الطاقة المتجددة في السعودية... تقدم ملموس لتحقيق أهداف 2030

أ.ف.ب.
أ.ف.ب.
لوح لتخزين الطاقة في محطة للطاقة الشمسية، في العينة شمال العاصمة الرياض، 29 مارس 2018

الطاقة المتجددة في السعودية... تقدم ملموس لتحقيق أهداف 2030

تواصل المملكة العربية السعودية تقدمها نحو تحقيق أهدافها في مجال الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، بصرف النظر عن التغيرات التي قد تطرأ على السياسة الأميركية. وقد تُحدث إعادة انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة تأثيرا كبيرا على أسواق الطاقة العالمية والسياسات والأسعار، إذ إن الإدارة الجديدة سوف تركز أكثر على تحرير القيود التنظيمية وزيادة إنتاج الطاقة المحلية، مما سيدفع إلى تحول في ديناميكيات قطاع الطاقة العالمي. ومن المرجح أن يلغي البيت الأبيض بقيادة ترمب الكثير من اللوائح المناخية والبيئية التي نفذتها إدارة الرئيس بايدن، وسط انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقيات المناخ الدولية وتقليص دعمها لمبادرات الطاقة المتجددة.

نتيجة ذلك كله، أبدى بعض المعلقين قلقهم من عدم التزام دول الخليج العربية، مثل المملكة العربية السعودية، مواصلة التحول في مجال الطاقة واستدامة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة. بيد أن ذلك القلق في غير محله. فقد أخذت السعودية التزاما على نفسها تجاه الطاقة المتجددة منذ أمد طويل.

ويلعب هذا الالتزام دورا حاسما في أمن الطاقة في البلاد. وتسير السعودية في طريقها الى تحقيق أهدافها المتعلقة بالطاقة المتجددة بخطى ثابتة، ومن ثم ستواصل السعي لتحقيقها، وذلك بغض النظر عن موقف ترمب في شأن التحول في مجال الطاقة.

يعتمد التزام السعودية استخدامَ الطاقة المتجددة على خفض انبعاثات الكربون من قطاع الطاقة وتحرير مواردها القيمة من الهيدروكربونات للتصدير

وأحرزت السعودية العام الماضي تقدما ملموسا نحو تحقيق هدفها لعام 2030 المتمثل في توليد الطاقة من خلال إقامة توازن بين الغاز والطاقة المتجددة، وهو الأمر الذي يلغي الحاجة إلى حرق النفط للاستخدام المحلي. ورغم أن الطريق لا يزال طويلا، فإن عام 2024 كان حاسما بالنسبة إلى المملكة، ويبدو أن عام 2025 سيكون عاما آخر مليئا بالتقدم اللافت.

ويعتمد التزام السعودية استخدامَ الطاقة المتجددة على خفض انبعاثات الكربون من قطاع الطاقة وتحرير مواردها القيمة من الهيدروكربونات للتصدير.

أ.ف.ب.
لوح لتخزين الطاقة في محطة للطاقة الشمسية، في العينة شمال العاصمة الرياض، 29 مارس 2018

ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، أصبحت مسألة أمن الطاقة في صدارة الأجندات العالمية، وهو الأمر الذي أدى إلى دفع مزدوج نحو تسريع التحول في قطاع الطاقة وضمان الإمدادات من الطاقة، بأسعار معقولة ومتاحة في آن واحد. ويتوافق نهج المملكة تجاه الطاقة المتجددة مع كلا الهدفين اللذين وضعتهما سياستها نصب عينيها. ويمكن المملكة من خلال زيادة إنتاج الطاقة المتجددة توفير طاقة منخفضة الكربون في الداخل للمساعدة في الوفاء بالتزاماتها المناخية، مع الاستفادة إلى الحد الأقصى من الفرص التي يوفرها الطلب العالمي المتزايد على الهيدروكربونات وتحول ديناميكيات العرض بسبب الأحداث الجيوسياسية. وتخطط السعودية على المدى البعيد أيضا لتصدير الطاقة المتجددة وتقنياتها.

وتهدف المملكة إلى الحصول على ما لا يقل عن 50 في المئة من طاقتها من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وتوسيع قدرتها إلى 130 غيغاواط. ومن المقرر أن يأتي 58.7 غيغاواط من هذه الطاقة من الطاقة الشمسية و40 غيغاواط من طاقة الرياح. وهذا هو الهدف الأعلى طموحا من بين أهداف أعضاء مجلس التعاون الخليجي.

