الاحتضان السعودي لسوريا... من شكري القوتلي إلى أحمد الشرع

في 1945 و2025 رئيسان سوريان في الرياض على أعتاب مرحلة جديدة في المنطقة

الاحتضان السعودي لسوريا... من شكري القوتلي إلى أحمد الشرع

في سنة 1943 وبعد انتخاب الزعيم الوطني شكري القوتلي رئيسا للجمهورية في سوريا كثرت اللقاءات بينه وبين الملك عبد العزيز آل سعود من جهة، وبين فاروق الأول ملك مصر.

عملوا سويا على تأسيس جامعة الدول العربية سنة 1944، وعلى دعوة سوريا إلى مؤتمر تأسيس الأمم المتحدة في مدينة سان فرنسيسكو الأميركية سنة 1945، كما كان لهم موقف موحد في وجه مشروع "سوريا الكبرى" الذي نادى به الملك الأردني عبد الله الأول، ومشروع "الهلال الخصيب" الذي كان يدعو إليه رئيس وزراء العراق نوري السعيد.

شكلوا يومها ما عرف بالتحالف السعودي- المصري- السوري، الذي حافظ على شكله وبنياه على الرغم من كل التغيرات السياسية التي عصفت بسوريا بعد سنة 1949 ومصر بعد سنة 1952، ولم يتضعضع هذا التحالف وينهار إلا بعد وصول بشار الأسد إلى سدة الحكم في بلاده سنة 2000. انفرط التحالف مع مقتل رئيس الوراء اللبناني رفيق الحريري سنة 2005، بسبب تلاعب الرئيس السوري آنذاك مع حلفائه العرب لصالح إيران و"حزب الله"، ودوره في تصفية الحريري المقرب جدا من السعودية.

ومع ذلك، حاولت السعودية التدخل مجددا قبل سنتين، ليس لأجل بشار وإنما لإنقاذ سوريا من عزلتها، فقامت بفتح سفارتها بدمشق واستعادة مقعد سوريا في جامعة الدول العربية كما استقبلت الأسد في الرياض وكانت آخر زيارة له لحضور القمة العربية المنعقدة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على أمل أن يساهم ذلك في فك تحالف بلاده مع الإيرانيين. لكنه وحتى اللحظة الأخيرة ظل متمسكا بإيران، رافضا المساومة على وجودها وكل المبادرات التي تقدم بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. سقط الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وفي 28 يناير/كانون الثاني من الشهر الحالي، أصبح أحمد الشرع رئيسا جديدا لسوريا، منهيا 61 سنة من حكم حزب "البعث".

كانت السعودية عبر التاريخ هي الداعم الأبرز للسوريين في قضاياهم الوطنية، وقد جاءها شكري القوتلي شابا في مطلع عشرينات القرن الماضي، طالبا الدعم للمؤتمر السوري- الفلسطيني

كانت السعودية سباقة في احتضان الحكم الجديد في سوريا، وقد أرسلت وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان إلى دمشق. وفي 2 فبراير/شباط الجاري استقبلت الرئيس الشرع في الرياض، لتكون العاصمة السعودية هي أولى محطاتها الخارجية، تماما كما كانت بالنسبة للرئيس القوتلي. ومن الرياض، سيُعيد الرئيس الشرع الدفء إلى العلاقة السورية- السعودية، ويحاول تصحيح كل ترسبات الماضي التي خلفها نظام بشار الأسد، ابتداء من فتح سماء سوريا وأرضيها للإيرانيين، ووصولا إلى إرسال الحبوب المخدرة إلى دول الخليج العربي.

واس
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وهو يرحب بالرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض في 2 فبراير 2025

البداية كانت مع القوتلي

كانت السعودية عبر التاريخ هي الداعم الأبرز للسوريين في قضاياهم الوطنية، وقد جاءها شكري القوتلي شابا في مطلع عشرينات القرن الماضي، طالبا الدعم للمؤتمر السوري- الفلسطيني الذي شارك في تأسسيه في جنيف لمعارضة الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان، والبريطاني في فلسطين والعراق.

