تتركز حاليا مفاجأة "ديب سيك آر-1" في صدمة رباعية في منتهى الخطورة المالية، يرجح أن تتوسع الى أبعاد أخرى:
- أولا: مضاهاته للجيل الأول من "تشات جي. بي. تي." وتفوقه على روبوتات المحادثة التابعة لـ"غوغل" و"أنثروبيك".
- ثانيا: التكلفة "البسيطة" لأنموذج الذكاء الاصطناعي الصيني الذي قدر بستة ملايين دولار إلى 12 مليون دولار لإطلاق الروبوت وتدريبه، في مقابل مئات ملايين الدولارات، بل مليارات أنفقتها الشركات الأميركية للهدف نفسه، من بينها "أوبن إيه. آي." التي أنفقت 5 مليارات دولار العام المنصرم وحده. وكانت "ميتا" أعلنت الأسبوع الماضي أنها ستنفق ما يزيد على 65 مليار دولار في 2025 لتطوير الذكاء الاصطناعي.
- ثالثا: إتاحة روبوت المحادثة الجديد للجميع من دون استثناء وجعله مفتوح المصدر، وهو ما ليس متوفرا لدى الشركات الأميركية.
- رابعا: استناد "ديب سيك" إلى رقائق "إنفيديا" H800 القديمة نسبيا، التي يعود تاريخها إلى 2021، في حين تحلق "إنفيديا" في سماء شركات التكنولوجيا باعتبارها الوحيدة التي تملك التكنولوجيا المتطورة القادرة على إنتاج رقائق حديثة لاستيعاب التطور الهائل المنتظر للذكاء الاصطناعي. فكيف تمكنت الشركة الصينية الناشئة من إحداث هذا الاختراق بما توفر لديها، وكيف حصلت على الرقائق في المقام الأول؟
ملاحظات كثيرة لا يمكن تخطيها عند قراءة المشهد من زوايا عدة. فعلى الرغم من استعادة "إنفيديا" بعضا من عافيتها في أسواق المال، يتوقف المتابع حركة هذه الأسواق عند ما يمكن وصفه بـ"الهشاشة" المتمثلة بالتقلبات السريعة لأمزجة المستثمرين وفقدانهم السريع للثقة بشكل عام عند بوادر الأزمات، إن وقعت أو لم تقع. فما هي الأسباب الكامنة وراء عدم تماسك هذه الأسواق؟ وهل نحن على طريق فقاعة تكنولوجية كالتي حصلت عام 2000؟
من الواضح أن ترمب وسام ألتمان، الذي غاب عن التعليق طوال يوم الإثنين الماضي، ومن يعنيهم الأمر، عمدوا إلى احتواء الصدمة من خلال الإقرار بالوقائع الجديدة والدعوة إلى المراجعة الذاتية، و"الترحيب بالمنافسة"، ومنهم من اعتبر رد فعل المستثمرين بأنه مبالغ به وأرجعه إلى إمكان بحث المستثمرين عن عذر لبيع أسهمهم بعد تضخمها بشكل كبير مع عودة ترمب إلى البيت الأبيض، ومنهم من نمت تعليقاته عن استهزاء بما أنتجته الصين، بكونه منتجا واحدا لا يرقى إلى الخطط العظمى للولايات المتحدة في هذا الإطار.
لكن ما الذي يمنع الصين، التي تهيمن على المعادن الرئيسة النادرة وتمتلك المواهب التقنية الفذة، من البناء على هذا الإنجاز الاستثنائي الذي تسبب في اضطراب "وادي السيليكون" و"وول ستريت" على حد سواء، ودعمه إلى أقصى الحدود واللحاق بركب الولايات المتحدة بأقل التكاليف وبمرونة اقتصادية عالمية أوسع؟
كذلك، من الواضح أن الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على تصدير التكنولوجيا الأميركية إلى الصين، لم يشكل سدا منيعا أمام المد الصيني، وربما يكون ما حدث قد بعث برسالة إلى ترمب أن الحرب التجارية قد لا تلقى ثمارها في عصر الذكاء الاصطناعي اللامحدود، بمعنى تطوره وكذلك طبيعته في أن يصبح في متناول الجميع ومستقلا في الوقت عينه، حيث لا يمتثل إلى أوامر أي جهة كانت.
لا شك أن الصدمة الرباعية لإطلاق "ديب سيك آر-1" فرضت الكثير من الغموض الذي بات يكتنف أنظمة الذكاء الاصطناعي ككل، وما إذا كان ما أعلنته الشركة وراء روبوت المحادثة الجديد صادقا في أرقامه وتقييمه للتكلفة الحقيقية أم أن هناك من يقف وراء دعمها وتمكينها، محليا أو دوليا، من إنشاء منافس جدي وقوي يناقض الادعاءات الأميركية، ويوجه صفعة لتمرد ترمب اللا متناهي وقراراته الاقتصادية التي تكاد تتسم بـ"الديكتاتورية".