عن مخاطر تعليق المساعدات الخارجية الأميركية

دونالد ترمب سعى إلى إحداث الفوضى.. فأضر بـ"أميركا أولا"

أ.ب
أ.ب
مخيم الهول

عن مخاطر تعليق المساعدات الخارجية الأميركية

يمثل مخيم الهول الواسع في شمال شرقي سوريا جزءا من شبكة سجون تحتجز عشرات الآلاف من المعتقلين وأفراد عائلاتهم ممن كانوا ينتمون إلى "الخلافة" الجهادية لتنظيم "داعش"، التي أسقطتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في عام 2019. ولطالما أعرب المسؤولون الأمنيون الغربيون عن قلقهم إزاء احتمال فرار السجناء وما قد يترتب على ذلك من فوضى دموية داخل سوريا وخارجها، وهي مخاوف ازدادت حدتها عقب سقوط الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

اختارت إدارة ترمب أسوأ توقيت لتصدر، في 24 يناير/كانون الثاني، قرارا بوقف فوري لمعظم أعمال الإغاثة- في مخيم الهول وعلى مستوى العالم– لمدة 90 يوما، بهدف ضمان توافق المساعدات الخارجية مع مبادئ "أميركا أولا". وشملت الاستثناءات الوحيدة المساعدات المقدمة إلى إسرائيل ومصر، ومعظمها ذات طابع عسكري، إضافة إلى "المساعدات الغذائية الطارئة"، مع إمكانية إصدار إعفاءات وفقا لكل حالة على حدة.

تُعد الولايات المتحدة أكبر جهة مانحة للمساعدات في العالم، إذ أنفقت 68 مليار دولار خلال السنة المالية 2023، وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات. وتشكل المساعدات الأميركية نحو 40 في المئة من إجمالي المساعدات الإنسانية المقدمة من الحكومات. وقد جاء الإعلان عن هذا القطع المفاجئ للتمويل بمثابة صدمة كبيرة للوكالات الإنسانية، ما أدى إلى اضطراب المشاريع الممولة من قبل الولايات المتحدة، ومواجهة بعضها خطر الانهيار.

وشملت الأعمال المتأثرة بقرار وقف المساعدات توزيع الأدوية المضادة للفيروسات الرجعية للمصابين بفيروس نقص المناعة البشرية ضمن برنامج "بيبفار"، الذي يُنسب إليه الفضل في إنقاذ نحو 26 مليون شخص منذ عام 2003. كما طال القرار الخدمات الطبية المقدمة للاجئي الروهينغيا في بنغلاديش، وبرامج إزالة الألغام في جنوب شرقي آسيا، وإعادة إعمار البنية التحتية للطاقة المدمرة في أوكرانيا، إضافة إلى دعم الحركات المؤيدة للديمقراطية في محيط روسيا، فضلا عن الكثير من المشاريع الأخرى.

وصرّحت وزارة الخارجية الأميركية قائلة: "كل دولار ننفقه، وكل برنامج نموله، وكل سياسة ننتهجها، يجب أن تكون مبررة بالإجابة على ثلاثة أسئلة بسيطة: هل يجعل ذلك أميركا أكثر أمانا؟ هل يجعلها أقوى؟ هل يعزز ازدهارها؟".

وسّع وزير الخارجية الأميركي، نطاق الاستثناءات ليشمل "المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة"، والتي تتضمن الخدمات الطبية، والغذاء، والمأوى، والمساعدات المعيشية، والإمدادات والتكاليف الإدارية المعقولة

ومن بين المتضررين المنظمات العاملة في مخيم الهول، الذي يأوي نحو 40 ألفا من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وعائلاتهم، بمن فيهم نساء أوروبيات تزوجن من مقاتلي التنظيم وأنجبن منهم أطفالا. وتتولى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تسيطر على شمال شرقي سوريا، مسؤولية الأمن في المخيمات، إلا أن عمال الإغاثة يصفون الأوضاع في الداخل بالفوضوية. وتفرض النساء المواليات لتنظيم الدولة الإسلامية سيطرتهن بالسلاح، ويدربن جيلا جديدا من المتشددين. كما جرى حفر أنفاق عبر محيط المخيم تسمح بتهريب الأسلحة وهروب السجناء. وتشهد المخيمات عمليات قتل متكررة، كما يُباع الأطفال لتجنيدهم كمقاتلين. ويقول باحث غربي: "المخيم أقرب إلى قاعدة لتنظيم الدولة الإسلامية منه إلى سجن".

