في إطار ملف خاص عن "كوكب الشرق" لمناسبة خمسين عاما على رحيلها، تستعيد "المجلة" مذكرات أم كلثوم كما أملتها على الكاتب المصري الراحل علي أمين، والتي كانت نشرتها في سلسلة حلقات عام 1980. وكانت "المجلة" حصلت من شقيق علي أمين، الكاتب الراحل مصطفى أمين، على حقوق نشر هذه المذكرات التي صدرت المرة الأولى في القاهرة في مطلع الستينات من دون اسم كاتبها. وقد أشرف مصطفى أمين على إعادة ترتيبها قبل أن يسلمها إلى "المجلة". وكان علي أمين كتب المذكرات، بعد أن زار أم كلثوم في بيتها، وقرأت أم كلثوم كل حرف منها، وعدّلت وبدّلت، وأضافت وحذفت. وتضيء هذه المذكرات على ظروف نشأة أم كلثوم وبداياتها وصولا إلى ذهابها إلى القاهرة.
نستعرض في ما يلي مجموعة من المحطات في حياة أم كلثوم الأولى كما وردت في تلك المذكرات، علما أن القارئ يمكنه الاطلاع على المذكرات كاملة عبر هذا الرابط:
الولادة
كانت فاطمة (والدة أم كلثوم) تقيم في بيت ريفي صغير من الطوب النيء، كانت له أبواب عدة تطل على حوش، وكان وراء كل باب حجرة صغيرة طولها ثلاثة أمتار وعرضها متران تقيم فيها أسرة مكونة من زوج وزوجة وبضعة أطفال. وفي إحدى هذه الحجرات رقدت فاطمة المليجي تتلوى من الألم في انتظار المولود. ومع الفجر أطلت المولودة برأسها. وحملت الداية القروية المولودة وخرجت بها إلى المندرة وهي تصرخ: مبروك فاطمة ولدت.
ولم تقل الداية إن فاطمة أنجبت طفلة، فقد خشيت أن تصدم الأب بالخبر.
وكان الأب يجلس على الأرض يقرأ كتابا عن أولاد النبي. وكانت عيناه في تلك اللحظة على اسم إحدى بنات النبي. وقبل أن يسمع أنه رزق بمولود أو مولودة صاح: نسميها باسم بنت النبي... نسميها أم كلثوم. ولم يكن اسم "أم كلثوم" معروفا ولا متداولا في قرية طماي ولا القرى المجاورة، ولهذا بدا اسما غريبا على أسماعهم.
ولم تعارض فاطمة في اختيار هذا الاسم ولكن الأهل والأقارب اعترضوا على الاسم الغريب، وراحوا يحاولون إقناع الشيخ إبراهيم باختيار اسم خفيف، مثل خضرة أو بدوية أو ست الدار.
ورفض الشيخ هذه الأسماء، وأصر على أن يسمي المولودة باسم بنت النبي: أم كلثوم.
تقول أم كلثوم: "يظهر أن أمي كانت تشارك أهل القرية سرا في اعتراضهم على اسم أم كلثوم، لأنني وعيت عليها تناديني باسم "سومة".
وكان والدي أيامها إمام مسجد في قرية طماي الزهايرة، من أعمال مركز السنبلاوي دقهلية، وكان مرتبه من الإمامة لا يكفي للصرف على أسرته، ولهذا كان يقرأ في الموالد. وكان دخله من عمله الإضافي وعمله الأصلي لا يتجاوز عشرين قرشا كل شهر. وكان هذا المبلغ هو الذي يغطي كل شهر نفقات أسرة مكونة من أمي وأبي وأخي خالد وأنا.