كأن لم تعد هنالك من خيارات لتجنُّب عودة الحرب في اليمن سوى الحرب نفسها، ولا فرص للسلام مع جماعة الحوثيين المرتبطة بقوة مع إيران عقائديا وسياسيا وعسكريا دون حرب فاصلة وحاسمة كما حدث في غزة وجنوب لبنان وسوريا، وربما قد يحدث ذلك على نحو مختلف أو مشابه مع الفصائل الشيعية في العراق.
ذلك ما يراه كثيرون، ليس فقط مناوئو هذه الجماعة داخل اليمن، ولكن أيضا خبراء ومراقبون في الإقليم والعالم.
ما الذي يحدث الآن؟
توشك الهدنة "الهشة" القائمة منذ أكثر من عامين في اليمن على الانهيار بعد سلسلة من التحركات العسكرية لجماعة "أنصار الله" الحوثية المتحالفة مع إيران، خصوصا في محيط مدينة مأرب الاستراتيجية الغنية، في مؤشر واضح على أن الجماعة التي تستمد أسباب بقائها من استمرار حروبها سواء مع الداخل أو الخارج.
وشملت تلك التحركات التي وصفتها مصادر عسكرية بـ"الخطيرة والمريبة" خلال الأيام القليلة المنصرمة، حملات تجنيد وتعبئة معنوية "جهادية" وحشدا للآلاف من مسلحيها، وحفرا للمزيد من الخنادق ومرابض المدفعية والدبابات، على سائر الجبهات والمحاور الجنوبية والغربية والشمالية لمارب مع قصف وهجمات بالطيران المسيّر، وذلك في محاولة للتحرش بالقوات الحكومية وجرها إلى جولة جديدة من الحرب، لا تحمد عقباها.
ما الأهمية الجيوسياسية لمأرب لدى الحوثيين؟
تمثل مأرب اليوم شوكة الميزان في الحرب أو السلام، فهي الرمزية التاريخية، أصل اليمن وفصله، عاصمة مملكة سبأ، فضلا عن غناها بالنفط والغاز والطاقة الكهربائية وبالمياه والأراضي الخصبة الصالحة للزراعة، بل هي كذلك تمثل قبليا واجتماعيا "بطن الغزالة" بالنسبة لشرق وجنوب اليمن، وامتدادات "للقبيلة" حتى السعودية والإمارات إلى الكويت.
وإقليميا، وضع مأرب اليوم لا يحتمل المساس بأمنه واستقراره، فهي التي تحتضن الآن قرابة ثلاثة ملايين إنسان نزحوا إليها من سائر مناطق البلاد على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم، وذلك بعد أن كانت، قبل انفجار الصراع المسلح في اليمن عام 2015، مجرد "بلدة" أثرية نائية ومُهْمَلة، ولا يزيد عدد سكانها، في أفضل حال على 35 ألف نسمة.
وقد ابتكرت مأرب في زمن الحرب نموذجا في السلم الأهلي والتعايش الاجتماعي، جاذبا للاستثمارات المحلية في شتى المجالات، حيث أنشأت جامعة "سبأ" التي تضم كثيرا من الكليات التطبيقية البالغ عدد طلابها ما يزيد على 19 ألف طالب وطالبة.