شهد العالم في السنوات الماضية نقاشات حادة حول سباق الذكاء الاصطناعي، حيث تنافس الجميع لامتلاك الأدوات المالية والعلمية التي تضمن السيطرة على هذا المجال الحيوي. اليوم، أصبح هذا السباق واقعا ملموسا، مع تنافس شركات عالمية للتفوق في هذا المضمار، الذي يحمل تداعيات كبرى على قطاعات حيوية مثل الاقتصاد، والصناعات المدنية والعسكرية، وغيرها من المجالات.
وفي خضم هذا التنافس، لفتت شركة "ديب سيك" الصينية الأنظار بإعلانها نموذج ذكائها الاصطناعي الجديدR1، الذي تفوق على نموذج شركة "أوبن إيه آي" في العديد من المهام.
لكن الأكثر إثارة للاهتمام، التكلفة المنخفضة لتطوير هذا النموذج، التي لم تتجاوز ستة ملايين دولار، وهو مبلغ يعتبر زهيدا مقارنة بتكاليف نماذج أخرى. فعلى سبيل المثل، بلغت تكلفة تطوير نموذج "جيمناي" ما بين 30 و191 مليون دولار، بينما تراوحت تكلفة تطوير "تشات جي بي تي-4” بين 41 و78 مليون دولار، وفقا لدراسة حديثة من شركات أبحاث متخصصة في بحوث الذكاء الاصطناعي، التي أكد نتائجها الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن أيه آي" سام ألتمان حين قال إن تطوير نموذج شركته كلفها نحو 100 مليون دولار.
هذه التكلفة المنخفضة، بالإضافة إلى سرعة تطوير النموذج التي لم تتجاوز شهرين، وكونه مفتوح المصدر ومجاني الاستخدام، أثارت ضجة كبيرة في الولايات المتحدة، وفتحت الباب أمام تساؤلات عديدة؛ من بينها: هل نجحت الصين في التفوق على الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي؟ وهل البيانات التي قدمتها "ديب سيك" حول نموذجها دقيقة؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فما هي تداعيات ذلك على استثمارات الشركات الأميركية العملاقة السبع، التي تضم "آبل"، "مايكروسوفت"، "غوغل"، "ميتا"، "أمازون"، و"تسلا"، علاوة على "إنفيديا"، أم أن انفتاح النموذج ومجانيته يعنيان أن فوائده ستشمل الجميع؟
أحدث ظهور ذلك النموذج صدمة في الأسواق الأميركية، فعلى سبيل المثل فقدت شركة "إنفيديا" العملاقة نحو 589 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد، بسبب اهتزاز الثقة في الاستثمارات الضخمة التي ضختها الشركات الأميركية في البنية التحتية ومشاريع الأبحاث والتطوير، إذ أصبح من الممكن تحقيق نتائج أفضل بتكاليف أقل.
بداية مبكرة
تبدأ قصة الشركة في فبراير/شباط 2016، حين شارك ليانغ ونفنغ المهتم بالذكاء الاصطناعي، في تأسيس شركة "هاي-فلاير"، وذلك بعدما كان يعمل في التداول منذ الأزمة المالية بين عامي 2007 و2008 أثناء دراسته في جامعة تشجيانغ.
وفي حلول عام 2019، أسس "هاي-فلاير" كصندوق استثماري يركز على تطوير واستخدام خوارزميات التداول القائمة على الذكاء الاصطناعي. وفي عام 2021، أصبحت الشركة تعتمد بالكامل على الذكاء الاصطناعي في عمليات التداول.