خطابات ترمب النارية قد تهدد هيمنة الدولار

التهديدات المتطرفة قد تدفع العالم إلى الابتعاد عن القوة المالية الأميركية

.أ.ف.ب
.أ.ف.ب
الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوقع قرارت تنفيذية لتطوير القدرات الأميركية في مجال التكنولوجيا والقواعد الرقمية، 23 يناير 2025

خطابات ترمب النارية قد تهدد هيمنة الدولار

بقلم باتريك شوفانك، فورين بولسي:

كادت كولومبيا والولايات المتحدة أن تنجرفا نحو مواجهة عسكرية نهاية الأسبوع الماضي، على الرغم من أن تلك اللحظة ربما مرت دون أن يلاحظها الكثيرون. فقد أثار رفض كولومبيا استقبال رحلات جوية أميركية تحمل محتجزين مقيدين غضب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي رد يوم الأحد عبر وسائل التواصل الاجتماعي بإطلاق سيل من التهديدات، من بينها فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع الصادرات الكولومبية، قبل أن يرفعها إلى 50% عقب تبادل آخر حاد مع الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو.

لكن وسط هذا التصعيد، كان هناك بند في أسفل القائمة لم يحظَ بالاهتمام الكافي. إذ ورد في النص: "قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية (IEEPA) – وزارة الخزانة، الفرض الكامل للعقوبات المصرفية والمالية."

يمكن أن تمر أهمية هذه الكلمات دون أن يلاحظها أحد بسهولة. فقد تركز الاهتمام العام إلى حد كبير على الرسوم الجمركية التي استهدفت صادرات كولومبيا الشهيرة، مثل القهوة والزهور المقطوفة—وهي قضايا يسهل على الشخص العادي فهمها. في الوقت نفسه، فإن تهديدات أخرى، مثل فرض قيود محتملة على تأشيرات المسؤولين الحكوميين الكولومبيين أو إلغائها، بالإضافة إلى عمليات تفتيش صارمة عند دخول المواطنين الكولومبيين الزائرين، بدت أقرب إلى إجراءات تُتخذ عادةً ضد خصوم دائمين مثل الصين في سياق نزاعات عميقة، وليس ضد حليف اقتصادي وعسكري مثل كولومبيا بسبب اعتراض محدود نسبيًا.

ومع ذلك، تجاوزت العقوبات المصرفية المقترحة كل الخطوط، إذ تلاعبت بما يُعرف في السياسات الاقتصادية بمصطلح "الخيار النووي."

تجاوزت العقوبات المصرفية المقترحة كل الخطوط، إذ تلاعبت بما يُعرف في السياسات الاقتصادية بمصطلح "الخيار النووي"

وكما هو متوقع، جاءت التفاصيل غامضة بقدر ما يمكن أن يكون عليه تهديد نُشر على عجل. لكن إذا أُخذت الكلمات بالمعنى الحرفي، فإن الصياغة توحي بإجراءات شبه حربية للتعامل مع كولومبيا كدولة معادية، بما في ذلك احتمال تجميد أصولها—بما فيها احتياطياتها من سندات الخزانة الأميركية—وقطعها تماما عن النظام المالي الأميركي وجميع التعاملات بالدولار.

هذه هي نفس الإجراءات التي تُفرض عادة على دول مثل كوريا الشمالية وإيران أو على شبكات تمويل تنظيم القاعدة. حتى بعد غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا، ترددت السلطات الأميركية في فرض عقوبات صارمة كهذه على روسيا خشية أن تُعتبر بمثابة إعلان حرب، إلا أنها في النهاية مضت قدما في تنفيذها.

أ.ف.ب
علم يحمل صورة دونالد ترمب يرفرف فوق جزيرة بينغهام بالقرب من نادي مارالاغو الذي يملكه ترمب في بالم بيتش بولاية فلوريدا

أحد الأسباب التي جعلت المسؤولين الأميركيين يترددون في حالة روسيا هو المخاطر المحتملة التي قد تنجم عن مثل هذا القطع الحاد على البنوك والشركات الأميركية. لكن القلق الأعمق يتعلق بدور الولايات المتحدة كوصي موثوق على أكبر الأسواق المالية في العالم وعملتها الاحتياطية.

تعتمد فعالية العقوبات المالية الأميركية على الاعتقاد بأنها استثناءات ضمن نظام قائم على القواعد وقابل للتنبؤ. يجب أن تؤمن معظم الدول والمستثمرين بأنهم لن يكونوا عرضة لمثل هذه العقوبات. فرض عقوبات على كوريا الشمالية؟ هذا أمر لا يمسني. إيران؟ أيضا لا يمسني. الصين أو روسيا؟ هنا تصبح الأمور أكثر تعقيدا، وخاصة إذا كنت، مثل السعودية أو الهند، تتعامل تجاريا واستثماريا معهما أو لا تتفق دائما مع الولايات المتحدة. لكن كولومبيا؟ كندا؟ الدنمارك؟ قد يكون أي بلد هو الهدف التالي، غدا، بناء على نزوة جديدة من ترمب.

