الجيش السوري 1945-2024... كيف بدأ وكيف تلاشى؟

في 1 أغسطس 1945 أعلن شكري القوتلي تأسيس الجيش، على مخلفات "جيش الشرق" التي ورثها عن الفرنسيين

غيتي
غيتي
خلال الحرب العالمية الثانية، فوج سيباهيس يدافع عن تدمر، جبهة سوريا، يونيو 1941

الجيش السوري 1945-2024... كيف بدأ وكيف تلاشى؟

في 1 أغسطس/آب 1945 أعلن الرئيس شكري القوتلي تأسيس الجيش السوري، على مخلفات المجموعة السورية من "جيش الشرق" التي ورثها عن الفرنسيين. كان ذلك قبل ثمانية أشهر من انتهاء الانتداب الفرنسي، ولم يخطر في باله أن هذا الجيش، الذي وجه النشيد الوطني السوري التحية إلى ضباطه، سيصبح في المستقبل أداة لضرب السوريين، ولم يخطر في باله أيضا أن رجلا يُدعى بشار الأسد سيصبح رئيسا لسوريا في يوم من الأيام، ويأمر هذا الجيش بقصف المدن السورية وضرب المدنيين بالصواريخ والبراميل المتفجرة.

في سنة 1945، كان عدد العسكريين السوريين الذين انفصلوا عن "جيش الشرق" سبعة آلاف شخص، بين جندي وضابط.

وفي حرب فلسطين سنة 1948، انخفض تعداد الجيش السوري إلى ألفي شخص، ليصل إلى 64 ألفا سنة 1964، ثم إلى 149 ألف عنصر في العام 1973، و400 ألف عام 1986.

دار سنة 1945 نقاش داخلي في أروقة الحكومة السورية، عن كيفية التعامل مع ضباط الجيش الوليد، وكان منهم الوطني الشريف، والحيادي المهني، والمتآمر. بعض هؤلاء الضباط كان مشهودا له بالوطنية، مثل أديب الشيشكلي، وتوفيق نظام الدين اللذين انشقا عن الفرنسيين مع رفاقهما، وثارا إبان القصف الفرنسي للعاصمة السورية دمشق في 29 مايو/أيار 1945. حكمت عليهما فرنسا بالإعدام، وبقيا متواريين عن الأنظار حتى تأسيس الجيش السوري قبل ثمانية أشهر من جلاء القوات الفرنسية. وهناك صنف آخر من العسكريين، يتقدمهم الضابط أنور بنود، الذين أبهروا الفرنسيين بعلمهم وانضباطهم ومهنيتهم.

بحسب آخر إحصاء فرنسي سنة 1944، كان عدد السنّة في "جيش الشرق" في سوريا لا يتجاوز 30.7 في المئة. واقترح بعضهم على رئيس الجمهورية حل هذا الجيش وإنشاء غيره من أبناء المدن الكبرى، وتحديدا من أبناء السنة

أما الصنف الثالث فكان عبارة عن مجموعة من الضباط والعساكر الانتهازيين، الذين استخدمتهم فرنسا لقمع المظاهرات، وضرب الشعب السوري في زمن الانتداب، وقد قرر عدد من هؤلاء البقاء في خدمة الفرنسيين، ونقلوا من سوريا إلى مستعمراتها في أفريقيا.

أ.ف.ب
عرب يتجمعون خلال مغادرة قريتهم للتظاهر ضد مستوطنة يهودية في فلسطين رداً على هجوم الهاجاناه على "عرب الصوارحة" حيث يعيش الناس في الخيام، في 10 يناير 1948

في أروقة الحكومة السورية، قال بعضهم إن هذا الجيش قد يشكل خطرا على عهد القوتلي لأنه مؤلف من أبناء الريف ومن الأقليات، وبعض ضباطه مرتبطون بأمير إمارة شرق الأردن عبدالله بن الحسين، المعادي للرئيس السوري والطامع في عرش سوريا.

