جاءت تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب حديثًا دونالد ترمب، حول محادثته العاهل الأردني عبدالله الثاني والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وطلبه من الأردن ومصر استقبال سكان قطاع غزة، البالغ عددهم أكثر من مليوني فلسطيني، بحجة عدم القدرة على إعادة إعمار القطاع المُدمر بفعل حرب الإبادة الإسرائيلية، حيث أُعلن عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بشأنها بين حركة "حماس" وإسرائيل، في التاسع عشر من يناير/كانون الثاني الماضي، وقبل يوم واحد من تنصيب ترمب، وقد أثارت هذه التصريحات حفيظة سكان القطاع الناجين من الحرب.
وتكررت تصريحات الرئيس الأميركي في أكثر من لقاء صحافي، والتي أكد خلالها أن الأردن ومصر ودول أخرى ستوافق على استقبال الغزيين على الرغم من إعلانهم رفض طلبه، وهو ما يدلل على إصراره على الأمر والتخطيط له منذ أشهر عدة دون الإعلان عن نواياه المستقبلية لمن صمدوا تحت شتى أنواع القنابل والمتفجرات والصواريخ وفقدوا أكثر من 60 ألفا منهم خلال حرب الإبادة الإسرائيلية والتي تسببت أيضا في تدمير عشرات آلاف المنازل والمباني السكنية والبنية التحتية، حتى إن الكثير من المنظمات الدولية والأممية، قالت إن القطاع بحاجة لأكثر من 10 سنوات لإعادة إعماره.
وقد استطلعت "المجلة" آراء عدد من سكان قطاع غزة الناجين من حرب الإبادة- داخل القطاع وخارجه- حول مخططات تهجيرهم إلى دول أخرى بحسب تصريحات ترمب، وكان السواد الأعظم منهم رافضا لفكرة السفر أو الهجرة لأي دول أخرى حتى لو كانت دولة عربية مجاورة، وذلك إيمانا منهم بأحقيتهم في الأرض وتقرير المصير الذي يختارونه بملء إرادتهم وليس كما يخطط لهم الآخرون، معبرين عن غضبهم من التصريحات حول التهجير بدلا من الحديث عن البدء في إعادة الإعمار وأن يستعيد الإنسان منزله والخدمات الأساسية من مياه نظيفة وكهرباء وبنية تحتية وتوفير الغذاء والعمل إلى جانب الخدمات الطبية.
يقف أيمن الحليمي فوق أنقاض منزله المُدمر كليا في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، ينظر من حوله يمينا ويسارا فيجد ركام المنازل المحيطة على مد البصر نتيجة العمليات البرية العسكرية الإسرائيلية وعمليات القصف المكثف ونسف المربعات السكنية التي مارسها الجيش الإسرائيلي خلال الأشهر الأخيرة من الحرب، ويقول لـ"المجلة": "الدمار في كل مكان، لا قادرين نستصلح غرفة نقعد فيها، ولا حد منحنا خيمة، ومع ذلك رجعنا بعد نزوح أكثر من سنة وقاعدين على الدمار".
ويشير إلى أنه كان نازحا إلى جنوب قطاع غزة خلال الحرب وذلك بعدما اضطر إلى المغادرة مع مئات العائلات في بداية الحرب، معتقدين أن عودتهم قريبة إلا أنها طالت لأكثر من عام، ويضيف: "يعني احنا لو بدنا نهاجر أو نترك الوطن، ليش صبرنا وتحملنا سنة من التشرد من مكان لمكان، وليش تركنا حالنا وولادنا تحت القصف معرضين للقتل بأي لحظة، وبعد ما يوقف إطلاق النار بدهم نهاجر للمجهول".
اضطر الحليمي للتنقل أكثر من 8 مرات خلال نزوحه إلى جنوب ووسط القطاع، في كل مرة كان يحمل القليل من أمتعته والخيمة ليزرعها في مكان جديد، لكنه رفض أي فكرة بشأن السفر بحثا عن الأمان، منوها أن لا أمان له ولعائلته إلا في وطنه وأرضه.. "صحيح البيت راح، لكن الحمد لله قدرنا نرجع، اليوم أو بكرا أو بعد 10 سنين رح نرجع نبني ونكمل حياتنا لكن فكرة الهجرة مرفوضة، هادي بلدي وهاده حقي أعيش فيها أما بلاد برا مهما منحونا من أوراق وخدمات حنضلنا غريبين بلاد".
تتفق داليا حسون مع الحليمي في أن المُهاجر يبقى فلسطيني الأصل و"غريب بلاد" حتى لو منحوه الجنسية ثانية، وهي الشابة التي هاجرت قبل عدة أعوام إلى دولة أوروبية وحصلت على جنسيتها مؤخرًا، تقول لـ"المجلة": "هاجرت قبل سنين على أمل يكون مستقبلي أفضل، لكن طول سنوات الهجرة وأنا بتوجهلي سؤال انتِ أصلك من وين؟ بالإضافة إلى إنك مهما عملت أصلك ما بتغير وبنواجه كتير صعوبات لأن أصلنا فلسطينية من غزة".