تبون وتطبيع الجزائر المشروط مع إسرائيل... مغزى التوقيت؟

أثار تصريح تبون ردود فعل غاضبة من قوى سياسية معارضة

رويترز
رويترز
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اثناء مشاركته في منتدى سانت بيترسبورغ الاقتصادي في روسيا في 16 يونيو 2023

تبون وتطبيع الجزائر المشروط مع إسرائيل... مغزى التوقيت؟

أثار كلام الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن الشرط الوحيد الذي تضعه الجزائر للتطبيع مع إسرائيل جدلا صاخبا متبوعا بنقاش حيوي وتساؤلات عميقة حول ما تحمله من أبعاد؟ وإذا ما كانت تعكس توجها جديدا في العقيدة الدبلوماسية الجزائرية أم إنها تأكيد للموقف التقليدي الثابت على النهج الرافض للتطبيع والانحياز إلى الحق الفلسطيني؟

قبل الإجابة عن هذه الأسئلة واستعراض ردود الفعل تنبغي العودة إلى النص الأصلي للحوار في نسخته باللغة الفرنسية، إن نص السؤال جاء كما يلي: هل أنتم مستعدون لتطبيع علاقاتكم مع إسرائيل إذا أوصلت في نهاية المطاف عملية السلام إلى إنشاء دولة فلسطينية؟ وكان جواب الرئيس عبد المجيد تبون: "بطبيعة الحال في نفس اليوم الذي سوف تقوم فيه الدولة الفلسطينية"، وهو المسار نفسه الذي عبر عنه سلفاه في قصر المرادية الرئيسان الراحلان الشاذلي بن جديد وعبد العزيز بوتفليقة اللذان أكدا أن العائق الوحيد الذي يقف في وجه أي علاقة بين الجزائر وإسرائيل هو عدم سماحها بقيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة.

ردود فعل متباينة

مثل هذا التصريح لم يكن ليمر مرور الكرام إذ أثار ردود فعل غاضبة من قوى سياسية معارضة لا سيما "حركة مجتمع السلم" الجزائرية (أكبر أحزاب المعارضة السياسية والإسلامية في الجزائر)، والتي أصدرت مباشرة بعد نشر الحوار مع تبون بيانا أكدت فيه "رفضها القاطع لكل مشاريع التسوية والتطبيع مع الكيان الصهيوني المعتدي والتي سبق للرئيس الجزائري أن وصفها بالهرولة المرفوضة نحو التطبيع مع معتد غاشم لا يعترف بحق الشعب الفلسطيني ويسعى إلى تصفية قضيته وتهويد مقدسات الأمة".

وأكدت الحركة أنه "في ظل المحاولات المشبوهة والضغوط الممارسة من طرف حلفاء الكيان الصهيوني، خاصة أميركا الراعية لأمنه وتوسعه، والصمت الدولي المتكالب على القضية الفلسطينية لجرّ الدول الصامدة ومنها الجزائر إلى مستنقع التطبيع مع الكيان، والرضوخ للضغوط السياسية والإعلامية الهادفة إلى اختراق المواقف السياسية والدبلوماسية الثابتة والمبدئية للدولة الجزائرية تجاه القضية الفلسطينية، فإنه يتحتم على الجزائر الثبات والاستمرار في الموقف الرافض للتطبيع والمنحاز إلى الحق الفلسطيني والمنتصر لقضيته العادلة".

تذهب معظم القراءات السياسية إلى أن تصريح الرئيس تبون لا يعيد النظر إطلاقا في العقيدة الدبلوماسية تجاه القضية الفلسطينية التي تقوم على أساس حل الدولتين وفق ما تم الاتفاق عليه في القمة العربية 2002

وفي أحدث هذه المواقف، أبدى حزب "العمال اليساري" رفضه القاطع لأي تغيير في الموقف الجزائري حيال القضية الفلسطينية، قائلا: "لا يمكننا تصور أي تغيير في الموقف الرسمي الجزائري حيال القضية المركزية وبالتالي الكيان المفبرك"، وشدّد على أن "مسؤولية الجزائر دولة وشعبا تكمن في تجريم محاولات التهجير وإسناد الضفة الغربية والقدس، والثبات في الموقف التاريخي المساند بصفة لا مشروطة لحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية في الأرض كل الأرض لإعادة تأسيس الدولة الفلسطينية مثلما كانت موجودة قبل القرار الأممي الإجرامي القاضي بتجزئة فلسطين سنة 1947".