السعودية ستضاعف قدرتها الإنتاجية تقريبا بحلول نهاية عام 2025، مما سيجعلها تتفوق على جميع جيرانها ما عدا إسرائيل

وتبلغ القدرة التركيبية الحالية، اعتبارا من نهاية عام 2024، 6.5 غيغاواط عند تشغيلها بالكامل. وقد أضافت أربع محطات جديدة للطاقة الشمسية الكهروضوئية 3.7 غيغاواط من الطاقة المتصلة بالشبكة خلال العام الماضي، بما في ذلك محطة سعد للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 300 ميغاواط، ومحطة الرس بقدرة 700 ميغاواط، ومحطة الشعيبة 1 بقدرة 600 ميغاواط. وفي عام 2024، تفوقت محطة الشعيبة 2 للطاقة الشمسية الكهروضوئية على محطة سدير الكهروضوئية لتصبح أكبر منشأة للطاقة المتجددة في المملكة، بقدرة 2.06 غيغاواط.

ومن المقرر أن تدخل سبعة مشاريع للطاقة المتجددة حيز التنفيذ في عام 2025، ومن ضمنها محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية الثلاث التابعة لشركة "أكواباور" -سعد2، والرس2، والكهفة– التي ستضيف وحدها 4.55 غيغاواط إضافية من الطاقة. 

وبحسب شركة "ميس" واستنادا إلى تصريحات وزارة الطاقة، فإن السعودية ستضاعف قدرتها الإنتاجية تقريبا بحلول نهاية عام 2025، مما سيجعلها تتفوق على جميع جيرانها ما عدا إسرائيل. ومن المقرر أن يستمر هذا النمو، بحيث تتضاعف القدرة الإنتاجية مرة أخرى إلى نحو 23 غيغاواط بحلول نهاية عام 2027، وفق الخطة. وإذا ما تحقق ذلك، فإن القدرة المركبة سوف تنمو من 0.3 غيغاواط في عام 2020 إلى 23 غيغاواط في غضون سبع سنوات.

وتسعى وزارة الطاقة إلى طرح عطاءات بسعة 20 غيغاواط سنويا لتحقيق هدفها الرئيس، وقد تصل القدرة إلى 83 غيغاواط بحلول عام 2030. ورغم أن هذا الرقم لا يزال بعيدا بعض الشيء عن الهدف الذي يتراوح بين 100 و130 غيغاواط والمحدد لعام 2030، فإن وتيرة تسليم المشاريع قد تسارعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة وربما تتسارع أكثر.

تؤكد الرياض التزامها تنمية قدراتها في مجال الطاقة المتجددة، وتتقدم بسرعة في هذا الاتجاه، بغض النظر عن سياسة الولايات المتحدة

ويعتمد نجاح المملكة في تركيب القدرة الإنتاجية على سرعة انتقال المشاريع من الإغلاق المالي إلى التشغيل. ويرجع ذلك بشكل كبير إلى نموذج المشاريع الضخمة الذي تبنته المملكة، والذي يستفيد من اقتصاديات الحجم الكبير ودعم الحكومة للتمويل والتطوير.

علاوة على ذلك، فإن شروط التمويل المواتية لمشاريع الطاقة المتجددة، والأراضي الشاسعة والرخيصة، وارتفاع قدرة مطوري مشاريع الطاقة المتجدد على الاقتراض، أمور دعمت نشر قدرات الطاقة المتجددة المثبتة على نطاق المرافق. فعلى سبيل المثل، تمكنت شركة "أكواباور" من إغلاق التمويل لمحطات رأس2 والكهفة وسعد2 في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ومن المقرر أن تبدأ التشغيل في وقت لاحق من هذا العام.

غيتي
أنابيب امدادات غاز تابعة لشركة "أرامكو"، في الحوية في السعودية، 28 يونيو 2021

وتشكل بداية الإنتاج في محطة غاز الجافورة، المتوقع أن يبدأ في عام 2025، خطوة أخرى مهمة إلى الأمام في رحلة التخلص من الانبعاثات الكربونية في قطاع الطاقة. ويندرج مشروع الجافورة ضمن خطة المملكة لتوسيع إنتاج الغاز بأكثر من 50 في المئة خلال السنوات الثماني المقبلة، ومن خلال ذلك سيتم توفير أكثر من مليون برميل من النفط يوميا من الاستخدام المحلي. وسيوفر المشروع مواد خاما لإنتاج الهيدروجين والأمونيا، فضلا عن تلبية الطلب المحلي. وفي هذا السياق، وقّعت المملكة وإيطاليا مذكرة تفاهم لمدة خمس سنوات بهدف تعزيز التعاون في مجال الطاقة، ومن ضمنها إمكان توريد الهيدروجين السعودي إلى أوروبا.

إن سعي السعودية إلى الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة يخدم الأهداف القريبة والبعيدة. وبذلك تؤكد الرياض التزامها تنمية قدراتها في مجال الطاقة المتجددة، وتتقدم بسرعة في هذا الاتجاه، بغض النظر عن سياسة الولايات المتحدة.

font change

مقالات ذات صلة