مايكل والتز... كيف صنعته حرب أفغانستان؟

مدى أخلاقية حرب أفغانستان

لورا هيغارتي/ المجلة
لورا هيغارتي/ المجلة

مايكل والتز... كيف صنعته حرب أفغانستان؟

قبل فوز ترمب بالانتخابات، اعتقد معظم الخبراء والمحللين، أن النزاعات في أوكرانيا وغزة، ستكون على رأس اهتماماته في السياسة الخارجية. إلا أن ترمب وفريقه، ظلوا يذكّرون بالانسحاب الفوضوي من أفغانستان في أغسطس/آب 2021 باعتباره فشلا كبيرا لإدارة بايدن.

والآن، مع انضمام قدامى المحاربين الذين خدموا في أفغانستان إلى فريقه، بما في ذلك مستشار الأمن القومي مايكل والتز، يريد ترمب أن يحاسب الجنرالات والمسؤولين عن الانسحاب من أفغانستان. وعلى الرغم من أن أفغانستان لن تكون الأولوية الرئيسة لترمب في السياسة الخارجية، فإن تأثيرها يشكل مصدر قلق رئيس لوزير دفاعه القادم، ومدير الاستخبارات الوطنية ووكالة الأمن القومي.

ويعتقد ترمب أن صراعي أوكرانيا وغزة، ربما لم يكونا ليقعا لولا الطريقة التي غادرت بها الولايات المتحدة كابول في أغسطس 2021. وفي حين أن ترمب لم يدخل في تفاصيل أفغانستان، فإن المسؤولين الجدد في إدارته، وهم من كبار قدامى المحاربين في الحرب الأفغانية، قد بدأوا بالفعل في "تنظيف" سقوط كابول. ويبرز من بينهم بشكل خاص مستشار الأمن القومي مايكل والتز، الذي سيلعب الدور الرئيس في الاستراتيجية الأميركية الكبرى، ويمكن القول إن أفغانستان قد أعدته بشكل جيد، لتولي عباءة محاربة أعداء أميركا، وهذا هو سبب أهميته.

مايكل والتز وصداع أفغانستان

إن السمة المميزة التي تلخّص "صداع أفغانستان" بالنسبة لحكومة ترمب المحشوّة بالمحاربين القدامى، أن أميركا هي من تختار حروبها وتنهيها، وليس عليها أن تحاول تغيير الأنظمة، وهو أمر تحدث عنه مرارا والتز ذاته، ووزير الدفاع الجديد بيت هيغسيث. ويمكن تلخيص "صداع أفغانستان" على أفضل وجه بأنه غضب ما يقرب من مليون رجل وامرأة خدموا في أفغانستان، فيما أصبح الآن رسميا أطول الحروب الأميركية جمعاء.

ويسلط والتز الضوء على ثلاثة مخاوف رئيسة تتعلق بانسحاب إدارة بايدن من أفغانستان. أولها أن جماعة طالبان التي أفسحت المجال لأكبر عدو لأميركا منذ الحرب العالمية الثانية، أي أسامة بن لادن و"القاعدة"، قد عادت إلى السلطة، وعادت معها، وفقا للتقارير الرسمية للأمم المتحدة، بالفعل أكثر من عشر جماعات إرهابية إلى أفغانستان، التي غدت من جديد قاعدة للجماعات العابرة للحدود.

ثانيا، يشدد والتز على الآثار الاستراتيجية المترتبة على الانسحاب الأميركي، ولا سيما فيما يتعلق بقاعدة باغرام في كابول، وهي ثاني القواعد العسكرية الاستراتيجية في أفغانستان، وواحدة من أكبر القواعد في آسيا، التي باتت جاهزة لتتحول إلى قاعدة صينية، فقد بدأ الصينيون بالفعل في استخدامها تجاريا، ويقول والتز إن الصينيين يهربون بالمعادن الأفغانية والأتربة النادرة التي تقدر بالمليارات أو حتى التريليونات، على حساب التضحيات الأميركية.

وأخيرا، يتساءل والتز عن مدى أخلاقية تقديم أموال دافعي الضرائب الأميركيين لطالبان، الذين قتلوا الآلاف من الجنود الأميركيين، وتركوا مئات الآلاف الآخرين مصابين أو يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة. ويتردد صدى هذا القلق لدى أعضاء آخرين في إدارة ترمب.

