رسوم ترمب الجمركية... هل "توحّد" أوروبا؟

قد تفضي إلى توترات داخل التحالف الغربي

رويترز
رويترز
الرئيس الأميركي دونالد ترمب في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في واشنطن، الولايات المتحدة، 4 فبراير 2025

رسوم ترمب الجمركية... هل "توحّد" أوروبا؟

إذا كان هدف الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأساسي من إثارة حرب تجارية عالمية هو إنعاش الاقتصاد الأميركي المتدهور، فهو يحتاج أن يأخذ في الاعتبار أيضا الضرر المحتمل الذي قد تلحقه سياسته المثيرة للجدل بالتحالف الغربي.

وفي الوقت الذي يواجه فيه الغرب تحديات كبرى على عدد من الجبهات، أصبحت حاجة القادة الغربيين إلى أن يكونوا جبهة موحدة أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. فمن الحرب في أوكرانيا، إلى ظهور الصين كقوة عسكرية عظمى، يحتاج التحالف الغربي إلى إظهار الوحدة والتصميم على حماية مصالحه.

بيد أن قرار ترمب بإثارة حرب تجارية عالمية من خلال التهديد بفرض عقوبات على عدد كبير من البلدان- بما فيها بلدان مثل كندا ودول أوروبا- وهم حلفاء واشنطن المقربون، قد يتسبب بزعزعة استقرار التحالف الغربي عند منعطف حرج.

منذ دخوله البيت الأبيض الشهر الماضي، هدد ترمب بفرض عقوبات تأديبية على دول مثل كندا والمكسيك والصين، وكذلك على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة. حتى المملكة المتحدة، التي تسعى في عهد رئيس الوزراء كير ستارمر إلى تحسين العلاقات التجارية مع الاتحاد، قد تجد نفسها في مرمى العقوبات الأميركية أيضا.

دفعت عدة عوامل ترمب إلى التهديد بفرض رسوم تجارية عقابية. ففي حالة المكسيك وكندا، اللتين تربطهما علاقات تجارية متينة ووثيقة مع الولايات المتحدة، يبدو أن الدافع الأساسي للرئيس الأميركي هو إقناع الجيران المتاخمين لأميركا باتخاذ تدابير جدية لتحسين أمن الحدود، وتنفيذ إجراءات صارمة لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين والمخدرات.

ومن بين الاعتبارات الرئيسة الأخرى التي تقض مضجع ترمب، الذي وصف الرسوم الجمركية بأنها "الكلمة الأكثر جمالا" خلال حملته الرئاسية العام الماضي، هو معالجة ما يعتقد أنه اختلالات تجارية غير عادلة بين الولايات المتحدة وبعض شركائها التجاريين الرئيسين.

قال ترمب إن قراره بفرض عقوبات جديدة يهدف إلى إقناع بكين بالحد من تزويد الولايات المتحدة بالفنتانيل، المادة الأفيونية القاتلة

ومن ناحية أخرى، فإن إعلانه عن فرض واشنطن رسوما جمركية إضافية بنسبة 10 في المئة على كافة الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة، من شأنه أن يشعل من جديد حربا تجارية ضروسا بين واشنطن وبكين، اندلعت أول مرة في فترة ولايته الأولى. ففي عام 2018، أشعل حربا تجارية استمرت لعامين مع الصين بسبب مزاعم بأنها مسؤولة عن بناء فائض تجاري ضخم مع الولايات المتحدة تميل فيه الكفة لصالح الصين. وقد فُرضت آنذاك رسوم جمركية على سلع بقيمة مئات مليارات الدولارات، ما تسبب في حدوث اضطرابات كبيرة في سلاسل التوريد العالمية وإلحاق الضرر بالاقتصاد العالمي.
في هذه المناسبة، قال ترمب إن قراره بفرض عقوبات جديدة يهدف إلى إقناع بكين بالحد من تزويد الولايات المتحدة بالفنتانيل، المادة الأفيونية القاتلة.
وقال في مؤتمر صحافي: "نأمل أن تتوقف الصين عن إرسال الفنتانيل إلينا، وإن لم تفعل فإن الرسوم الجمركية سترتفع بشكل كبير".
وعلى الفور ردت الصين على تهديد ترمب، وفرضت رسومها الجمركية على مجموعة متنوعة من السلع الأميركية وكذلك على واردات النفط والغاز الأميركية.
وتصر الصين على أن مشكلة الفنتانيل التي تجتاح الولايات المتحدة هي قضية أميركية، مؤكدة أنها تنوي الاعتراض على الرسوم الجمركية في منظمة التجارة العالمية.