وبحسب آخر إحصاء فرنسي سنة 1944، كان عدد السنّة في "جيش الشرق" في سوريا لا يتجاوز 30.7 في المئة. اقترح بعضهم على رئيس الجمهورية– وهو دمشقي سنّي من كبرى العائلات السورية العريقة– فكرة حل هذا الجيش وإنشاء جيش جديد من أبناء المدن الكبرى، وتحديدا من أبناء السنة، ليكونوا حماة عهد الاستقلال. أجابهم القوتلي بأن هذا الأمر غير وارد لأنه سيؤسس لشرخ كبير داخل المجتمع السوري، فكان الرأي أن تُبقي الدولة على الجيش دون أن تسلحه تسليحا كاملا، وأن تستثمر في الشرطة والدرك– وغالبيتهم كانوا سنة من أبناء المدن– ليكونوا رديفا للجيش، ولكي يقفوا في وجهه إن لزم الأمر في المستقبل.

كانت الحكومة السورية قد طلبت إلى الولايات المتحدة دعما للمؤسسة العسكرية سنة 1945، ولكن الكونغرس الأميركي رفض، فطرحت الاستعانة بخبرات أوروبية. وحدها بريطانيا استجابت لهذا الطلب وأرسلت الكولونيل غوردون فوكس إلى دمشق، الذي جرى التعاقد معه بصفة مستشار في وزارة الدفاع. ولكن الحملات الدعائية ضده كانت كبيرة بأنه "جاسوس،" ما أجبر الحكومة السورية على إلغاء عقده والتخلي عنه سنة 1947.

دخل الجيش السوري أولى معاركه في فلسطين سنة 1948، وعلى الرغم من قلة التدريب والخبرة وضعف الإمكانيات، تمكن من احتلال مناطق استراتيجية في الأراضي الفلسطينية

تزامنت كل هذه القرارات مع عودة الكثير من السوريين من بلاد المغترب، وضعوا أنفسهم تحت تصرف الحكومة للمشاركة في السنوات الأولى من عهد الاستقلال. قانون التجنيد الإجباري كان قد أُقر في المجلس النيابي نهاية عام 1947، ولكنه لم يثنِ الشباب السوري عن العودة إلى الوطن والالتحاق بخدمة العلم، لشعورهم بأن الجيش السوري الوليد كان لحمايتهم وصون استقلالهم. وفي السنة الأولى من عهد الجلاء، لم يتقدم إلا قلة قليلة من الشباب لدفع البدل النقدي لإعفائهم من الخدمة العسكرية، واعتبروا أن دخول الجيش وبقية المؤسسات الحكومية واجب وطني لا ينبغي التأخر عنه، وهذا ما ظهر واضحا عند الدمشقيين منهم البعيدين عادة عن الثقافة العسكرية.

الأقليات في المناصب القيادية في الجيش

لم تفرق الدولة السورية بين طائفة وأخرى، وفتحت أبواب الجيش أمام جميع السوريين، وهو ما يفسر أن عددا كبيرا من أبناء الأقليات احتلوا مناصب قيادية في مرحلة الأربعينات والخمسينات. كان من ضمنهم العقيد محمد ناصر (علوي) الذي أصبح آمرا لسلاح الطيران سنة 1949، ومحمد معروف (علوي) الذي عُين مديرا للشرطة العسكرية، وشوكت شقير وعبد الكريم زهر الدين الدرزيان، اللذان أصبحا رئيسين لأركان الجيش في الخمسينات ومطلع الستينات، وآرام كارامانوكيان (أرمني) الذي بات قائدا لسلاح المدفعية، واللواء وديع المقعبري المسيحي من اللاذقية، الذي عُين قائدا لسلاح الطيران في السنوات 1957 - 1963. ولم تكن وزارة الدفاع حينها حكرا على العسكريين، فقد تسلمها عدد من الشخصيات المدنية المرموقة، مثل جميل مردم بك من "الحزب الوطني"، ورشاد برمدا من "حزب الشعب"، والرئيس خالد العظم المستقل، الذي شهد عهده سنة 1957 إبرام أول صفقة عسكرية مع الاتحاد السوفياتي. وفي سنة 1947، وصل عدد العسكريين من غير السنّة إلى 52 في المئة، بحسب ما جاء في كتاب المؤرخ الفلسطيني حنا بطاطو في كتابه"Syria's Peasantry" الصادر عن جامعة برنستون الأميركية سنة 1999.

