رحلت أم كلثوم في مثل هذا اليوم قبل 50 سنة.
وهذا رقم مهول قياسا بأعمار البشر وحياتهم القصيرة في حساب جريان نهر الزمن الخالد إلى ما لا نهاية. فمعظم من ذكرناهم بهذه المناسبة - وهم ممن لديهم ذكريات ما عن الحقبة الأخيرة من حياة "كوكب الشرق"، عن حضورها وأغانيها في سبعينات القرن العشرين - استهولوا جريان الزمن بهم بهذه السرعة، ثم تأسفوا. وربما أخذهم حنين جارح ومفاجئ إلى ذلك الوقت. كأنما ذكرياتهم عنه انقطعت وغاصت في قاع بئر عميقة.
هذا يعني أن لا شيء يبقى على حاله في مجرى نهر الزمن الخالد.
الخلود والعابر
وغالبا ما لا يقوى البشر على تفسير أو تعقل الصدمات والمصادفات المفاجئة التي يتعرضون لها في حياتهم، فيما هي تطوح بهم وتتقاذفهم على غير هدى، وتغير مساراتهم ومصائرهم من حيث لا يدركون ولا يعلمون.
وفي حال اعتبار أم كلثوم علامة خالدة في مجرى نهر الزمن، سرعان ما تتراءى لنا تلك الحقيقة الملحمية المهولة المغايرة: يطوي الزمن حياة ملايين البشر، بل ملياراتهم، دون أن يأتي خبر على ذكرهم واقتفاء أثرهم في سجلات التاريخ ومدوناته. فهذه لا يحظى بالذكر والتسجيل والخلود فيها سوى قلة قليلة نادرة من الأفراد. وهؤلاء غالبا ما ينسب ظهورهم وتأثيرهم، وكذلك أفعالهم ومنعطفات حياتهم، إلى طاقات وإرادات استثنائية جبارة، خلاصية أخروية حينا، وأحيانا إلى عوامل وظروف كثيرة، شخصية واجتماعية وتاريخية.
هذه حال أم كلثوم بعدما مضت اليوم 50 سنة على رحيلها وغيابها، وتركت في دنيا العرب دويا لا تزال أصداؤه تتردد كصوتها وكلمات أغانيها، على الرغم من العواصف والتحولات التي غيرت وجه العالم، وغيرت أيضا أشكال حضور ذاك الصوت، تلقيه والاستماع إليه جيلا بعد جيل.