أ ف ب
لافتات انتخابية للرئيس عبد المجيد تبون في وسط الجزائر العاصمة في 5 سبتمبر

وفي مقابل هذه المواقف الرافضة لتصريحات تبون حول التطبيع، دافعت أحزاب موالية عن موقف وتصريحات الرئيس تبون، ودون رئيس "جبهة المستقبل" فاتح بوطبيق على منصة "إكس" ما يؤكد أن تصريحات الرئيس تعرضت للتشويه، قائلا: "في مواجهة حملات التشويه، جاء حوار الرئيس تبون مع (لوبينيون)، درسا في الصراحة والشجاعة السياسية ووضوح الرؤية، بأسلوب هادئ ومسؤول، أكد مواقف الجزائر الثابتة ورفضها لأي وصاية، فالجزائر دولة قوية، تتعامل بندية واتزان"، بينما وصف رئيس حزب "الكرامة" محمد الداوي المواقف الرافضة لتصريحات تبون بأنها "مزايدة"، وقال في تعليقه على هذا الصخب إن هناك نوعا من "المزايدة على الرئيس والاستثمار في هذا التصريح وإخراجه عن سياقه والإساءة للموقف الرسمي للدولة الجزائرية"، مشيرا إلى أن "التطبيع مع الكيان الصهيوني سيكون في نفس يوم قيام الدولة الفلسطينية كاملة، أكيد هو يقصد التعامل بمبدأ الندية، بمعنى دولة على حدود 4 يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشريف".
وشهدت الساحة السياسية حالة مشابهة من الزخم السياسي الرافض للمصافحة الدبلوماسية الشهيرة التي لقطتها عدسات الكاميرات العالمية بين الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك أثناء جنازة العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني في الرباط في يونيو 1999، وفي تفسيره لهذه الواقعة التي أحدثت صخبا كبيرا في الساحة السياسية والشعبية لأن الجزائر أكثر الدول تشددا لعدم قبول أي مفاوضات مع إسرائيل أو الاعتراف بها، قال بوتفليقة إنها تمت "من منطلق المعتقد الإسلامي الحضاري بأنه إذا حييتم بتحية فردوا التحية بأحسن منها"، مؤكدا على أنه "لا هرولة ولا مزايدة، ولنا سياسة لا ارتجال فيها، ولا هي تتغير بالصدف... لا والله ما خنت قضية مقدسة ولن أفعل ولكن أعلم علم اليقين بأن عالم اليوم ليس بعالم الأمس ولا بعالم الغد".

قراءة في التوقيت والمغزى السياسي 


وتذهب معظم القراءات السياسية إلى أن تصريح الرئيس تبون لا يعيد النظر إطلاقا في العقيدة الدبلوماسية تجاه القضية الفلسطينية التي تقوم على أساس حل الدولتين وفق ما تم الاتفاق عليه في القمة العربية التي عقدت سنة 2002 بالعاصمة اللبنانية بيروت وهو ما يعرف بـ"المبادرة العربية للسلام" التي قدمتها المملكة العربية السعودية في القمة العربية في بيروت وفق قاعدة "الأرض مقابل السلام"، ومن هنا يمكن التأكيد وفق الكاتب والباحث الجزائري الدكتور عبد السلام فيلالي على أن "الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يسير في اتجاه التاريخ"، ولا يمكن إغفال مؤشر في غاية الأهمية وفق عبد السلام فيلالي وهو وضع هذا التصريح في سياق مواقف الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية الرافضة لأي تطبيع قبل أن يتم التوصل إلى حل أساسه قيام الدولة الفلسطينية.