أ.ب
اللواء عفيف البزري، رئيس أركان الجيش السوري، يلقي كلمة في حفل أقيم في الأكاديمية العسكرية السورية في حمص في 23 سبتمبر 1957، حيث أدى 200 من الخريجين السوريين القسم

حرب فلسطين ولعنة الانقلابات

دخل الجيش السوري أولى معاركه في فلسطين سنة 1948، وعلى الرغم من قلة التدريب والخبرة وضعف الإمكانيات، تمكن من احتلال مناطق استراتيجية في الأراضي الفلسطينية، قبل أن تفرض الهدنة الأولى من قبل الأمم المتحدة لصالح إسرائيل في شهر يونيو/حزيران من العام نفسه. وفي نهاية المطاف، هُزم الجيش السوري في الميدان سنة 1948، وبدأت الاتهامات بين ضباطه والطبقة السياسية الحاكمة، حول من يتحمل مسؤولية الهزيمة. اعتقلت الحكومة يومها مدير تموين الجيش العقيد أنطون البستاني، بتهمة شراء سمن مغشوش للجنود، وفتحت تحقيقا مع الضابط فؤاد مردم بك بتهمة صفقة سلاح وصلت إلى أيدي الإسرائيليين. وقد شن نائب الزبداني فيصل العسلي هجوما من داخل المجلس النيابي على قائد الجيش حسني الزعيم، وطالب بإحالته إلى القضاء بتهمة الفساد.

من أبرز ما جاء في السنوات الأولى من عهد "البعث" كان صعود مجموعة من الضباط الصغار، رتبة وعمرا، إلى مناصب قيادية في المؤسسة العسكرية، ومن خلفها، إلى مفاصل الدولة كافة

رد الزعيم بقبضة من حديد، وفي 29 مارس/آذار 1949، أمر باعتقال الرئيس شكري القوتلي ورئيس حكومته خالد العظم. تعاون معه في الانقلاب الأول عدد من الضباط الناقمين على القوتلي، واعتبر بعضهم أن انقلابهم كان الأول في الوطن العربي. الأصح أنه كان الأول في سوريا، لأن أول انقلاب عسكري شهدته البلاد العربية كان انقلاب بكر صدقي في العراق سنة 1936، قبل 13 سنة من الانقلاب السوري. وقد فتح الزعيم شهية العسكريين السوريين، وعندما طلب إلى رئيس الحكومة الأسبق فارس الخوري أن يُشكل أول حكومة في عهده، أجابه الأخير: "إن تسلمت الحكم مجددا، أول ما سأقوم به هو اعتقالك. سامحك الله... لقد فتحت بابا على سوريا من الصعب على التاريخ أن يرده".

Alamy
قوات الجيش الثوري في الشوارع لفرض حظر التجوال بعد الانقلاب في دمشق، سوريا في مارس 1963

صدق فارس الخوري في تنبؤه، وتتالى على سوريا 17 انقلابا عسكريا. ثمانية منها نجحت، ومن أشهر الانقلابات الفاشلة كان انقلاب جاسم علوان في 18 يوليو/تموز 1963، وانقلاب رفعت الأسد سنة 1984. ومن أهم هذه الانقلابات كان انقلاب عبد الكريم النحلاوي على الرئيس ناظم القدسي في 28 مارس 1962، ومعه رئيس الحكومة معروف الدواليبي. حاولا إقصاء النحلاوي عن المشهد السياسي، فرد باعتقالهما، ولكن الجيش تمرد لصالح الشرعية الدستورية في 1 أبريل/نيسان 1962 وأطلق سراح القدسي. ثم أمر بنفي النحلاوي خارج البلاد بعد تسريحه مع أعوانه من الجيش، وكانوا في غالبيتهم من الدمشقيين السنة. وكان لهذا التسريح دور هام في تصفية "العنصر الدمشقي" من الجيش، ما سهل وصول البعثيين والناصريين إلى الحكم في 8 مارس 1963.

