يفترض كثيرون أن دونالد ترمب سيعود إلى ممارسة النمط التقليدي من السياسة بعد أن استرجع الرئاسة ورجع إلى البيت الأبيض، كما كان الحال جزئيا في ولايته الأولى وإن تكن بنكهته الخاصة وعفويته المميزة. ولكنني واثق من أن هذا لن يكون هو الحال.
الواقع أن ترمب يخطط لثورة. وتعد الأيام الأولى من ولايته الثانية أفضل الأوقات لإلقاء نظرة جادة على ما يحدث في أميركا-ترمب. وبالفعل، لا يمكن التقليل من أهمية ما يتكشف الآن. يقدم هذا المقال نظرة مفصلة على ملامح الترمبية كأيديولوجيا.
ما بعد الليبرالية
يصف نائب الرئيس فانس نفسه صراحة بأنه "ما بعد-ليبرالي"، ما يعني قطيعة بيّنة عن الليبرالية اليسارية التي هيمنت على السياسة الأميركية في العقود الأخيرة. ويبدو أن من هم اليوم في سدة الحكم يريدون إعادة النظر إلى حد كبير في الفكر الليبرالي، وربما تفكيكه بالكامل. وقد تخترق عملية التنظيف هذه المؤسسة السياسية الأميركية نفسها، والتي أفضل أن أشير إليها باسم الدولة العميقة.
بهذه الطريقة، تتشكل "الترمبية" تدريجيا كأيديولوجيا مستقلة ومميزة، تقف في مواجهة مباشرة مع الليبرالية اليسارية التي كانت سائدة حتى وقت قريب. وعلى الرغم من أن الترمبية ليست متجانسة، فإن لها بنية واضحة ذات خصائص مميزة.
أولا، تعارض "الترمبية" بشكل حاسم وصريح العولمة، التي تتصور الإنسانية ككيان موحد اقتصاديا وثقافيا، حيث تتلاشى الحدود الوطنية تدريجيا، وتتخلى الدول القومية عن سيادتها لصالح كيانات فوق وطنية (مثل الاتحاد الأوروبي). ويرى دعاة العولمة، ومن بينهم شخصيات مثل كلاوس شواب وبيل غيتس وجورج سوروس، أن هذا المسار سيؤدي في النهاية إلى إنشاء حكومة عالمية. في هذا التصور، يصبح جميع الأفراد مواطنين عالميين يتمتعون بحقوق متساوية ضمن إطار اقتصادي وتقني وثقافي واجتماعي مشترك. وتُعتبر الجائحة والأجندة البيئية آليات محتملة لدفع هذا المسار، الذي يُشار إليه غالبا باسم "إعادة الضبط العظيم".