بعد وقف إطلاق النار... سكان غزة يواجهون مخططات التهجير الأميركية

كل مؤقت دائم للفلسطينيين

أ.ف.ب
أ.ف.ب
يسير الناس على طول شارع الرشيد الساحلي في غزة لعبور ممر نتساريم من جنوب قطاع غزة إلى الشمال في 27 يناير 2025

بعد وقف إطلاق النار... سكان غزة يواجهون مخططات التهجير الأميركية

جاءت تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب حديثًا دونالد ترمب، حول محادثته العاهل الأردني عبدالله الثاني والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وطلبه من الأردن ومصر استقبال سكان قطاع غزة، البالغ عددهم أكثر من مليوني فلسطيني، بحجة عدم القدرة على إعادة إعمار القطاع المُدمر بفعل حرب الإبادة الإسرائيلية، حيث أُعلن عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بشأنها بين حركة "حماس" وإسرائيل، في التاسع عشر من يناير/كانون الثاني الماضي، وقبل يوم واحد من تنصيب ترمب، وقد أثارت هذه التصريحات حفيظة سكان القطاع الناجين من الحرب.

وتكررت تصريحات الرئيس الأميركي في أكثر من لقاء صحافي، والتي أكد خلالها أن الأردن ومصر ودول أخرى ستوافق على استقبال الغزيين على الرغم من إعلانهم رفض طلبه، وهو ما يدلل على إصراره على الأمر والتخطيط له منذ أشهر عدة دون الإعلان عن نواياه المستقبلية لمن صمدوا تحت شتى أنواع القنابل والمتفجرات والصواريخ وفقدوا أكثر من 60 ألفا منهم خلال حرب الإبادة الإسرائيلية والتي تسببت أيضا في تدمير عشرات آلاف المنازل والمباني السكنية والبنية التحتية، حتى إن الكثير من المنظمات الدولية والأممية، قالت إن القطاع بحاجة لأكثر من 10 سنوات لإعادة إعماره.

وقد استطلعت "المجلة" آراء عدد من سكان قطاع غزة الناجين من حرب الإبادة- داخل القطاع وخارجه- حول مخططات تهجيرهم إلى دول أخرى بحسب تصريحات ترمب، وكان السواد الأعظم منهم رافضا لفكرة السفر أو الهجرة لأي دول أخرى حتى لو كانت دولة عربية مجاورة، وذلك إيمانا منهم بأحقيتهم في الأرض وتقرير المصير الذي يختارونه بملء إرادتهم وليس كما يخطط لهم الآخرون، معبرين عن غضبهم من التصريحات حول التهجير بدلا من الحديث عن البدء في إعادة الإعمار وأن يستعيد الإنسان منزله والخدمات الأساسية من مياه نظيفة وكهرباء وبنية تحتية وتوفير الغذاء والعمل إلى جانب الخدمات الطبية.

يقف أيمن الحليمي فوق أنقاض منزله المُدمر كليا في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، ينظر من حوله يمينا ويسارا فيجد ركام المنازل المحيطة على مد البصر نتيجة العمليات البرية العسكرية الإسرائيلية وعمليات القصف المكثف ونسف المربعات السكنية التي مارسها الجيش الإسرائيلي خلال الأشهر الأخيرة من الحرب، ويقول لـ"المجلة": "الدمار في كل مكان، لا قادرين نستصلح غرفة نقعد فيها، ولا حد منحنا خيمة، ومع ذلك رجعنا بعد نزوح أكثر من سنة وقاعدين على الدمار".

ويشير إلى أنه كان نازحا إلى جنوب قطاع غزة خلال الحرب وذلك بعدما اضطر إلى المغادرة مع مئات العائلات في بداية الحرب، معتقدين أن عودتهم قريبة إلا أنها طالت لأكثر من عام، ويضيف: "يعني احنا لو بدنا نهاجر أو نترك الوطن، ليش صبرنا وتحملنا سنة من التشرد من مكان لمكان، وليش تركنا حالنا وولادنا تحت القصف معرضين للقتل بأي لحظة، وبعد ما يوقف إطلاق النار بدهم نهاجر للمجهول".

اضطر الحليمي للتنقل أكثر من 8 مرات خلال نزوحه إلى جنوب ووسط القطاع، في كل مرة كان يحمل القليل من أمتعته والخيمة ليزرعها في مكان جديد، لكنه رفض أي فكرة بشأن السفر بحثا عن الأمان، منوها أن لا أمان له ولعائلته إلا في وطنه وأرضه.. "صحيح البيت راح، لكن الحمد لله قدرنا نرجع، اليوم أو بكرا أو بعد 10 سنين رح نرجع نبني ونكمل حياتنا لكن فكرة الهجرة مرفوضة، هادي بلدي وهاده حقي أعيش فيها أما بلاد برا مهما منحونا من أوراق وخدمات حنضلنا غريبين بلاد".

تتفق داليا حسون مع الحليمي في أن المُهاجر يبقى فلسطيني الأصل و"غريب بلاد" حتى لو منحوه الجنسية ثانية، وهي الشابة التي هاجرت قبل عدة أعوام إلى دولة أوروبية وحصلت على جنسيتها مؤخرًا، تقول لـ"المجلة": "هاجرت قبل سنين على أمل يكون مستقبلي أفضل، لكن طول سنوات الهجرة وأنا بتوجهلي سؤال انتِ أصلك من وين؟ بالإضافة إلى إنك مهما عملت أصلك ما بتغير وبنواجه كتير صعوبات لأن أصلنا فلسطينية من غزة".

