ثمة سؤال أساسي لا بد من التفكير فيه ومحاولة الإجابة عليه لاستقراء معالم الوضع اللبناني الجديد وتداخل العوامل الداخلية والخارجية فيه ظل المتغيرات التي شهدتها المنطقة خلال الأشهر الأخيرة. والسؤال هو: هل "حزب الله" يعتبر أن انتخاب الرئيس جوزيف عون وتكليف رئيس الحكومة نواف سلام هما ضده بالمطلق، وبالتالي يجب أن يدخل في مواجهة معهما على اعتبار أنهما فرضا بإرادة خارجية وبالأخص أميركية لمحاصرته في الداخل اللبناني؟ أم إن "حزب الله" يتعامل مع الوضع السياسي الجديد على أنه نتيجة المتغيرات في المنطقة ومن ضمنها لبنان والتي لا حول ولا قوة له في منعها، وبالتالي فهو مسلّم بضرورة مواكبة المرحلة الجديدة والحد من خسائره فيها بدلا من الذهاب إلى مواجهة مفتوحة مع الوقائع الجديدة بدءا من الحكومة العتيدة؟
عمليا لا يمكن التعامل مع هذه الأسئلة كما لو كانت شأنا لبنانيا بحتا، وتفصيلا في خضم التعقيدات الجيوسياسية التي طرأت على المنطقة بدءا من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ومن ثم ضد "حزب الله" في لبنان وصولا إلى سقوط نظام الأسدين في سوريا وما بينهما من مواجهات متنقلة في طول المنطقة وعرضها وصولا إلى إيران التي تلمست خطورة المرحلة وتلقت خسائر استراتيجية قد لا تقدر على تعويضها، ما اضطرها للتراجع خطوة إلى الوراء وانتظار مبادرات دونالد ترمب تجاهها أو ضدها.
فالواقع أن هذه الأسئلة متصلة اتصالا وثيقا بكل ما يجري في المنطقة وبكل ما يحضّر لها، خصوصا في ظل الإدارة الأميركية الجديدة والتي تتبنى مقاربات مختلفة للشرق الأوسط لم ولن تخلو من عنصر المفاجأة التي يصعب على الأطراف التعامل معه وإن كانوا يحاولون التقليل من وطأته عليهم، وهذا لا ينطبق على فصائل محدودة القوة والنفوذ كما "حزب الله" بل على دول بعينها مثل مصر والأردن التي يصر ترمب على تهجير جزء من فلسطينيي قطاع غزة إليهما.
لكن مع ذلك فإن صلة "حزب الله" البنيوية والعميقة مع إيران تجعل حركته من حركتها وتطلعاته من تطلعاتها ومخاوفه ارتدادا لمخاوفها، وبالتالي فإن "حزب الله" أيضا ينتظر بشكل أو بآخر خلاصات السياسات الأميركية الجديدة ليس للوقوف ضدها بالضرورة لكن للتعامل معها بالممكن والمتاح ومحاولة تجنب أضرارها عليه لا بل والتأقلم معها ومحاولة الاستفادة منها ضمن "الترتيبات" الجديدة في لبنان والمنطقة.
وهنا لا يمكن القياس على تجربة "حزب الله" منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 لاستنتاج أن "الحزب" راديكالي في تكوينه ولا يحمل أي خصائص برغماتية. فمحاولة "الحزب" تجنب الحرب طيلة عام كامل إلى أن دفع إليها كخيار محتوم ومصير حتمي كان دليلا واضحا على برغماتيته عندما يتعلق الأمر بالقضايا الكبرى كالحرب مع إسرائيل وإن كانت هذه البرغماتية قد حفّزت إسرائيل على شن حربها ضدّه من ضمن حسابات معقدة متصلة أساسا بالقرار الإيراني الحاسم بعدم دخول الحرب بشكل مباشر.