن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في بغداد كان رد فعلها السريع هو أن "كل شيء كان يدور حول الشرق الأوسط، 24 ساعة يوميا، كل يوم في الأسبوع. قلتُ نعم، سأذهب إلى هناك".

لأورتاغوس سجل خلاف مع ترمب سابقا لتحالفها التالي معه ودعمها لخطه السياسي المتشدد. فقد اختلفت مع بعض السياسات التي كان يتبناها في حملته الانتخابية الرئاسية في 2016

وخلال إقامتها في بغداد التي استمرت عاما، بدأت قصتها مع اليهودية، على وقع أصوات التفجيرات والمواجهات في المدينة المضطربة حينها. "كنت أشعر بالخوف، والحاجة إلى الدين". في أحد مقرات الجيش الأميركي هناك حَضرت قداسا يهوديا، قاده حاخام محافظ، لتنتهي هذه الرحلة باعتناقها اليهودية، في 2011 في أثناء عملها لصالح وزارة الخزانة. وجرى تحولها الديني هذا بمساعدة المحامي جوناثان واينبرغر، حبيبها اليهودي حينها الذي أصبح تاليا زوجها في 2013 في حفل زواج في واشنطن عقد في المحكمة العليا حيث عقدت مراسم الزواج رسميا قاضية المحكمة المشهورة روث غنزبرغ.
لأورتاغوس سجل أيديولوجي جمهوري ينتمي إلى سياسات الوسط في هذا الحزب، إذ عملت في حملات انتخابية ومكاتب لساسة جمهوريين الأبرز بينهم حاكم  فلوريدا السابق جيب بوش أثناء حملته الرئاسية لنيل ترشيح الحزب الجمهوري في عام 2016، وهي الحملة التي خسرها بوش لصالح ترمب بدعواته السياسية المتشددة التي تقع إلى يمين الحزب الجمهوري الذي انتقلت إليه أورتاغوس تاليا على نحو تدريجي، بعد بعض الخلافات لها مع نهج ترمب وسلوكه السياسي. إلى جانب القناعات الأيديولوجية الشخصية التي سرّعت تحولها من مسيحية إنجيلية إلى يهودية متعاطفة بقوة مع إسرائيل، ساهمت صلة أورتاغوس بعائلة ترمب خصوصا ابنته إيفانكا وابنه إيرك أثناء عملها في القطاع الخاص وتبني القضايا السياسية الجمهورية، في صناعة هذا الانتقال الذي كانت إحدى نتائجه عملها ناطقة باسم وزارة الخارجية بين عامي 2019 و2021، في العامين الأخيرين من ولاية ترمب الأولى، في أثناء تولي مايك بومبيو منصب وزير الخارجية. 
على امتداد هذين العامين، وعبر المؤتمرات الصحافية التي أدارتها، ظهرت الحماسة السياسية الكاشفة عن القضايا الأهم التي تعني شخصيا الكثير لأورتاغوس، كما لفريق ترمب: الصين وإيران بوصفهما خصمين عنيدين لأميركا تنبغي مواجهتهما، فضلا عن دعواتها المستمرة لصالح الاتفاقات الإبراهيمية كسبيل لحل النزاع العربي-الإسرائيلي. 
وبعد مغادرتها هذا المنصب في نهاية إدارة ترمب الأولى، تواصلت هذه الحماسة وتبني القضايا نفسها في ظهور أورتاغوس كمحللة إعلامية، كثيرا عبر قناة "فوكس" المحافظة،  لقضايا السياسة الخارجية، وعلى الأخص بعد عملية "حماس" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. 
علاقة أورتاغوس بعائلة ترمب وولاؤها الأيديولوجي للخط السياسي المتشدد الذي يمثله ترمب برزا في دعم الأخير القوي لها عندما قررت أورتاغوس في 2022 أن تتنافس ضد سياسي جمهوري على مقعد لمجلس النواب في ولاية تينيسي الجنوبية، أحد معاقل الحزب الجمهوري التقليدية. دعمها ترمب بالقول "أُخبرتُ أن القوية والمذهلة جدا مورغان أورتاغوس تبحث في إمكانية ترشحها لخوض الانتخابات" ليقف إلى جانبها مؤيدوه الجمهوريون في الولاية. وانسحبت هي من هذا السباق على أثر خلاف في داخل الحزب الجمهوري وتحديات قضائية بعد تشريع برلمان الولاية قانونا يشترط إقامة أي مرشح  ثلاثة أعوام في الولاية قبل خوض الانتخابات فيها.
لكنّ لأورتاغوس سجل خلاف مع ترمب سابقا لتحالفها التالي معه ودعمها لخطه السياسي المتشدد. فقد اختلفت مع بعض السياسات التي كان يتبناها في حملته الانتخابية الرئاسية في 2016، كما في معارضتها دعواته الانعزالية بخصوص ضرورة انكفاء أميركا على نفسها وعدم لعبها دورا قياديا في السياسة والأمن العالميين. 

