تطلعات ترمب لولاية ثالثة تصطدم بصخرة الدستور

اقتراح التمديد يراوح مكانه بأروقة الكونغرس وسط استياء كثير من النواب

 رويترز
رويترز
الرئيس دونالد ترمب يتحدث خلال مراسم التنصيب في قاعة الكونغرس الأميركي في 20 يناير في واشنطن العاصمة

تطلعات ترمب لولاية ثالثة تصطدم بصخرة الدستور

منذ توليه مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، بشر دونالد ترمب بحقبة جديدة من العصبية القومية المشبوبة بروح العنصرية والتعالي. ولم يقتصر هذا فقط على نظرته الدونية إلى العالم، بل تجاوزه إلى الاستخفاف بإرادة الأمة وتقاليدها وبالأعراف التي أرساها الآباء المؤسسون، وفي صدارتها احترام الدستور، مما شوه صورة أميركا وجعلها تبدو كما لو كانت قد تحولت إلى إحدى دول العالم الثالث.

وقد بلغ به غرور الانتصار الذي دأب على تهويله أن أوعز إلى بعض أعضاء حزبه بالسعي إلى تغيير الدستور بما يسمح بتوليه الرئاسة لولاية ثالثة، في سابقة هي الأولى في تاريخ البلاد. واستند وكلاء هذا الاقتراح إلى ما سموه "تعزيز الأمل في استمرار القيادة الجريئة التي يجسدها ترمب وتحتاج إليها البلاد بشكل ملح".

وينص التعديل المقترح على أنه "لا يسمح لأي رئيس بتولي الرئاسة لأكثر من ثلاث دورات، ولا أن يعاد انتخابه لولاية أخرى بعد انتخابه لدورتين متتاليتين، ولا يسمح لأي شخص تولى منصب الرئاسة أو شغله بالوكالة لأكثر من عامين استكمالا لولاية رئيس آخر بأن ينتخب لمنصب الرئيس لأكثر من دورتين متتاليتين". أي إن الرؤساء السابقين الذين ما زالوا على قيد الحياة (بيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما) لا يمكنهم الترشح مرة أخرى لأنهم خدموا لولايتين متتاليتين. أما ترمب الذي يعد ثاني رئيس للولايات المتحدة يتولى الرئاسة في دورتين منفصلتين بعد الرئيس غروفر كليفلاند عام 1892، فيحق له الترشح لولاية ثالثة. وقد نقل عن ترمب أنه ألمح إلى أعضاء حزبه خلال اجتماع بالكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قائلا: "إنني لا أتوقع الترشح مرة أخرى إلا إذا قلتم إنني ناجح جدا ومن ثم علينا أن نبحث عن مخرج".

وفي مناسبة أخرى كرر ترمب أمام تجمع لأنصاره في لاس فيغاس أنه سيتشرف بخدمة أميركا لا لمرتين بل لثلاث أو أربع.

وزعم ترمب أنه جمع تبرعات كثيرة سيستفيد منها من سيخوص الانتخابات القادمة، لكنه ليس متأكدا بنسبة 100 في المئة من أنه لن يكون ذلك المرشح. وحث ترمب رئيس مجلس النواب مايك جونسون على أن يبشر بنهضة جديدة على يديه. وتساءل ضاحكا عما إذا كان من المسموح له الترشح لولاية ثالثة، مطالبا جونسون بأن لا يتدخل في ذلك.

ويحتاج تعديل الدستور إلى الحصول على موافقة ثلثي أصوات مجلسي الشيوخ والنواب، ثم تصديق ثلاثة أرباع الولايات الأميركية (38 ولاية) على التعديل لكي يصبح ساريا.

رغم أن الدستور لم يكن يتضمن التعديل الجديد في نسخته الأولى، فإن جورج واشنطن، أول رئيس للولايات المتحدة، اختار طوعا التنحي بعد ولايتين ليرسي سابقة ما لبث أن احترمها أسلافه وساروا على نهجها

ويرى محللون سياسيون أن المحاولة هي رمزية أكثر منها واقعية وأن الاقتراح مآله النسيان. فهو بحاجة إلى موافقة نصف النواب والشيوخ الديمقراطيين فضلا عن المجالس النيابية لثمان وثلاثين ولاية. وفي المقابل لا تتجاوز أغلبية الجمهوريين في مجلس النواب الثلاثة أصوات، وهو أقل هامش للفارق بين نواب الحزبين منذ عام 1931، بينما لا يزيد الفارق بينهما على ثلاثة أصوات أيضا في مجلس الشيوخ لصالح الجمهوريين. ولا يبعث هذا الفارق الضئيل بارقة أمل في الحصول على الأغلبية اللازمة لتمرير الاقتراح.