الجيش السوري في زمن "البعث"

من أبرز ما جاء في السنوات الأولى من عهد "البعث" كان صعود مجموعة من الضباط الصغار، رتبة وعمرا، إلى مناصب قيادية في المؤسسة العسكرية، ومن خلفها، إلى مفاصل الدولة كافة. أصبح الانتماء الحزبي أهم من الخبرة، وكان عدد كبير من هؤلاء من أبناء الطائفة العلوية، دخلوا الجيش بدعم من الضباط البعثيين المشاركين في انقلاب 8 مارس 1963: حافظ الأسد ومحمد عمران وصلاح جديد. وقد تزامن ذلك مع عمليات تسريح واسعة للضباط غير البعثيين، وجميعهم كانوا من السنة، وكانت الدفعة الأولى في 13 مارس 1963 (104 ضباط كبار)، تلاها بعد ثلاثة أيام تسريح 150 ضابطا من رتب متوسطة. ويقول حنا بطاطو في كتابه إنه مع حلول حرب يونيو 1967، كان الجيش السوري قد فقد 700 من أفضل ضباطه القدامى، واستبدل بهم ضباطا بعثيين. وفي المقابل، كبرت "الكتلة العلوية" في الجيش ولم يتمكن رئيس الدولة أمين الحافظ من مجابهتها، إلى أن نفذ صلاح جديد انقلابا عسكريا، أطاح به وبالآباء المؤسسين لـ"البعث" يوم 23 فبراير/شباط 1963.

أول من ابتكر فكرة الميليشيا الرديفة للجيش كان حزب "البعث" يوم أسس في مطلع الستينات ما عُرف بالحرس القومي، الذي كان عبارة عن "جيش شعبي مدرب على حمل السلاح"- بحسب توصيفه– ولكنه كان أقرب إلى مجموعة من اللصوص والمرتزقة

ولقد أسهمت الممارسات العنصرية في ابتعاد السنة عن الجيش، ومعها طبعا التطهير الممنهج في مطلع عهد "البعث"، إضافة إلى أن دفع البدل النقدي للإعفاء من الخدمة العسكرية كان صعبا على العلويين، ولكنه متاح لكثير من أبناء العائلات السنية وتحديدا في دمشق وحلب وحمص وحماة. كان البدل قبل سنة 1963 مجرد 500 ليرة سورية، وصل إلى 2000 ليرة في مطلع عهد البعث لحملة الشهادات الجامعية، و1000 ليرة سورية لحاملي شهادة "البكالوريا".

أ.ف.ب
الرئيس السوري حافظ الأسد يشرب فنجانا من القهوة 27 أكتوبر 1973 بعد الصلاة في الجامع الأموي بدمشق

صراع الأسد مع صلاح جديد

دخل صلاح جديد في صراع مرير مع حافظ الأسد، تفاقم لكونهما من طائفة واحدة، يتصارعان على كسب أنصار ومريدين من الضباط العلويين وغير العلويين. تغلب الأسد على جديد سنة 1970 وأمر باعتقاله، رافضا كل الوساطات الطائفية والسياسية لإطلاق سراحه، وبقي اللواء جديد سجينا حتى وفاته سنة 1993. طهر الأسد الجيش من كل أنصار صلاح جديد، وجاء بضابطين سنيين إلى واجهة المؤسسة العسكرية: حكمت الشهابي الذي عين رئيسا لأركان الجيش، ومصطفى طلاس الذي بات وزيرا للدفاع ونائب القائد العام للجيش والقوات المسلحة. أما المناصب العسكرية الحساسة، فقد بقيت في يد الضباط العلويين، من قادة الفيالق، وقيادة القوى الجوية، ورؤساء مخابرات الجيش، والمخابرات الجوية.

ميليشيات رديفة

أول من ابتكر فكرة الميليشيا الرديفة للجيش كان حزب "البعث" يوم أسس في مطلع الستينات ما عُرف بالحرس القومي، الذي كان عبارة عن "جيش شعبي مدرب على حمل السلاح"- بحسب توصيفه– ولكنه كان أقرب إلى مجموعة من اللصوص والمرتزقة، دخلوا دمشق واستباحوها لفض مظاهرة التجار في أعقاب تأميمات "البعث" الصادرة في 1 يناير/كانون الثاني 1965. تلته "سرايا الدفاع" التي أنشأها الأسد الأب لحمايته الشخصية بعد سنة 1970، وذهبت قيادتها إلى شقيقه رفعت. أصبحت "السرايا" القوة الضاربة في سوريا، وتهافت العلويون على الالتحاق بها لأن رواتبها كانت أفضل، وكذلك كل امتيازاتها، إضافة لكونها "فوق القانون" ولا تخضع للمساءلة القضائية. استُخدمت "السرايا" لقمع حركة الإخوان المسلمين سنة 1982، وكانت مسؤولة عن مجزرة حماة التي راح ضحيتها ما بين 50 إلى 100 ألف مواطن سوري، معظمهم من المدنيين. ولكن السحر انقلب على الساحر وفي سنة 1984 استخدمت "السرايا" من قبل رفعت الأسد للانقلاب على أخيه، وبعد إجهاض محاولته الانقلابية الفاشلة، أمر الأسد بحلها وتطوير الحرس الجمهوري، الذي أصبح الذراع الضاربة للنظام حتى وفاة الأسد سنة 2000.

