نتعرف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إصدارات الكتب العربية، في الأدب والفلسفة والعلوم والتاريخ والسياسة والترجمة وغيرها. ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية التي تطل كل أسبوعين، مرآة أمينة لحركة النشر في العالم العربي.
الكتاب: منزل الذكريات
الكاتب: محمود شقير
الناشر: دار نوفل – هاشيت أنطون - لبنان
في رواية "الجميلات النائمات" للروائي الياباني ياسوناري كواباتا يدخل عجوز ليستلقي جانب فتاة شابة نائمة لمدة خمس ليال، لتموت الجميلة النائمة بعدها. خلال تلك الفترة يستحضر العجوز ذكرياته مع النساء اللواتي عرفهن. وهذه الرواية، كما يعلم القارئ، جعلت الروائي الكولومبي الشهير غبريال غارثيا ماركيز يتمنى لو أنه كتبها، وتحت ضغط إعجابه بها استلهمها في روايته الشهيرة أيضا "ذكريات عاهراتي الحزينات"، التي يقرر فيها عجوز أيضا أن ينام مع عاهرة شابة مقابل المال، لكنه يكتشف أنه معجب بها للغاية فيكف عن الاستجابة لقراره ذاك.
الكاتب الفلسطيني محمود شقير في روايته القصيرة (نوفيلا) "منزل الذكريات" يستلهم هو الآخر الروايتين معا، لتتداخل شخصياته مع شخصيات الروايتين الشهيرتين، على نحو يحمل من الأسى وألم الفقد الكثير. إذ أن محمد الأصغر عجوز طاعن في السن، يفقد زوجته سناء بمرض كوفيد19، ويعاني ما يعانيه من ألم الفقد، ولرغبته في النساء الشابات -هو الطاعن في السن- يذهب إلى دار للدعارة ليستلقي هو الآخر بجانب فتاة شابة تضع لها صاحبة المبغى حبة منوم كي تنام، ليتأملها هو، لكنها تكشف له بعد مدة أنها لم تكن نائمة ولا لحظة. فيتداخل الحوار مع شخصيات تلك الروايتين ويضيع لوهلة الخط الفاصل بين الواقع والخيال، بين الحقيقة والوهم.
ولأن الرواية تجري في فلسطين، في مدينة القدس، يذهب الكاتب في ذكريات تُشعر بالمرارة، انطلاقا من فلسطين ما قبل الاستعمار، مرورا بمضايقات وعسف دوريات الاحتلال التي تقطّع المدينة أجزاء، والاعتقالات وحضور المخابرات الطاغي والموبقات كلها التي يرتكبها الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني عامة، والمقدسي على وجه الخصوص.
وهذا مقطع من الرواية نلاحظ عبره أسلوب الكاتب: "ماتت سناء قبل غروب الشمس بثلاث ساعات. كنا في الخريف. توقعت أن أموت قبلها... هيَّأنا لها جنازة مختصرة خوفا من العدوى وحفاظا على سلامة الناس، شارك فيها عدد محدود من أبناء عائلتي، عائلة العبداللات، وعدد من أهلها. شارك في الجنازة كذلك عدد من أبطال الروايات التي كتبتها وسطا عليها أخي محمود، وهو الذي أشرت إليه في كتابات سابقة بالحرف ع".