كيف نقرأ المشهد اللبناني الجديد مع تشكيل الحكومة الجديدة في ضوء المشهد الكلي في المنطقة وتطوراته المتسارعة وغير المسبوقة وتحديدا بعد تصريحات دونالد ترمب بشأن تهجير الفلسطينيين والإعصار السياسي الذي أحدثته في المنطقة؟
ففي هذه اللحظة الإقليمية شديدة التوتر والتعقيد والتسييس تولد حكومة لبنانية كانت سمتها المعلنة أنها غير سياسية أي إنها لا تضم حزبيين كما أكد رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، ولو كان الكثير من وزرائها قد زكّتهم الأحزاب السياسية.
إذن ثمة تناقض واضح بين الطبيعة المعلنة للحكومة بوصفها حكومة إصلاحات تضم وزراء اختصاصيين وتقنيين، وبين طبيعة المرحلة الراهنة في المنطقة بوصفها لحظة سياسية بامتياز ليس لبنان خارج تأثيراتها وانعكاساتها. لا بل إن تشكيل الحكومة بحد ذاته كان انعكاسا واضحا للمتغيرات الإقليمية التي فرضتها بشكل أساسي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وعلى لبنان والتي لا تزال مفاعيلها مستمرة في جنوبه، حيث لا يزال الجيش الإسرائيلي يحتل قرى، كما يواصل قصفه مواقع خارج منطقة جنوب نهر الليطاني كما حصل ليل الأحد- الاثنين، وليس أكيدا بعد ما إذا كان سينسحب من كامل الجنوب بحلول 18 فبراير/شباط المقبل وهو تاريخ انتهاء المهلة الممددة لانسحابه.
قد تكون المهمة السياسية للحكومة منوطة برئيسها نواف سلام وبعض الوزراء من ذوي الخبرة كغسان سلامة وزير الثقافة أو طارق متري نائب رئيس الحكومة، إلا أن ذلك لا يلغي أن مركز الثقل السياسي في البلد لا يزال ضائعا وخصوصا داخل المؤسسات الرسمية بعد أن كان طيلة المرحلة الماضية خارجها، أي لدى "حزب الله" القوة التي كانت مهيمنة على المجال السياسي داخليا وخارجيا. فهل تستطيع حكومة غير سياسية أن تملأ الفراغ السياسي في البلد؟ أم إن مركز الثقل السياسي في النظام سينحاز إلى رئاسة الجمهورية؟ وماذا عن المجلس النيابي الذي تحوّل طيلة الفترة الماضية إلى دليل دامغ على أزمة السياسة في البلد إذ كان محكوما بالتعطيل الذي تحوّل إلى السمة الأبرز للسياسة اللبنانية وعندما ينعقد فبجدول أعمال محدد مسبقا وخاضع للخطوط الحمراء التي كان يضعها "حزب الله"؟ حتى إن البرلمان لم يناقش اتفاقات مصيرية في حاضر البلد ومستقبله مثل اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل الموقع في أكتوبر/تشرين الأول 2022 أو اتفاق وقف إطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل الموقع في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وذلك في "تقليد" ممتد منذ عام 1969 عندما "أسقط" اتفاق القاهرة الموقع بين الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية على النواب، حتى إن النائب الراحل ريمون إده قال وقتذاك إن سائق ياسر عرفات اطلع قبل النواب اللبنانيين على مضمون الاتفاق.