الحياة في الخارج، ربما أكثر أمانا واستقرارا على الصعيد النفسي والمادي، لكن الحياة في الخارج مختلفة ولأن القضية الفلسطينية كانت وستبقى حية

وتوضح حسون أن الحياة في الخارج، ربما أكثر أمانا واستقرارا على الصعيد النفسي والمادي، لكن الحياة في الخارج مختلفة ولأن القضية الفلسطينية كانت وستبقى حية- كما تقول- ستستمر المشاكل تلاحق أبناء القضية مهما تغربوا عن وطنهم.

وتتابع: "كمان أنا لما هاجرت، أنا كنت صاحبة القرار، صحيح الظروف سيئة في غزة كانت بسبب الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني، لكن أنا صاحبة القرار وبأي وقت بدي أنزل زيارة أو أرجع بقدر أرجع، لكن مخطط ترمب مختلف تماما".

وتفسر حسون الاختلاف بأن مخططات التهجير التي تداولها ويطرحها رئيس الولايات المتحدة الأميركية، هي إجبارية لسكان غزة على التهجير إلى دول ومناطق أخرى محددة بحسب اتفاقه مع تلك الدول، الحجة هي إعادة الإعمار لكن "تعودنا من الدول الغربية أن كل مؤقت دائم، يعني هو يتحدث عن تهجير طويل الأمد دون ضمانات بالعودة، ثم لماذا لا يتم الإعمار والسكان في بلدهم، كان الأجدر بهم منع الحرب ووقفها مبكرا بدلا من ترك الناس تقتل وتختفي جثامينها خلال الحرب" كما تقول حسون.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن مشاريع لتهجير الفلسطينيين وتوطينهم في دول عربية أو غربية، حيث طرحت عشرات المشاريع منذ ما بعد النكبة الفلسطينية عام 1948، منها مشروع جون بلاندفورد، ماك غي، جون فوستر دالاس، داغ همرشلد، مارك بيرون، لجنة بن غوريون، ليفي أشكول، ومخطط ليبرمان عام 2014- جميعها مشاريع إسرائيلية الفكرة- وآخرها كان "صفقة القرن" عام 2020 في الولاية الأولى للرئيس الأميركي ترمب، والتي فشلت جميعها من التطبيق على أرض الواقع بسبب مواجهتها من شخصيات فلسطينية وطنية وتمسك الفلسطينيين بأرضهم سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية والقدس أو الداخل الفلسطيني.

قد يكون المشروع الوحيد الذي نجح جزئيا بتهجير فلسطينيين، ما حدث بين عامي 2012 و2022، من موجة هجرة كبيرة شهدها جيل الشباب من قطاع غزة إلى الدول الأوروبية، وذلك نتيجة الانقسام الفلسطيني الفلسطيني في المقام الأول، إلى جانب ما مارسته إسرائيل من فرض حصار خانق

قد يكون المشروع الوحيد الذي نجح جزئيا بتهجير فلسطينيين، ما حدث بين عامي 2012 و2022، من موجة هجرة كبيرة شهدها جيل الشباب من قطاع غزة إلى الدول الأوروبية، وذلك نتيجة الانقسام الفلسطيني الفلسطيني في المقام الأول، إلى جانب ما مارسته إسرائيل من فرض حصار خانق وعقوبات على سكان القطاع عقب سيطرة حركة "حماس" على غزة في عام 2007، وتكثيف عملياتها العسكرية إلى جانب دورها في تعميق الانفصال الجغرافي والسياسي الفلسطيني والعمل على جعل غزة بيئة طاردة للسكان، لكن ذلك لا يعني قبول أو موافقة الفلسطيني الغزي على ترك كامل القطاع والبحث عن مكان بديل أو كما قالها الرئيس الأميركي "قطعة أرض بديلة".

ويرى غدي فرحان من سكان وسط القطاع، أن الرئيس ترمب يتعامل مع قطاع غزة على أنه قطعة أرض يعيش عليها بعض البشر "هو لا يراها دولة، ولا يرانا أصحاب حق أو أصحاب قضية، يتعامل على أننا عبيد أو ربما فلاحين نعيش على قطعة أرض ساحلية مميزة بطقسها ويمكن استثمارها لتكون مشروعا سياحيا استثماريا يُدر المال ويريد الحصول عليه بالقوة السياسية أو العسكرية" كما يصف.

رويترز
مشهد جوي يُظهر فلسطينيين ينتظرون السماح لهم بالعودة إلى منازلهم في شمال غزة

ويضيف: "مش عارف لمتى العالم بده يتجاهل آدميتنا وحقنا في الحياة على أرضنا، بدنا نستعيد حياتنا وبلدنا، بدنا المعبر يفتح بشكل طبيعي واللي بده يسافر ويرجع بسافر وبرجع، وإلي بده يسافر بدون عودة هو بكون صاحب القرار، ما بدنا حد يقرر عنا، أنا لو بدي أهاجر وأرجع أزور أهلي وبلدي من حقي أرجع على غزة بدون ما حد يقرر عني بدون ما حد يصادر أبسط حقوقي في اختيار مكان العيش".

ويعبر فرحان عن استغرابه من القادة والتنظيمات السياسية الفلسطينية التي تطالب الشعب الفلسطيني بالتمسك بأرضه ومواجهة المخططات الأميركية الإسرائيلية.. "يعني أنا مش قادر أفهم قياداتنا الحاكمين، إذا انتو المشكلة والعقبة أمام الإعمار، ما المانع أن يقود الشعب الفلسطيني جهة فلسطينية مقبولة دوليا حتى نُفشل المخطط الأميركي وتتمكن الدول المانحة من مساعدتنا على إعادة الإعمار دون تهجيرنا، أليس الوطن وقضيتنا وتمسكنا بالأرض أكبر منا جميعا".

font change