إن بحثا سريعا عن كتب حرب أفغانستان على موقع "أمازون"، سيظهر أكثر من عشرين عنوانا لكتب ألفها جنود وضباط أميركيون في العامين الماضيين فقط عن خيانة أفغانستان

إن بحثا سريعا عن كتب حرب أفغانستان على موقع "أمازون"، سيظهر أكثر من عشرين عنوانا لكتب كتبها جنود وضباط أميركيون في العامين الماضيين فقط عن خيانة أفغانستان. ومن المثير للاهتمام أنالأميركيين غالبا ما كانوا يعتبرون أن حربهم في أفغانستان، هي "الحرب الجيدة"، بخلاف الحرب على العراق التي اعتبرت على نطاق واسع "صراعا غير قانوني".

وقد كتب مايكل والتز وحده، وكان شارك في كلتا الحربين، كتابين عن تجربته، يدافع فيهما عن أفغانستان، ويدعم علنا "جبهة المقاومة الوطنية" بقيادة أحمد مسعود. وليس سرا أن الرجلين يرتبطان بعلاقة وثيقة، وأن والتز كان على اتصال بمسعود، أثناء سقوط وادي بنجشير في سبتمبر/أيلول 2021.

وسبق أن قال والتز إنه لن يسمح لإيران أو طالبان باختطاف الرهائن الأميركيين واستخدامهم كآلية لابتزاز الأموال، وقد أثر ذلك أيضا على نصيحة والتز بشأن الرهائن الإسرائيليين في غزة، حيث رأى أن سبيل التشدد قد أدى بالفعل إلى وقف إطلاق النار، وهو يحقق نتائج سريعة.

وفيما تدعم سياسة ترمب واختياره لوزرائه الاستغناء عن آلاف الموظفين من عدة وكالات فيدرالية من الصحة إلى التعليم،فإن مؤسسة الدفاع، التي تتعرض لانتقادات بسبب طريقة تعاملها مع "الحروب الأبدية" هي التي تواجه تدقيقا شديدا.

وفي الوقت الذي نسي فيه كثير من المعلقين، أو كادوا ينسون، موضوع أفغانستان، كما فعلت إدارة بايدن، فإن قدامى المحاربين في فريق ترمب بقيادة مايك والتز، ما زالوا يتحدثون عن المساءلة والخيانة في أفغانستان. وقد جلد والتز خلال استجواب قام به– كعضو في الكونغرس– الجنرالات رفيعي الرتب، بمن فيهم رئيس الأركان السابق مارك ميلي، حول المسؤول عن كابول، بل ذهب أبعد من ذلك، حين لم يكتفِ باستجواب القادة العسكريين، والجنرالات من ذوي الأربع نجوم، بل وعد بأن حرب أفغانستان لم تنتهِ. والآن يأتي دور وزير الدفاع الجديد ليفي بوعد ترمب بمحاسبة ميلي، وتُوّج ذلك كله بتجريد ميلي من حراسته الخاصة، وإزالة صوره من البنتاغون.

وقد أجرى شون ريان، وهو جندي سابق في البحرية الأميركية ومذيع بودكاست شهير، مقابلة صحافية مع أحمد مسعود، زعيم "جبهة المقاومة الوطنية" التي تقاتل طالبان، واصفا الحوار بأنه أهم حوار أجراه حتى الآن. ولعل ما زاد في أهمية الحوار بشكل خاص، الخبرة التي يتمتع بها ريان في القضايا الأمنية، التي يعرضها من خلال البودكاست، الذي يقدمه مع قدامى المحاربين العسكريين البارزين مثل تولسي غابارد.وأجرى رايان مقابلة مع إريك برنس، وهو أحد قدامى المحاربين والمطلعين على شؤون فريق ترمب، الذي لم يتردد في التعبير عن مخاوفه بشأن فعالية وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ذاتها. يضاف إلى ذلك، الكتاب الذي ألفه كاش باتيل، وهو مسؤول آخر من المطلعين على شؤون ترمب ومسؤول سابق، عن إصلاح المؤسسة الدفاعية وتحدي "الدولة العميقة" التي تشكل السياسة الأمنية الأميركية.

