توافد الدبلوماسيون من مختلف أنحاء العالم إلى دمشق بوتيرة غير مسبوقة منذ عقود، بعد سقوط النظام السوري الذي حدث في الثامن من ديسمبر/كانون الأول. ولكن من بين الوفود العديدة التي وصلت إلى العاصمة، برزت زيارة واحدة على نحو خاص. فلم يكن أحد يتوقع عودة المسؤولين الروس إلى دمشق بهذه السرعة، بعد أسابيع فقط من الإطاحة بحليفهم القديم بشار الأسد.
وقد أثارت هذه الزيارة انتقادات من جانب السوريين والمسؤولين الغربيين على حد سواء، نظرا لدور روسيا في الحرب السورية وعملياتها العسكرية المستمرة في أوكرانيا. وعلى الرغم من المعارضة المحلية والدولية، اختارت السلطات السورية الجديدة إبقاء قنواتها الدبلوماسية مفتوحة مع موسكو. وبما أن روسيا تمتلك حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن "هيئة تحرير الشام" تدرك تمام الإدراك أن تأمين الدعم الروسي أمر ضروري لجهودها الرامية إلى إزالة اسمها من قائمة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة.
لكن القرار السريع الذي اتخذته "هيئة تحرير الشام" القاضي باستقبال الوفد الروسي جاء في أعقاب تطور مهم آخر، ألا وهو إنهاء عقد تشغيل ميناء طرطوس التجاري المبرم مع شركة روسية. وقد اعتُبر هذا القرار على نطاق واسع ضربة لمصالح موسكو، وهو الأمر الذي يُشير- إلى جانب الانخراط الدبلوماسي المباشر- إلى استراتيجية محسوبة رسمتها "هيئة تحرير الشام" تقضي بتقليص النفوذ الروسي في سوريا من دون إثارة العداء المباشر مع موسكو.
زيارة روسية مفاجئة
وصل وفد روسي رفيع المستوى، برئاسة نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، والمبعوث الخاص للرئيس بوتين إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف، إلى العاصمة دمشق في 28 كانون الثاني/يناير الماضي. والتقى الوفد بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع ووزير خارجيته.
وفي أعقاب المحادثات، وصف المسؤولون الروس المناقشات بأنها كانت صريحة وبناءة، مؤكدين أن تغيير القيادة في سوريا لن يؤثر على العلاقات الثنائية أو المنشآت العسكرية الروسية في البلاد. لكنهم امتنعوا عن تقديم مزيد من التفاصيل.
وذكرت مصادر سورية أن الوفد أعرب عن رغبته في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ومن ضمنها إعادة فتح السفارة الروسية في دمشق. كما سعى الوفد إلى الحصول على ضمانات بأن روسيا يمكنها الحفاظ على السيطرة على قاعدتيها العسكريتين الرئيستين- قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية في اللاذقية– واللتان تعدان عنصرين أساسيين في نفوذ موسكو العسكري.