"على أعداء أميركا أن يخشوها، لكن على أصدقائها أن يخشوها أكثر". عبارات قالها من دون مواربة الشهير هنري كيسنجر. وتنطبق تماما على الاتحاد الأوروبي أول حليف استراتيجي لواشنطن والذي يخشى بقوة من تداعيات حقبة دونالد ترمب الثانية. بينما يراهن أقصى اليمين الأوروبي على عودة دونالد ترمب كي يعزز مواقعه ويهز التوازنات داخل هيكلية الاتحاد الأوروبي.
حيال العاصفة التي هبت على الجانب الآخر من الأطلسي، تجد أوروبا نفسها في مواجهة مزدوجة مع مستقبلها وقدرتها التنافسية. وتبدو ردود الفعل الأوروبية مشتتة بين فرنسا الحذرة، وألمانيا الحريصة على علاقاتها عبر الأطلسي. أما ردود فعل الدول الأعضاء الأخرى، فتتراوح بين ممالأة سيد البيت الأبيض الجديد أو التردد. لذا هل يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتجاوز المصالح المتضاربة لأعضائه في بعض الأحيان فيقدم استجابة موحدة من "الحرب الاقتصادية" إلى "المسألة الأوكرانية"؟
والأهم من ذلك هل في استطاعة الاتحاد الأوروبي التكيف مع التغيير الأميركي، والتعامل مع مشاكله البنيوية الذاتيةمن أجل التخفيف من الاعتماد الاستراتيجي على الولايات المتحدة، وترسيخ نفسه كقطب جيوسياسي جديد؟
اختبار القوة عبر الأطلسي ومآلاته
تتأكد الخشية من نهج توسعي جديد في عهد "ترمب الثاني"، يبرز من خلال مطالبات مستغربة حول كندا وقناة بنما وجزيرة غرينلاند واسم خليج المكسيك. ويعني ذلك إعادة النظر في الحدود وعدم احترام القانون الدولي. وقد بدأ عهد "ترمب الثاني" في التلويح بحرب الرسوم الجمركية ليس فقط ضد الصين المنافس الأول وغيره، بل كذلك ضد الحلفاء وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت نفسه، انطلقت قبل التنصيب تدخلات "نائب رئيس" الأمر الواقع إيلون ماسك في الشؤون الأوروبية، من خلال الترويج لسياسات بعض أحزاب أقصى اليمين ودعمها وشد عضدها من لندن إلى برلين حيث ستجرى انتخابات تشريعية مبكرة في فبراير/شباط القادم.
لا يأخذ النهج الأميركي الأحادي في الاعتبار مصالح الحلفاء. وهكذا عند كل انتقال إلى البيت الأبيض، يضطر الاتحاد الأوروبي إلى بناء خياراته السياسية الخارجية بحسب اتجاهات واشنطن. والآن، ومع بداية ولايته الرئاسية الجديدة، أخذ دونالد ترمب ينفذ ما قاله عن سياسته الخارجية: تعطيل التجارة الحرة، الأحادية، إدانة المنظمات الدولية والدبلوماسية المتعددة الأطراف (أكد الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ ومن منظمة الصحة العالمية)، الهجوم على الاتحاد الأوروبي، ببساطة لأنه يحقق لصالحه فائضا تجاريا في التبادل مع الولايات المتحدة، واحترام المستبدين الأقوياء، وإهمال مخاطر النفوذ الروسي في أوروبا.