يتكرر كثيرا في الأونة الاخيرة مصطلح "الحاكمية الشيعية"، دلالة على وصول القوى الإسلاموية الشيعية إلى سدة الحكم في البلدان التي تشكل فيها أغلبية أو تفرض نفوذها على الدولة، وتحديدا في العراق ولبنان. وهو يؤشر على تنامي نفوذ القوى السياسية الشيعية الذي تصاعد بعد إسقاط نظام صدام حسين في العراق عام 2003.
كما بدأت ملامح السطوة والنفوذ تتمظهر في جميع مفاصل المجال العام، لتؤكد "الحاكمية الشيعية". وحتى صور الرموز الدينية والسياسية الشيعية واللافتات وممارسة الشعائر والطقوس، أخذت تنتشر في الشوارع والفضاء العام. وهذه الظاهرة تعد طبيعية وفق تحليل سيغموند فرويد الذي استشهد به هاشم صالح في تفسير أحداث العالم العربي بعد 2003، إذ يرى فرويد: أن كل ما كُبت على مدار التاريخ سوف يستيقظ يوما ما، وينفجر كما تنفجر البراكين من أعماق الأرض ويطالب بحقه في الوجود والتعبير عن نفسه.
الحاكمية الشيعية، مصطلح ابتدعته النخب الإعلامية الشيعية، وليس له جذور فكرية ولا يرتبط حتى بتأسيس مفاهيمي معرفي. وتم تداوله في العراق مؤخرا كدلالة لفرض واقع سياسي تكوّن في القوى السياسية الشيعية فارضة سيطرتها على تشكيل الحكومة وتشريعات القوانين التي تؤكد سطوة قوى الإسلام السياسي الشيعي، باعتبارها الأغلبية الحاكمة. ولذلك هي ظاهرة سياسية وليست نظرية أو أطروحة فكرية.
عموما، ناقشت الأدبيات الفقهية الشيعية قضية السلطة والعلاقة مع الدولة، بِعدّها "مورد ابتلاء" حسب الاصطلاح الفقهي. ونجاح الثورة الإسلامية في إيران، أعاد الاعتبار إلى أولية التفكير بالدولة في الفكر السياسي الشيعي. ولكن النموذج الذي قدمه النظام السياسي الإيراني كان تجسيدا لنظرية ولاية الفقيه التي دعا إليها آية الله الخميني في كتابه "الحكومة الإسلامية" والتي اختارها عمادا لمشروعه السياسي، ومصدرا لشرعية الدولة التي جاهد لتأسيسها. لتكون في النهاية النموذج السياسي الشيعي للحكم الذي بدأ يفرض نفسه على تجربة حركات الإسلام السياسي الشيعي في المنطقة العربية، وتحديدا العراق ولبنان.
التجربة الثورية الإيرانية، نجحت في أن تجسد أفكارها بنموذج جمهورية إسلامية في إيران. لكن تجربة الحركات الإسلامية الشيعية في العراق كانت تختلف تماما، رغم أنها رفعت شعار الثورة الإسلامية ضد نظام حكم "البعث". ومن جانب آخر، لم تكن أغلب تياراتها وقياداتها تتبنى أطروحة ولاية الفقيه، كما في إيران. أما في لبنان، فقد كانت السجالات الفكرية تناقش مشروعية الدولة الإسلامية وأطروحة ولاية الفقيه، وكان يقابلها مشروع مقاومة إسلامية شيعية ضد الاحتلال الإسرائيلي، يفرض وجوده ومشروعية سلاحه تحت راية المقاومة. حتى ما بعد 2006 عندما قرر الدخول في معترك السياسة وتعقيداتها وصفقاتها في لبنان.