رويترز
منظر من طائرة بدون طيار لجسر السفير الذي يربط بين وندسور، أونتاريو، كندا، وديترويت، ميشيغان، الولايات المتحدة، مع تصاعد التوترات التجارية بشأن الرسوم الجمركية، في وندسور، أونتاريو، كندا، 4 فبراير 2025

ومع احتمال أن يجري ترمب محادثات مع الرئيس الصيني شي جينبينغ في الأيام المقبلة، حددت بكين موعدا نهائيا في العاشر من فبراير/شباط لفرض رسومها الجمركية الجديدة، ما يمنح كلا الجانبين وقتا لمحاولة التوصل إلى اتفاق يحول دون نشوب حرب تجارية جديدة.
وقد علق ترمب بالفعل تهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على المكسيك وكندا بعد أن وافق البلدان على تحسين أمن حدودهما مع الولايات المتحدة، ما يشير إلى أن ترمب يستخدم التلويح برفع الرسوم الجمركية لتحقيق أهداف سياسية أخرى.
غير أن خطابه المتسلط يهدد بإحداث صدع مدمر داخل التحالف الغربي، خاصة بعد أن أضاف إلى إعلاناته التجارية الأخيرة تهديدا بفرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي، الذي يعد أعضاؤه أعضاء في حلف "الناتو" أيضا.
وأشار ترمب، لدى وصوله إلى فلوريدا هذا الأسبوع، إلى أن فرض الرسوم على البضائع القادمة من دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي قد يحدث "قريبا جدا".
وقال للصحافيين: "إنهم لا يأخذون سياراتنا، لا يأخذون منتجاتنا الزراعية، لا يأخذون أي شيء تقريبا ونحن نأخذ كل شيء منهم. ملايين السيارات، وكميات هائلة من الغذاء والمنتجات الزراعية".
كما أشار إلى أن المملكة المتحدة، التي لم تعد عضوا في الاتحاد الأوروبي، يمكن أن تخضع أيضا لرسوم جمركية، مؤكدا في الوقت ذاته على أنه يحظى بعلاقات جيدة مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ومعربا عن أمله في العمل على حل أي قضايا تجارية عالقة مع المملكة المتحدة.
ومن المؤكد أن حروب ترمب التجارية يمكن أن تكون إشكالية بالنسبة لستارمر الذي يعمل على عدة جبهات في آنٍ معا، فهو يسعى جاهدا لإقامة علاقات ودية بين حكومة حزب "العمال" اليسارية وإدارة ترمب، ويحاول في الوقت ذاته تحسين العلاقات التجارية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه، وهي الخطوة التي قد تعقد العلاقات مع واشنطن.
وفي حديثه خلال زيارته إلى بروكسل لحضور اجتماع لزعماء الاتحاد الأوروبي- وهو أول رئيس وزراء بريطاني يفعل ذلك منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي- قال ستارمر إنه يعتقد أن علاقة المملكة المتحدة بالولايات المتحدة وبالاتحاد الأوروبي تحظى بالقدر ذاته من الأهمية.
وأضاف: "أعتقد أن هذا هو الحال دائما وسيظل كذلك لسنوات عديدة قادمة".

قد تفضي سياسة الرسوم الجمركية العدوانية التي ينتهجها ترمب إلى توترات داخل التحالف الغربي، ومما لا شك فيه أن هذه المخاوف تلقي بظلالها على الأمين العام لحلف "الناتو" مارك روته

وقد تفضي سياسة الرسوم الجمركية العدوانية التي ينتهجها ترمب إلى توترات داخل التحالف الغربي، ومما لا شك فيه أن هذه المخاوف تلقي بظلالها على الأمين العام لحلف "الناتو" مارك روته، الذي قال إنه يأمل أن لا تخلف الحرب التجارية المحتملة بين أوروبا والولايات المتحدة تأثيرا سلبيا على الحلف.
ولدى سؤاله عن التوترات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، قال روته: "إن ثمة إشكاليات بين الحلفاء دائما، ولكن ينبغي لها أن لا تقف في طريق تصميمنا الجماعي على إبقاء الردع قويا". 
وقال: "إنه من الأهمية بمكان أن يحافظ حلف (الناتو) على دعمه لأوكرانيا في الوقت الذي يقال فيه إن إدارة ترمب تدرس بجدية تقليص دعمها لكييف كجزء من جهودها لإنهاء الصراع".
كما أكد على مدى أهمية عدم اكتفاء التحالف الغربي بمواصلة دعمه لأوكرانيا، وإنما ينبغي له تكثيف هذا الدعم لضمان قدرتها على التفاوض مع روسيا من "موقع قوة" في أي محادثات سلام مستقبلية.
ومع عودة ترمب إلى البيت الأبيض التي تهدد بتعطيل التحالف الغربي على عدد من المستويات، من الحروب التجارية بداية إلى إنهاء دعم واشنطن لأوكرانيا، فمن المؤكد أن حاجة القادة الأوروبيين إلى إظهار المزيد من الوحدة والعزم أصبحت أكبر من أي وقت مضى.

font change