قدم الملك عبدالعزيز دعما سياسيا كبيرا لهذا التجمع السياسي، وأسس فرعا له بالقرب من قصر عابدين في القاهرة، بات يعرف بـ"لجنة عابدين" وكانت تضم- إضافة للقوتلي- عددا من المفكرين والسياسيين العرب، في مقدمتهم الأمير شكيب أرسلان ومفتي القدس الحاج أمين الحسيني.

أ.ف.ب
ملك المملكة العربية السعودية سعود بن عبد العزيز (وسط) يحيط به عن يساره الرئيس المصري جمال عبد الناصر وعن يمينه الرئيس السوري شكري القوتلي، في مارس 1956 بقصر القبة في القاهرة

وردا للجميل، قام القوتلي يومها بتزكية عدد من السوريين الأكفاء للعمل في بلاط الملك عبدالعزيز، منهم الأطباء رشاد فرعون ومدحت شيخ الأرض، والسياسي الشاب يوسف ياسين من مدينة اللاذقية. وأصبح الدكتور فرعون مستشارا للملك عبدالعزيز ثم وزيرا للصحة سنة 1953، أما الدكتور شيخ الأرض فقد عُين طبيبا خاصا للملك، وكان الشيخ يوسف ياسين سكرتيرا خاصا له ثم وزيرا للخارجية. وقد شجع هؤلاء أعدادا كبيرة من السوريين على التوجه إلى السعودية للعمل ووضع خبراتهم تحت تصرف العاهل السعودي، مثل الأديب خير الدين الزركلي الذي عُين مستشارا في السفارة السعودية بالقاهرة ثم مديرا لوزارة الخارجية السعودية سنة 1946 ومستشارا للأمير فيصل بن عبد العزيز.

الملك عبدالعزيز واستقلال سوريا

ساندت السعودية تأسيس الكتلة الوطنية في سوريا للوقوف في وجه الانتداب الفرنسي، وفي أبريل/نيسان 1933 توجه وفد رفيع من قادتها إلى الرياض للقاء الملك عبدالعزيز، يتقدمه جميل مردم بك. أيد الملك المطالب الوطنية السورية ولم تكن لديه أي شروط أو مطامع في سوريا، لا من الناحية السياسية ولاالجغرافية.

شهد عام 1945 تطورا هاما في العلاقات الثنائية بين البلدين، إذ زار القوتلي الرياض بعد الاجتماع الشهير بين الملك عبدالعزيز والرئيس فرانكلن روزفلت في 14 فبراير

وعلى عكس الأردن والعراق، لم يكن الملك السعودي يطمع في الأراضي السورية أو حتى التوسع خارج الحجاز، وعندما طرح موضوع تولي نجله الأمير فيصل عرش سوريا عارضه بشدة قائلا: "سوريا للسوريين". وفي سنة 1941 كانت السعودية أول من اعترف باستقلال سوريا، علما أن الفرنسيين جعلوا انسحاب قواتهم عنها مرتبطا بإنهاء الأعمال القتالية في أوروبا، وأبرق الملك عبدالغزيز إلى الرئيس السوري الجديد تاج الدين الحسني، ووعده بتقديم كل الدعم اللازم للحصول على الاستقلال التام وغير المشروط.

وفي العام نفسه، استُقبل شكري القوتلي في مكة المكرمة، بعد اتهامه بدعم المحور النازي في الحرب العالمية الثانية من قبل الفرنسيين. نفى عنه الملك عبدالعزيز هذه التهمة ورتب له لقاءات مع مسؤولين بريطانيين لشرح وجهة نظره أمامهم، ثم اشترطت على الجنرال شارل ديغول عودته إلى سوريا معززا مكرما دون أي ملاحقة.

حاول ديغول المراوغة، وطلب أن تكون عودة القوتلي إلى بيروت وليس إلى دمشق لإبعاده عن قاعدته الشعبية، ولكن الملك عبدالعزيز أصر على موقفه وعاد القوتلي دون أي قيد أو شرط ليترشح للانتخابات الرئاسية في صيف سنة 1943. وبعد فوزه وجعله رئيسا في 17 أغسطس/آب من العام نفسه، كانت سفرته الأولى إلى الرياض للقاء الملك عبدالعزيز.