ويمنع التعديل الثاني والعشرون من الدستور الأميركي تولي أي مرشح للرئاسة لأكثر من ولايتين متصلتين أو منفصلتين. وقد سن هذا التشريع في 27 فبراير/شباط عام 1951 في أعقاب تولي فرانكلين رزوفلت الرئاسة لأربع ولاياتاقتضتها الضرورة للحفاظ على الاستقرار في الولايات المتحدة التي كانت تمر بأزمتين هائلتين، إحداهما الكساد الكبير وثانيتهما خوض غمار الحرب العالمية الثانية. ومات روزفلت بعد أقل من ثلاثة أشهر من بدء ولايته الرابعة.

 أ.ف.ب
الرئيس دونالد ترمب يدخل حفل تنصيبه كرئيس للولايات المتحدة السابع والأربعين في مبنى الكابيتول الأميركي في واشنطن العاصمة، الاثنين 20 يناير

وبعد وفاة روزفلت بعامين سارع الكونغرس بإضافة التعديل الذي يحظر على الرئيس الترشح لأكثر من ولايتين. وحينها لم يتجاوز عدد الولايات الأميركية 48 ولاية، وكانت منيسوتا الولاية السادسة والثلاثين والأخيرة التي أقرت التعديل بعد أربع سنوات من المداولة.      

ورغم أن الدستور لم يكن يتضمن التعديل الجديد في نسخته الأولى، فإن جورج واشنطن، أول رئيس للولايات المتحدة، اختار طوعا التنحي بعد ولايتين ليرسي سابقة ما لبث أن احترمها أسلافه وساروا على نهجها إلى أن جاءت سابقة روزفلت التي نبهت الكونغرس إلى ضرورة سن التعديل.  

وقال نائب تنيسي الجمهوري آندي أوغلز الذي تقدم بمشروع التمديد إن ترمب أثبت أنه الشخص الوحيد في التاريخ الحديث القادر على وقف التدهور الذي يعتري الأمة وعلى استعادة مجد أميركا، ومن ثم ينبغي منحه الوقت الكافي لتحقيق هذا الهدف.

وقد أثار مشروع القانون استياء عدد كبير من اعضاء الحزب الجمهوري نفسه.

وشن محافظون هجوما ضاريا على أوغلز مطالبين إياه بسحب مشروعه والتوقف عن حيله للفت انتباه ترمب طمعا في تسلق السلم السياسي في حملته.

يسيطر الجمهوريون حاليا على المجالس النيابية لثمان وعشرين ولاية مما يحول دون إمكانية تمرير التعديل إن حظي بمباركة الكونغرس

أما الديمقراطيون فقد لخص النائب ستيف كوهين موقفهم بقوله: "إنه ما من أمة يمكنها تحمل أكثر من ولايتين من الفوضى العارمة"، في إشارة إلى رئاسة ترمب.

وقد تعمد الآباء المؤسسون وضع شروط تعجيزية لتعديل الدستور الأميركي حرصا على حفظ الاستقرار وكبح جماح سطوة السلطة. وكثيرا ما أخفقت محاولات تعديل التعديل الثاني والعشرين للدستور بسبب التشاحن السياسي وارتفاع سقف شروط التعديل، لاسيما فيما يتعلق بعدد الولايات المطلوب لإقراره. فلكي يتم إقراره، لا بد من موافقة 290 صوتا في مجلس النواب و67 صوتا في مجلس الشيوخ، وهو أمر مستبعد في ظل الرفض التام والمتوقع من الديمقراطيين وبعض الجمهوريين.  

أ.ف.ب
الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب يوقع مجموعة من القرارات التنفيذية، خلال حفل تنصيبه للرئاسة في مبنى الكابيتول في العاصمة واشنطن، 20 يناير 2024

ويسيطر الجمهوريون حاليا على المجالس النيابية لثمان وعشرين ولاية مما يحول دون إمكانية تمرير التعديل إن حظي بمباركة الكونغرس. وكان آخر تعديل أدخل على الدستور هو التعديل 27 الذي يمنع زيادة راتب عضو الكونغرس قبل الانتخابات، كما يمكّن الجمهور من إسقاط عضوية النائب قبل زيادة مرتبه، وذلك بهدف الحد من الفساد في السلطة التشريعية.   

واستبعد السيناتور الجمهوري مايك لي أن يحظى اقتراح التمديد بأي اهتمام، مؤكدا أنه لا يتخيل أن يسعى الرئيس إلى تعديل الدستور. ومع هذا، لا يفتأ مشروع القانون المطروح في مجلس النواب يراوح مكانه.

font change