أصدرت المحكمة العليا الأميركية في 17 يناير/كانون الثاني حكما بالإجماع برفض دعوى الطعن بعدم الدستورية في قضية ("تيك توك" ضد ميريك غارلاند وزير العدل والنائب العام للولايات المتحدة)، والتي أقامتها شركة "بايت دانس" الصينية المالكة لتطبيقالتواصل الاجتماعي الشهير"تيك توك"، وأيدت دستورية "قانون حماية الأميركيين من التطبيقات الخاضعة لسيطرة الخصوم الأجانب" (PAFACA)، والذي حظر التطبيق وكافة البرامج والمنصات والتطبيقات المملوكة للشركة الأم في الولايات المتحدة، إضافة إلى أي تطبيق أو برنامج آخر تنطبق عليه ذات الشروط الواردة بالقانون، لأسباب تتعلق بالأمن القومي وخصوصية بيانات مستخدميه، والذين يبلغ عددهم في الولايات المتحدة فقط حوالي 170 مليون مستخدم.
طبيعة السلطات التنفيذية للرئيس الأميركي وفقا للدستور وتطورها
تنص المادة الثانية من الدستور الأميركي على أن الرئيس هو رأس السلطة التنفيذية، ويتمتع بسلطات تنفيذية واسعة تشمل إصدار القرارات والأوامر التنفيذية، وخاصة في الشؤون المتعلقة بالعلاقات الخارجية والأمن القومي، لكن هذه السلطة ليست مطلقة، بل تخضع لرقابة الكونغرس والقضاء وفقا لمبدأ "الفصل بين السلطات والرقابة المتبادلة بين هذه السلطات"، ومن ثم فإن السلطات الدستورية للرئيس في هذا السياق محددة بعدة قيود، أخصها احترام حقوق الأفراد والحفاظ على التوازن بين السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية.
وقد تطورت سلطات الرئيس في إصدار القرارات والأوامر التنفيذية عبر التاريخ الأميركي بناء على ممارسات الرؤساء السابقين والأحكام القضائية. فيتم التوسع في استخدامها أو تضييقها وفقا لطبيعة الظروف التي تمر بها الدولة، وغالبا ما تتوسع السلطات الرئاسية في أوقات الأزمات، وتاريخيا تشير الإحصائيات إلى أن الرؤساء الأميركيين استخدموا أكثر من 60 حالة طوارئ منذ عام 1977، معظمها مرتبط بتهديدات أمنية وبالطوارئ الوطنية التي تهدد الأمن القومي. ومع ذلك، يجب أن تكون هذه القرارات والأوامر متوافقة مع القوانين والحقوق والضمانات الدستورية، وإلا يتم إلغاء هذه القرارات والأوامر بموجب أحكام قضائية.
بداية أزمة "تيك توك" مع إدارة الرئيس ترمب في فترته الأولى
خلال فترة رئاسته الأولى أصدر الرئيس ترمب في أغسطس 2020 قرارا رئاسيا تنفيذيا بمنع وحظر كافة أنشطة وتعاملات "تيك توك"، وذلك استنادا لتفويض تشريعي من الكونغرس للرئيس، بموجبه يكون للرئيس سلطةإصدار قرارت وأوامر تنفيذية بفرض قيود وعقوبات اقتصادية على الشركات والكيانات الاقتصادية في حالات الطوارئ الوطنية التي تهدد الأمن القومي، على أن يتم ذلك وفقا لأسباب مبررة ومحددة، تكون متوافقة مع أحكام القانون والدستور، وكان القانون الذي ينظم هذه المسألة هو "قانون تنظيم التجارة مع العدو عام 1917" والذي صدر أثناء الحرب العالمية الأولى عقب إعلان الولايات المتحدة الحرب على ألمانيا وكانت هذه السلطة مقصورة في زمنالحرب فقط، وقد تم تعديله بموجب "قانون الإغاثة الطارئة للبنوك عام 1933" والذي صدر خلال فترة الكساد العظيم وكان ضمن حزمة تشريعات برنامج "الصفقة الجديدة"، والذي وسع من صلاحيات الرئيس وجعلها في زمن الحرب والسلم، ثم عُدل ذلك القانون مرة أخيرة بـ"قانون السلطات الاقتصادية فيحالات الطوارئ الدولية عام 1977"، والذي حد من سلطات الرئيس بفرض مزيد من القيود والشروط الإضافية أهمها إعادة قصر هذه السلطة في زمن الحرب والكوارث العالمية فقط.