لكن ماذا لو تحول هذا الملاذ الآمن إلى سلاح موجه إلى رقبتك؟ في السابق، كان هذا التهديد مقتصرا على الدول المارقة أو يُستخدم كعقوبة على أفعال متطرفة مثل غزو دولة ذات سيادة. أما الآن، فيبدو أن أي دولة قد تصبح عرضة له

هناك أسباب وجيهة تدفع معظم الدول إلى الاحتفاظ باحتياطيات من الدولار الأميركي. فالولايات المتحدة تمتلك أكبر الأسواق المالية وأكثرها سيولة في العالم، ما يتيح لهذه الدول إدخال أموالها وإخراجها بسهولة. كما أنها لا تزال صاحبة أكبر اقتصاد عالمي، مما يضمن استمرار الطلب على الدولار لدفع ثمن السلع والخدمات التي تنتجها، وهو ما يجعل الأسواق العالمية للسلع الأساسية تُسعَّر بالدولار أيضا. إضافة إلى ذلك، يُفترض أن الولايات المتحدة تفي بالتزاماتها المالية، وفي أوقات عدم اليقين الاقتصادي، كما حدث خلال جائحة كوفيد-19، يميل المستثمرون القلقون إلى التخلي عن الأصول الأخرى واللجوء إلى سندات الخزانة الأميركية باعتبارها ملاذا آمنا.

لكن ماذا لو تحول هذا الملاذ الآمن إلى سلاح موجه إلى رقبتك؟ في السابق، كان هذا التهديد مقتصرا على الدول المارقة أو يُستخدم كعقوبة على أفعال متطرفة مثل غزو دولة ذات سيادة. أما الآن، فيبدو أن أي دولة قد تصبح عرضة له، في أي لحظة، إذا تعارضت سياساتها مع توجهات ترمب. قد يبدأ حاملو الدولار في البحث عن بدائل، حتى لو كانت أكثر تكلفة وأقل ملاءمة. وكما هو الحال مع العديد من التحولات الكبرى، فقد يحدث الأمر تدريجيا—ثم فجأة.

والواقع أنه، وإن لم تكن هيمنة الدولار ميزة مطلقة للاقتصاد الأميركي، فإن رغبة العديد من الدول الأجنبية في الاحتفاظ به كاحتياطي تلعب دورا رئيسيا في تفاقم العجز التجاري المزمن للولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن "التفكك السريع غير المخطط له" (وهو المصطلح الذي تستخدمه سبيس إكس كبديل لكلمة "انفجار") للدولار لن يكون تطورا إيجابيا بأي حال. فمن شأن ذلك أن يؤدي إلى أزمات مالية وانخفاض حاد في مستوى المعيشة لملايين الأميركيين.

سيؤدي انهيار الدولار إما إلى تراجع قيمته، مما سيجعل الواردات اليومية أكثر تكلفة بكثير، أو إلى اضطرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى رفع أسعار الفائدة، مما سيدفع الاقتصاد نحو الركود. أما في حالة حدوث أزمة حقيقية للدولار، فمن المحتمل أن يشهد الاقتصاد الأميركي كلا السيناريوهين معا.

يبدو أن المواجهة الأخيرة قد انتهت بالسرعة نفسها التي تصاعدت بها. فقد ادعى ترمب أن كولومبيا تراجعت، رغم أن ما قدمه كل طرف من تنازلات قد لا يتضح تماما إلا عند استئناف الرحلات الجوية. في الواقع، كان لدى كلا البلدين دوافع قوية لتمييع الخلافات والتوصل إلى "اتفاق على عدم الاتفاق،" على الأقل لتفادي الوصول إلى حافة الهاوية.

لكن بقدر ما يُنظر إلى ترمب على أنه خرج منتصرا من هذه الأزمة، فمن المرجح أن يغريه ذلك بإطلاق تهديدات مماثلة في المستقبل. وهناك نزاعات مشابهة تلوح في الأفق—مع الدنمارك بشأن غرينلاند، ومع الاتحاد الأوروبي حول تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي، ومع كندا بسبب إصرار ترمب الغريب على ضمها كولاية أميركية رقم 51. وإذا أصبحت التهديدات بفرض "عقوبات مصرفية نووية" هي أسلوب ترمب المفضل في المساومة، سواء مع الحلفاء أو الخصوم، فإن واشنطن ستكون بذلك بصدد خوض لعبة شديدة الخطورة.

font change