تتفق أورتاغوس وويتكوف، على ضرورة تفكيك سلاح "حزب الله" و"حماس" وبقية المنظمات المسلحة الفلسطينية، وإنهاء "محور المقاومة" الذي تتزعمه إيران

وفي سياقات أخرى، كان انتقادها له شخصيا وبلغة مباشرة وقاسية خصوصا بعد أن قلَّدَ ترامب ساخرا في الحملة الرئاسية نفسها صحافيا مصابا بالشلل الرباعي انتقده. قالت وقتها في هجومها على ترمب "لديك شخص يسخر من الناس الذين يعانون من عوق جسدي أو ذهني. هذا مقزز، لا يمكن التغاضي عن هذا". في هذا اللقاء الإذاعي نفسه، قالت أورتاغوس مستبعدة إمكانية فوز ترمب بالسباق الرئاسي "بصراحة تامة، لا أريد أن أرى في المكتب الرئاسي في البيت الأبيض رئيسا بمزاج صبي في المرحلة الثانوية لم ينضج بعد". وفي عام 2024، دعمت أورتاغوس الحملة الانتخابية لنيكي هيلي، المرشحة الجمهورية للرئاسة، ضد ترمب قبل أن تتحول إلى دعمه بعد انسحاب هيلي من السباق على نيل ترشيح الحزب الجمهوري. 

أف ب
مع وزير الخارجية الاميركي الاسبق مايك بومبيو اثناء مؤتمر صحافي في واشنطن في 10 يونيو 2020

وفي تغريدته بداية يناير/كانون الثاني التي أعلن فيها تعيينها في منصبها الجديد، نائبة المبعوث الرئاسي للشرق الأوسط، لم يخف ترمب تبرمه من انتقاداتها السابقة له. وكتب قبل أكثر من أسبوعين من تنصبيه رئيسا: "سابقا، قاتلت مورغان دفاعا عني لمدة ثلاث سنوات، لكن أرجو أن تكون قد تعلمت الدرس"، مشيرا إلى الدعم القوي الذي تتمتع به في أوساط الحزب الجمهوري الذي دفعه إلى تعيينها في هذا المنصب.
سياسيا، تتسق أفكار أورتاغوس مع أفكار رئيسها المباشر، ستيف ويتكوف، المبعوث الرئاسي للشرق الأوسط، والصديق الشخصي لترمب الذي وصفه الأخير في تغريدة تعيين أورتاغوس بأنه "زعيم وموهبة عظيمة، فيما نسعى لجلب الهدوء والازدهار لمنطقة مضطربة جدا". 
ويتفق الاثنان، أورتاغوس وويتكوف، على ضرورة تفكيك سلاح "حزب الله" و"حماس" وبقية المنظمات المسلحة الفلسطينية، وإنهاء "محور المقاومة" الذي تتزعمه إيران، فضلا عن مواجهة الأخيرة على نحو حاسم، عبر الأدوات السياسية والاقتصادية أولا، لكن من دون تردد بالتلويح بالخيارات العسكرية، وحتى استخدامها، في حال فشل الأولى... كما يتفق الاثنان على أن الاتفاقات الإبراهيمية، كوسيلة اقتصادية لنزع فتيل الخلافات السياسية، وتبني  إعادة الإعمار والاستثمار الأجنبي في غزة ولبنان هما السبيل الملائم والوحيد المتيسر لحل الصراع العربي-الإسرائيلي والقضية الفلسطينية.
وفي انعكاس لفهم الإدارة الأميركية الحالية لكيفية تفكيك "معضلة" الشرق الأوسط، وهو الفهم الخالي من إطار سياسي أو حقوقي واضح يتعلق بالفلسطينيين، سيسعى الاثنان، على الأغلب بتنظيم عال وصراحة جارحة، لتحويل هذا الفهم الصعب وغير المألوف، إلى واقع في منطقة أثبتت فشل إدارات أميركية كثيرة على مدى سبعة عقود في إحلال السلام المستدام فيها.

font change