هناك معطى يجب التركيز عليه في تحليل تصريحات الرئيس الجزائري وهو أن "الموقف الجزائري لا يمكن أن يكون متناقضا مع الممارسة السياسية والدبلوماسية، ففكرة التطبيع غير ممكنة عمليا"

ويثير الأستاذ والباحث بقسم العلوم السياسية والإعلام بجامعة بسكرة (الجزائر) جدو فؤاد، مسألة السياق السياسي الدولي، ويقول إن "تزامنها مع عودة ترمب إلى البيت الأبيض جعلها تثير صخبا سياسيا كبيرا حتى إن البعض فسرها وفق تحولات الإدارة الأميركية الجديدة رغم أن مبدأ الجزائر مع فلسطين ثابت ولم يتغير على مر السنين ولكن من عقيدة السياسة الخارجية الجزائرية العمل ضمن المؤسسات الدولية والإقليمية فعندما جاءت مبادرة 2002 والتي قدمت فكرة التطبيع مقابل دولة فلسطينية على حدود 67 لم ترفض الجزائر المبادرة ما دام الطرف الفلسطيني قبل بها في ظل اتفاقية أوسلو".

أ ب
متظاهرون من احزاب المعارضة في الجزائر العاصمة في 2 ابريل 2021

معطى آخر يجب التركيز عليه في تحليل تصريحات الرئيس الجزائري حسب المحلل السياسي وهو أن "الموقف الجزائري لا يمكن أن يكون متناقضا مع الممارسة السياسية والدبلوماسية، ففكرة التطبيع غير ممكنة عمليا"، وهنا استحضر المتحدث أبرز الأحداث والوقائع التي كان لها تأثير وامتداد قوي في الحقبة الأخيرة من الزمن أهمها: تعمق الخلاف مع المغرب بسبب تطبيعها مع إسرائيل وهو ما اعتبرته الجزائر تهديدا لأمنها الوطني واضطرت لغلق مجالها الجوي أمام الطيران المغربي لأنها تدرك جيدا انعكاسات أي تقارب مع الكيان، ومن الممكن أيضا أن نعود في هذا السياق برأي المتحدث عندما أراد المغني اليهودي إنريكو ماسياس القدوم إلى الجزائر في إطار جولة حفلات غير أنه قوبل بمعارضة شديدة واستنكار شعبي بسبب مساندته العلنية لإسرائيل.
ويضاف إلى ذلك الدور الذي لعبته الدبلوماسية الجزائرية منذ تولي البلاد مقعدا مؤقتا في مجلس الأمن الدولي، ويوضح المحلل السياسي أنه "ولأول مرة يتم كسر بروتوكول في مجلس الأمن حيث انسحب الوفد الجزائري من جلسة داخله يبحث فيها الأوضاع في فلسطين وذلك أثناء كلمة ممثل الاحتلال الإسرائيلي وتبعه انسحاب عدد من ممثلي الدول من القاعة"، وانطلاقا من هذه المعطيات، يؤكد الباحث الجزائري جدو فؤاد أن هذا التصريح "جاء مغلفا بشرط مستحيل، وبالتالي فالرئيس متيقن بأن الكيان لن يقدم على ذلك ولكن وكما أشرنا إليه سالفا فالتصريحات أحدثت صخبا سياسيا وإعلاميا بالنظر إلى التوقيت الذي جاءت فيه".
وذلك أيضا ما ذهب إليه الكاتب والمحلل السياسي أحسن خلاص، ويقول لـ"المجلة" إنه "ومن بين الأسباب التي جعلت البعض ينظرون إلى هذه التصريحات بحذر هي تزامنها مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض وهو الذي اتخذ من تعميم التطبيع أولوية في سياسته وكل الأعين اليوم موجهة إلى البلدان التي لم تطبع بعد وعلى رأسها الجزائر المنخرطة في المبادرة العربية للسلام لعام 2002 ببيروت القائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام والتي تشترط التطبيع مع إسرائيل بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية".

font change