وقد أفادت شركة "بلومونت" الأميركية، التي تتولى إدارة مخيم الهول– ومخيما أصغر يُدعى روج– بموجب عقد مع وزارة الخارجية الأميركية، بأن فرقها غادرت المخيمات فور تلقيها أمر وقف العمل، وقامت بترتيب تقديم "خدمات أساسية محدودة للغاية" عبر منظمات أخرى. وذكرت بعض المنظمات الإنسانية أنها بدأت في إصدار خطابات إنهاء عقود لموظفيها. وفي 27 يناير/كانون الثاني، حصلت "بلومونت" على إعفاء لمدة 14 يوما، وأعلنت عن عودة طاقمها للعمل في اليوم التالي.

ووسط الفوضى والاحتجاجات على تعريض عدد لا يُحصى من الأرواح للخطر، وسّع وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، نطاق الاستثناءات ليشمل "المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة"، والتي تتضمن الخدمات الطبية، والغذاء، والمأوى، والمساعدات المعيشية، بالإضافة إلى الإمدادات والتكاليف الإدارية المعقولة. ومع ذلك، لن يجري تمويل البرامج التي تشمل الإجهاض، وتنظيم الأسرة، والعمليات الجراحية للتحول الجنسي، أو أي مساعدات أخرى لا تُعتبر ضرورية لإنقاذ الأرواح.

وعلى الرغم من هذا التنازل، لا تزال حالة من الغموض تخيّم على عمل المنظمات الإغاثية. فقد تساءل مسؤول في إحدى المنظمات غير الحكومية الكبرى: "هل يُعدّ توفير المياه النظيفة من المساعدات المنقذة للحياة؟". هذا الالتباس أدى إلى تعليق بعض المشاريع، بينما يبقى مصير برنامج "بيبفار" مجهولا.

يعدّ مخيم الهول نموذجا واحدا لمدى خطورة وقف المساعدات بشكل مفاجئ ولأسباب مشكوك فيها، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى أضرار كان من الممكن تفاديها

ويبدو أن الإعفاءات لا تزال تُمنح وفق كل حالة على حدة، مما يثير تساؤلات حول توفير الحكومة لعدد كافٍ من الموظفين لمعالجتها بالسرعة المطلوبة. فمعظم المسؤولين المعينين سياسيا في وزارة الخارجية لم يباشروا مهامهم بعد. كما قامت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، وهي الجهة التنموية الرئيسة في الولايات المتحدة، بتسريح مئات الموظفين البارزين والمتعاقدين. ووصف أحدهم الأجواء بأنها "كئيبة وكارثية".

وتؤكد وزارة الخارجية الأميركية أن التجميد الكامل للمساعدات كان ضروريا، مبررة ذلك بأنه "من المستحيل تقييم البرامج أثناء استمرارها بشكل تلقائي"، مشيرة إلى أن الجهات المشرفة على هذه المشاريع قد تفتقر إلى الحافز لتقديم التفاصيل المطلوبة طالما أن التمويل مستمر بالتدفق. وتدّعي الوزارة أنها نجحت في توفير نحو مليار دولار من خلال وقف تمويل برامج مثل توزيع الواقي الذكري في غزة، والتعليم الجنسي على مستوى العالم، ومبادرات الطاقة النظيفة للنساء في فيجي، إلا أنها لم تقدم أي تفاصيل تدعم هذا التقدير.

ويعدّ مخيم الهول نموذجا واحدا لمدى خطورة وقف المساعدات بشكل مفاجئ ولأسباب مشكوك فيها، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى أضرار كان من الممكن تفاديها. ويؤكد علي رحمون، المتحدث باسم مجلس سوريا الديمقراطية، الذراع السياسية لقوات "قسد"، أن "غياب المساعدات يجعل من الصعب الحفاظ على أمن المخيمات. فلن يشكل الجهاديون مشكلة لسوريا فقط، بل للمنطقة بأكملها ولأوروبا أيضا".

حتى الأميركيون قد يواجهون خطرا مباشرا. ففي يوم رأس السنة، أقدم شمس الدين جبار، وهو جندي أميركي سابق يبلغ من العمر 42 عاما، على قيادة شاحنته من طراز "فورد بيك أب" ودهس بها حشدا في نيوأورلينز، ما أسفر عن مقتل 14 شخصا قبل أن ترديه الشرطة قتيلا. وعُثر داخل مركبته على راية تنظيم الدولة الإسلامية السوداء.

font change