الفساد المستشري على مستوى القيادة العسكرية، الذي حول ضباط الجيش السوري إلى تجار أكثر من كونهم عسكريين

وفي عهد نجله بشار، ظهرت "الفرقة الرابعة" التي كانت أقرب إلى الميليشيا من كونها مجموعة عسكرية نظامية، يقودها شقيقه الأصغر ماهر الأسد. بقي عناصر "الفرقة الرابعة" فوق القانون، مثل "الحرس القومي" و"سرايا الدفاع"، يعتقلون ويهرّبون ويضربون، ويتدخلون في كل مفاصل الحياة اليومية دون أي رقيب أو محاسبة. بثوا الرعب والإرهاب في نفوس السوريين، وأشرفوا على شبكة فساد كبيرة جدا، منها تهريب السلاح إلى "حزب الله"، وتصنيع الحبوب المخدرة (الكبتاغون)، لغاية سقوط النظام في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.

وقد تحالفت الفرقة الرابعة مع إيران ومع "حزب الله"، ووصل عدد عناصرها إلى 29 ألف مقاتل، اختفوا بلمح البصر يوم فرار الرئيس السوري المخلوع إلى موسكو، بعد أن ألقوا سلاحهم، ورموا أسلحتهم، وغادروا مواقعهم العسكرية، إما إلى لبنان أو إلى العراق أو إلى قرى الساحل السوري.

انهيار جيش الأسد

يبقى السؤال: كيف انهارت "الفرقة الرابعة" مع بقية فرق الجيش السوري، بهذه السرعة المذهلة؟

هناك أسباب عدة، منها الفساد المستشري على مستوى القيادة العسكرية، الذي حول ضباط الجيش السوري إلى تجار أكثر من كونهم عسكريين، يسعون إلى مكاسب مادية يومية فقط، من السمسرة والبلطجة وتجارة السلاح والحبوب المخدرة، ولا يريدون الموت "من أجل الوطن". وفي المقلب الآخر، كان قادة الفصائل المنضبطون الذين لهم عقيدة دينية وعلى استعداد تام للتضحية من أجلها.

أ.ف.ب
جنود سوريون يرددون شعارات مؤيدة لنظام الأسد، يجلسون في الجزء الخلفي من شاحنة عسكرية في 10 أغسطس 2011 أثناء انسحابهم من مدينة حماة بعد عملية عسكرية استمرت عشرة أيام لقمع الاحتجاجات المؤيدة للثورة

أما على مستوى العسكريين الموجودين في محيط مدينة حلب ضمن الفوج 64، فهؤلاء رموا بأسلحتهم ورفضوا القتال يوم اقتربت منهم فصائل "هيئة تحرير الشام" في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ببساطة مطلقة، رفضوا القتال هذه المرة، مدركين أن من مات من قبلهم من رفاقهم وأقربائهم لم يموتوا من أجل "الوطن"، بل لبقاء بشار الأسد في الحكم، وهو الذي جمع ثروات طائلة من عرقهم وجهدهم ودمائهم، بينما بقيت عائلات هؤلاء الجنود في حالة من الحرمان والفقر المدقع. ملايين الشبان سبقوا إلى أرض المعركة في السنوات الأولى من الحرب السورية، ظنا أنها ستكون قصيرة، وأن الأسد سيكافئ الجنود على تضحياتهم، ومنهم من ظن فعلا أنه يدافع عن "كرامة الوطن". مع مرور الوقت اكتشف الجنود زيف هذه العبارات، وأنهم حقيقة لم يكونوا يدافعون إلا عن بشار الأسد ونظامه.

font change