ترتيب لقاء القوتلي وتشرشل... وجلاء فرنسا عن سوريا

شهد عام 1945 تطورا هاما في العلاقات الثنائية بين البلدين، إذ زار القوتلي الرياض بعد الاجتماع الشهير بين الملك عبدالعزيز والرئيس فرانكلن روزفلت في 14 فبراير.وطلب الملك من الرئيس الأميركي عقد لقاء مع الرئيس السوري، بحضور رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل، ولكن روزفلت لم يتمكن من الحضور بسبب تراجع حاد في صحته بعد العودة من مؤتمر يالطا، وعقد الاجتماع بين تشرشل والقوتلي في القاهرة يوم 17 فبراير.

وقف الأمير فيصل إلى جانب القوتلي يوم رفع العلم السوري في سماء دمشق، معلنا استقلال سوريا التام في 17 أبريل 1946، وتضافرت الجهود بعدها في تأسيس جيش الإنقاذ لأجل فلسطين

وقد نتج عنه دعوة سوريا لتكون من الأعضاء المؤسسين في الأمم المتحدة، حيث تمكن مندوبها الرئيس فارس الخوري من رفع الصوت عاليا للمطالبة بإنهاء الانتداب الفرنسي. سرع كل ذلك من جلاء القوات الفرنسية عن سوريا ولكن الملك عبدالعزيز لم يشارك في احتفالات عيد الجلاء بسبب وضعه الصحي وأرسل الأمير فيصل إلى دمشق على رأس وفد من 10 شخصيات سعودية رفيعة.

وقف الأمير فيصل إلى جانب القوتلي يوم رفع العلم السوري في سماء دمشق، معلنا استقلال سوريا التام في 17 أبريل 1946، وتضافرت الجهود بعدها في تأسيس جيش الإنقاذ لأجل فلسطين، وقد جاء بقرار من جامعة الدول العربية تلبية لمقترح من الرئيس السوري وتمويل من الملك السعودي. وقرر الملك عبدالعزيز مد جيش الإنقاذ بالدعم المالي، بينما أقيمت معسكراته بالقرب من دمشق، وقد دخل ميدان المعركة بعد فشل المجموعة العربية في الأمم المتحدة في إبطال قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة نهاية شهر نوفمبر 1947.

أ.ف.ب
صورة تعود إلى عام 1948 في دمشق للجنرال حسني الزعيم الذي وصل إلى السلطة في انقلاب ضد الرئيس شكري القوتلي في 30 مارس 1948، وأسس أول نظام عسكري في العالم العربي

السعودية والانقلابات العسكرية في سوريا

كانت الصدمة الكبيرة بالنسبة للسعودية الانقلاب العسكري الذي وقع في دمشق يوم 29 مارس/آذار 1949 وأطاح بحكم الرئيس القوتلي. غضب الملك عبدالعزيز وتخوف كثيرا من تمادي العسكر في الوطن العربي، وقد أبرق إلى مهندس الانقلاب حسني الزعيم، محذرا من المس بالقوتلي، وجعل الاعتراف السعودي بالانقلاب مشروطا بسلامة حياته. وافق الزعيم على طلبه وأخرج القوتلي من السجن إلى منفاه الاختياري في مصر، وبعدها جاء الاعتراف السعودي بالعهد الجديد في سوريا، الذي لم يستمر طويلا وسقط مع سقوط الزعيم ومقتله في 14 أغسطس 1949. لم تتدخل السعودية في الشأن الداخلي السوري، ولكنها دعمت تولي الرئيس هاشم الأتاسي مقاليد الحكم في بلاده، وهو صديق قديم للملك عبدالعزيز وكان قد عمل معه في مرحلة الثلاثينات على نزغ فتيل الأزمة السياسية مع اليمن.

أسهم الملك سعود في منع المواجهة العسكرية بين دمشق وأنقرة، سنة 1957، ولكن عبدالناصر جيّر النصر كله لنفسه

ثم جاء انقلاب أديب الشيشكلي في نوفمبر 1951، الذي أطاح بالحكم المدني في سوريا ولكنه حافظ على علاقة متينة جدا مع السعودية. وزار دمشق عدد من الشخصيات السعودية النافذة في عهده، وقدمت السعودية قرضا ماليا كبيرا للحكومة السورية، وزار الأمير سعود بن عبد العزيز دمشق واللاذقية في أبريل 1953، قبل أشهر من وفاة والده الملك عبدالعزيز في 9 نوفمبر من العام نفسه.

