كانت "هيئة تحرير الشام" التي أسسها أحمد الشرع والتي حملت اسم "جبهة النصرة"، فرعا لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في الثورة السورية نهاية 2011، بمباركة وتوجيه من أبو بكر البغدادي، لكن بعد أن قويت شوكة "الجبهة" في سوريا بعد سلسلة من العمليات العسكرية النوعية ضد النظام مما أكسبها سمعة جيدة بين الناس، زاد عدد أتباعها ومؤيديها واستقطبت آلاف المقاتلين الأجانب إلى صفوفها.
هنا شعر تنظيم الدولة بتضخم الفرع على حساب الأصل ليأخذ قراره بدخول سوريا وإعلان تبعية "جبهة النصرة" للتنظيم وإلغاء العمل باسم "جبهة النصرة" ليضم كل مكتسباتها العسكرية والبشرية والمالية لتنظيم الدولة، لكن قيادة "النصرة" شعرت أن التبعية للفرع العراقي سيعيد التجربة العراقية المتخمة بالأخطاء والكوارث والانزلاق نحو الحرب الطائفية وسيذهب بكل مكتسبات الثورة التي تحققت في حال رضيت بالتبعية لـلتنظيم فقررت الهروب إلى الأمام وإعلان بيعتها لزعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري لتبدأ قصة الفراق الأبدي بينهما. وهكذا خطت "تحرير الشام" خطها السياسي المختلف والقائم على الحنكة والبرغماتية والواقعية ومراعاة الظروف الدولية والإقليمية وطبيعة المجتمع المحلي في سوريا مع احتفاظها بمرجعيتها الإسلامية.
وفي هذا المقال سنناقش مراحل التطور الفكري لـ"هيئة تحرير الشام" وعقيدتها السياسية والعسكرية والعقلية الاستراتيجية لقيادتها المتمثلة في القائد أحمد الشرع لنتعرف على هذه الجماعة الأكثر تنظيما وانضباطا والتي استطاعت مع حلفائها في إدارة العلميات العسكرية أن تسقط الأسد بمعركة استمرت 11 يوما في ظرف دولي وإقليمي كان غاية في التعقيد.
أولا: مراحل التحول من النشأة إلى "هيئة تحرير الشام"
بدأت مسيرة التحولات لدى "هيئة تحرير الشام" التي انتهت بتحولات كثيرة منذ أن ظهرت باسم "جبهة النصرة" نهاية 2011 إلى اليوم ولعلنا هنا نسرد أهم هذه المراحل والتحولات.
المرحلة الأولى والتحول في اكتساب المشروعية الجهادية
بدأت هذه المرحلة في 10/4/2013 حين أعلن أحمد الشرع قائد "جبهة النصرة" المعروف وقتها بـ"أبو محمد الجولاني" عن بيعته لتنظيم "قاعدة الجهاد" وزعيمها أيمن الظواهري وفك ارتباطه من تنظيم "داعش" الذي أعلنه أبو بكر البغدادي في اليوم نفسه، وهاهنا تحول تنظيم "جبهة النصرة" من فرع لمشروع "داعش" إلى فرع لتنظيم "القاعدة"، وتحولت "جبهة النصرة" إلى الفرع السوري لتنظيم "القاعدة" الذي كانت علاقتها به شكلية بسبب ضعف الاتصال وضعف التنظيم بشكل عام. ورغم هذه التبعية الشكلية، لم يقم أحمد الشرع بأي نشاط خارج الحدود السورية ولم تكن التبعية لـ"القاعدة" إلا إجراء فرضته الإكراهات السياسية لقطع الطريق على تنظيم الدولة ومنعه من التوغل في سوريا. ومن أجل حماية القوة التي بناها أحمد الشرع تحت مظلة جهادية مختلفة عن تنظيم "داعش"، لم يكن الشرع يهتم بالتبعية لـ"القاعدة" أو تنظيم "الدولة" أكثر من اهتمامه بالاستقلال عنهما والبحث عن مساحته الخاصة للعمل العسكري دون أي وصاية صارمة عليه وهو ما يفسر انفكاكه عن تنظيم "القاعدة" عندما حاولت قيادتها الانتقال إلى سوريا والسيطرة على قيادة الفرع السوري للتنظيم.