كيف تشكّل أفغانستان نهج والتز في الشؤون العالمية؟

ويمكن تلخيص أفكار برنس وريان وهيغسيث ووالتز وباتيل وغابار بفكرة أن حرب أفغانستان، التي استمرت 20 عاما، انتهت بشكل مفاجئ دون أن تحقق أيا من أهدافها، وعلى العكس، قدّم خروج أميركا من المنطقة الاستراتيجية هدية إلى الصين. وهم يجادلون بأن الحرب ما كان لها أن تستمر ذلك الوقت كلّه، ثمّ تحول الولايات المتحدة تركيزها فجأة وقبل الأوان إلى أوكرانيا دون حل النزاع الأفغاني.

ولا يزال المحاربون القدامى الذين قاتلوا في أفغانستان، يعانون من عواقب الحرب، ويبحثون الآن عن حلفاء لتصحيح أخطاء أطول حرب أميركية. وقد أشار والتز وترمب إلى أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان شجع حركة "حماس" على ضرب إسرائيل، وشجع روسيا على غزو أوكرانيا.

وقد تعهد ترمب بعدم السماح لـ"الدولة العميقة" بأن تقوّض جهوده هذه المرة، بينما يدعو إلى إنهاء سريع للحرب في أوكرانيا، مشددا على أهمية هزيمة الأعداء بشكل حاسم، قبل التفاوض على السلام. وكان ترمب قد بدأ في السابق مفاوضات مع حركة طالبان في الدوحة، ويسعى الآن إلى إجراء محادثات مع بوتين، واتفاق محتمل مع إيران، لكنه يصر على أن مثل هذه المفاوضات، يجب أن تُجرى من موقع قوة وليس ضعف، كما كان الحال مع انسحاب بايدن من أفغانستان.

وفي سوريا، شجع والتز والولايات المتحدة إسرائيل على تفكيك البنية التحتية للأسد والجيش السوري، مما يدل على نهج أكثر حزما في حل النزاع، على خلاف انسحاب بايدن من أفغانستان في عام 2021 الذي خلّف وراءه أسلحة أميركية بمليارات الدولارات في أيدي طالبان.

أحد الدروس الأساسية التي استخلصها المحاربون القدامى الذين خدموا في أفغانستان هو أن الحروب يجب أن تُختتم وفق شروطهم هم

أحد الدروس الأساسية التي استخلصها المحاربون القدامى الذين خدموا في أفغانستان، هو أن الحروب يجب أن تُختتم وفق شروطهم هم، فنرى أن باتيل، على سبيل المثال، يدافع عن استراتيجية ترمب للانسحاب مقارنة بخطة بايدن في عام 2021. أما ترمب ذاته، فقد حذر طالبان من أن أي هجوم على القوات الأميركية سيؤدي إلى رد انتقامي واسع النطاق، ما يعكس نهجا صارما يسعى المحاربون القدامى اليوم إلى تطبيقه على إيران، عبر ممارسة ضغوط مكثفة قبل الدخول في أية مفاوضات لضمان أخذ التحذيرات على محمل الجد.

وبالنسبة لشخصيات مثل غابارد ووالتز، لا تزال أفغانستان ملفا غير مكتمل، مما يؤثر على السياسة الخارجية الأوسع، بما في ذلك تجاه إيران. يعتمد والتز على خبرته في القوات الخاصة، ويدعو إلى تدخلات سريعة واستراتيجية بدلا من الحروب الطويلة، والمكلفة على الأرض. فهو يفضل ترك "بصمة خفيفة" وهو ما أثبت فعاليته في الأيام الأولى التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر، حين تمكنت قوة صغيرة من القوات الخاصة الأميركية، مدعومة بالقوة الجوية، من إسقاط نظام طالبان في أقل من شهر.

أ.ب
جنود أميركيون وأفغان في مراسم الانسحاب الأميركي في 2021

وكما هو الحال مع ترمب، يعارض والتز دعم المسؤولين الأجانب الفاسدين الذين يبددون الموارد الأميركية ثم يفرون عند تدهور الأوضاع. هذا النهج بدأ بالفعل في التأثير على السياسة تجاه أوكرانيا، حيث يتزايد الضغط لوقف المساعدات العسكرية، ما لم تتحقق نتائج ملموسة. وتشكل الحرب في أفغانستان إرثا ثقيلا على والتز وفريق ترمب، مما يضمن أن كل قرار أمني أو سياسي سيكون مستوحى من دروس ذلك الصراع. أما المبدأ الأساسي لهذا النهج، فهو اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة، وهو جوهر العقيدة العسكرية للقوات الخاصة التي ينتمي إليها والتز.

font change