وعند الانقلاب على الشيشكلي واستقالته من رئاسة الجمهورية في فبراير 1954، توجه إلى السعودية دون غيرها من الدول العربية، ثم انتقل للعيش في أوروبا أولا ثم في البرازيل. وقفت معه السعودية حتى النهاية ولم تعترض على قرار السوريين في استعادة الحكم المدني وعودة هاشم الأتاسي إلى الحكم لإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية. ولكنها كانت تنظر إلى سوريا بشيء من القلق العميق بسبب تنامي النفوذ الشيوعي فيها، ومعه نفوذ حزب "البعث" والرئيس المصري جمال عبدالناصر الحليف للاتحاد السوفياتي.

أ.ف.ب
الرئيس السوري شكري القوتلي ونظيره المصري جمال عبد الناصر يوقعان اتفاقية الوحدة بين بلديهما في دمشق 01 فبراير 1958. واستمر الاتحاد حتى عام 1961

حاول الملك سعود الوقوف في وجه المد الناصري والشيوعي في سوريا، وعندما حدثت أزمة سياسية مع تركيا سنة 1957، تدخل لحلها بالطرق السلمية، بينما أرسل عبدالناصر مجموعة من العسكريين المصريين إلى سوريا لحثها على القتال. أسهم الملك سعود في منع المواجهة العسكرية بين دمشق وأنقرة،  ولكن عبدالناصر جير النصر كله لنفسه.

سنوات الوحدة وانقلاب الانفصال

تدهورت العلاقات الثنائية بين البلدين في أعقاب قيام الوحدة السورية- المصرية سنة 1958، وادعاء مدير المكتب الثاني في سوريا عبدالحميد السراج بأنه تقاضى مالا من السعودية لاغتيال الرئيس جمال عبدالناصر.

فتحت السعودية أبوابها للرئيس السوري وقدمت دعما كبيرا له أثناء حرب أكتوبر (تشرين) 1973، يوم لجأ الملك فيصل بن عبدالعزيز إلى سلاح النفط للضغط على الولايات المتحدة الأميركية، دعما لسوريا ومصر

تألم الملك سعود على ما آلت إليه الأوضاع في سوريا في زمن الوحدة والاشتراكية، بعد صدور قرار الإصلاح الزراعي في سبتمبر/أيلول 1958 الذي قضى على طبقة الملاك القدامى، وتلته قرارات التأميم الجائرة في يوليو/تموز 1961، بحق المصانع والمصارف وكبرى الشركات الخاصة. وكان من الطبيعي جدا أن تكون السعودية أول الدول المباركة بانقلاب الانفصال الذي أسقط "الجمهورية العربية المتحدة" في 28 سبتمبر 1961، وأن تتدخل مع مصرف "بانك أوف أميركا" لأجل قرض إسعافي لخزينة الدولة السورية بقيمة خمسة ملايين دولار لترميم ما خلفته قرارات عبدالناصر الاشتراكية. كما قامت بتأجيل قرض سعودي على سوريا استحق في مطلع عهد الانفصال قيمته ستة ملايين دولار، ووضعت كامل ثقلها لاستعادة مقعد سوريا الدائم في الأمم المتحدة وفي جامعة الدول العربية، على الرغم من معارضة عبدالناصر.

السعودية و"البعث"

لم تستمر مرحلة الانفصال طويلا، وقضي عليها بانقلاب عسكري قادته مجموعة من الضباط الناصريين والبعثيين في 8 مارس 1963. وحصل تدهور كبير في العلاقات الثنائية في سنوات "البعث" الأولى، ولكنه لم يصل إلى القطيعة الكاملة. لم يعجب السعودية التطهير المنهجي الذي قام به "البعث" داخل المؤسسة العسكرية ضد الضباط المستقلين وتحديدا الدمشقيين منهم، ولا قرارات التأميم الجديدة الصادرة عنه في 1 يناير/كانون الثاني 1965. وعندما وصل حافظ الأسد إلى الحكم سنة 1970، رحبت به السعودية بداية ودعمته لأنها وجدت فيه نموذجا مختلفا عن الجناح المتشدد في حزب "البعث" الحاكم. وجدته أكثر انفتاحا على العرب من اللواء صلاح جديد الذي كان يصف السعودية والأردن بالدول "الرجعية".

وقد فتحت السعودية أبوابها للرئيس السوري وقدمت دعما كبيرا له أثناء حرب أكتوبر (تشرين) 1973، يوم لجأ الملك فيصل بن عبدالعزيز إلى سلاح النفط للضغط على الولايات المتحدة الأميركية، دعما لسوريا ومصر. وتدفقت الاستثمارات السعودية من بعدها، علما أن المناخ الاستثماري في سوريا لم يكن مشجعا في ظل الاقتصاد الاشتراكي وعدم وجود قضاء نزيه لحماية حقوق المستثمرين بعد سيطرة "البعث" على المحاكم والقضاة.

عندما اندلعت الثورة السورية في مارس 2011، رفض كل النصائح السعودية بإجراء إصلاحات حقيقية داخل نظام "البعث"

وعند اندلاع الحرب الإيرانية-العراقية سنة 1980، وقفت سوريا مع النظام الإيراني، على أمل أن تتمكن من التخفيف من حدته ومطامعه في الوطن العربي. ثم جاءت فرصة ذهبية لاستعادة العمل العربي المشترك في أعقاب الغزو العراقي للكويت سنة 1990، الذي أدانته السعودية بشدة كما أدانته كل من سوريا ومصر.

وبعد لقائه بالرئيس الأميركي جورج بوش الأب في سويسرا في نوفمبر 1990، وافق الأسد على إرسال قوات سورية لدعم السعودية من أي طيش عراقي، ومن ثم إلى تحرير الكويت مع جيش صدام حسين في يناير 1991. والتزمت سوريا مع الرياض، وساهمت في إنجاح "مؤتمر الطائف" الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، مع تبني ترشيح رفيق الحريري ليكون رئيسا للحكومة اللبنانية اعتبارا من سنة 1992. دعمت السعودية الوجود العسكري السوري في لبنان، شرط إنهاء سلاح كل الميليشيات المتصارعة، ونزولا عند رغبة السوريين، وافقت مرغمة على بقاء السلاح في أيدي "حزب الله"، باعتباره "مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي". ومضى الجميع في إعادة بناء لبنان المدمر، وظل التحالف السعودي-السوري قائما حتى مجيء بشار الأسد إلى الحكم خلفا لأبيه في 17 يوليو 2000.

أ.ف.ب
الرئيس السوري حافظ الأسد وبجانبه الرئيس العراقي صدام حسين يلقيان التحية على الحشود في دمشق

شارك الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في جنازة حافظ الأسد، وقدمت السعودية دعما لبشار، الذي سيكون أول من يطعنها في الظهر. وقد وصل الخلاف إلى ذروته بعد إصرار الأسد على تمديد ولاية رئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود، على الرغم من معارضة الرياض وواشنطن ورفيق الحريري، وبدلا من استيعاب الغضب وعدم التعنت في موقفه، قرر الأسد استفزاز العالم بلحود وفي 14 فبراير 2005 كانت جريمة اغتيال رفيق الحريري بدعم سوريا أو تخطيطها، وتنفيذ من "حزب الله". أنهى الأسد بأفعاله التحالف السعودي- السوري وجنح بشكل كامل ومطلق باتجاه إيران.

وعندما اندلعت الثورة السورية في مارس 2011، رفض كل النصائح السعودية بإجراء إصلاحات حقيقية داخل نظام "البعث". ودعا "حزب الله" للدخول في حرب طويلة مع الشعب السوري، كانت نتيجتها تدمير البلاد وتهجير أهلها وجعلهم لاجئين في أصقاع الأرض، مع قتل مئات الآلاف من السوريين وتقطيع أوصال سوريا.

 ولكن الثورة انتصرت في نهاية المطاف وأصبح الأسد نفسه من في موسكو، يوم دخلت قوات "هيئة تحرير الشام"- لتحرير الشام- في 8 ديسمبر 2024. 

font change