"الثنائي الشيعي"... كأن شيئا لم يكن

من المفهوم أن يعارض رموز الفساد تشكيل حكومة من الكفاءات

"الثنائي الشيعي"... كأن شيئا لم يكن

بعض الاستياء وخيبة الأمل من تأخر تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة يعكس خوفا عميقا من انتكاسة عهد الرئيس جوزيف عون ورئيس مجلس الوزراء المكلف نواف سلام قبل أن يبدأ.

الاستثمار الإعلامي والسياسي الكثيف لعودة أهالي قرى الشريط الحدودي في جنوب لبنان إلى ديارهم، والتجاهل الكامل لحقيقة أن الخطوة هذه كلفت 24 ضحية، وأكثر من مئة جريح، يقول إن "الثنائي الشيعي" لن يتخلى عن مسعاه إلى تغيير ميزان القوى الذي رسمته الحرب الأخيرة على لبنان وأنه سيتمسك بالصيغة التي فرضها بعد اتفاق الدوحة في 2008 وخلاصتها "السلاح مقابل الفساد".

والحال أن السلاح والفساد تبادلا الحماية في كل مرة بدا أن ثمة فرصة لإحراز تقدم نحو التخلص من أحدهما. انتخاب عون وتكليف سلام والمواقف التي أعلناها، أوحت كلها بأن الفساد سيواجه حسابا قاسيا في الأعوام المقبلة، فيما حطمت الحرب المكانة التي استولى عليها سلاح "حزب الله" في العقود الثلاثة الماضية. ومعروف أن الفساد في لبنان مرتبط بالطريقة التي تجري بها إدارة البلد وتوزيع الغنائم على الأتباع وإدامة الزعامات الطائفية، وليس فقط طريقة تكوين الثروة لبعض المعتدين على المال العام، كما هو الأمر في كثير من دول العالم.

وعليه، فإن كل محاولة للإصلاح في لبنان لا تعني تحويل التمويل من خزائن التحالف الحاكم إلى الإنفاق على مؤسسات القطاع العام فحسب، بل أيضا التهديد الجدي بضرب زعامات منتشرة في النسيج السياسي والاجتماعي اللبناني انتشار الورم الخبيث في الجسد المريض.

من المفهوم والحال على ما تقدم أن يعارض رموز الفساد تشكيل حكومة من الكفاءات تتعامل بحد أدنى من المسؤولية مع جملة الكوارث التي تلم بلبنان منذ سنوات وأفضت إلى تدمير اقتصاده وأعادت مستوى السكان المعيشي عشرات الأعوام إلى الوراء. كما أن المتضررين من الوضع هذا أخفقوا في التعبير عن مصالحهم سياسيا وسقطوا في الكمائن المعروفة للتحريض الطائفي والخوف المتبادل ومحاولة الاستئثار الفردي بالمواقع، وفاءً لعادة لبنانية قديمة.

أما "السلاح" فيتجاوز– كمفهوم- حيازة "حزب الله" ترسانة ضخمة وظفها خدمة لمشاريع خارجية عادت على لبنان بأضرار فادحة، ليصل إلى بنية كاملة من العلاقات والولاءات والسياسات يتداخل فيها الترهيب مع المصالح المادية مع تركيبة نفسية تمنح الفخر والاعتزاز بالانتماء إلى جماعة مرهوبة الجانب تملي على الآخرين ما تشاء من دون أن يجرؤ أحد على مساءلتها أو لومها، ولو أدى سلوكها إلى مقتل الآلاف وتدمير مدن وقرى ومستقبل، على نحو ما فعلت الحرب الأخيرة.

إن تضافر التاريخ الذي يستخدم بإفراط ومن خارج السياق، مع الارتباط العضوي باستراتيجية لا تقيم وزنا لمصالح لبنان العليا، بالإضافة إلى الانعتاق من تبعات الأزمات الداخلية اللبنانية، بفضل اقتصاد مواز مستقل بموارده عن الاقتصاد الوطني، ناهيك عن القدرة المشهودة في السيطرة على مفاصل الدولة اللبنانية، كلها عوامل تجعل جمهور "الثنائي الشيعي" يعتقد بقدرته على النجاح والازدهار في معزل عما يرى اللبنانيون الآخرون وعن تقييمهم لمجريات الماضي القريب.

يبدو شديد الغرابة تمسك البعض بمقولة "الجيش والشعب والمقاومة" كبديل عن استراتيجية دفاعية تكون فيها حماية لبنان مسؤولية الدولة وقواتها المسلحة حصرا

وما كانت الطوائف الأخرى لتسلك سلوكا أكثر تصالحا مع المكونات الطائفية أو السياسية الأخرى، على ما تشهد التجارب المخزية منذ قيام "لبنان الكبير" إلى اليوم من هوس بإخضاع الآخرين– غالبا من خلال الاستقواء بالجيوش الأجنبية– والاعتقاد بأن الجماعة التي مالت موازين القوى لمصلحتها هي الأكثر فلاحا في تشخيص مصلحة الوطن.

من هنا، يبدو شديد الغرابة تمسك البعض بمقولة "الجيش والشعب والمقاومة" كبديل عن استراتيجية دفاعية تكون فيها حماية لبنان مسؤولية الدولة وقواتها المسلحة حصرا. فالجيش تحمّل عبء الكوارث التي نزلت بلبنان ومن "الفيتو" متعدد المصادر على إعادة بنائه. والشعب موضع تساؤل عميق، حيث يبدو أن ما من شيء يتفق عليه حملة الجنسية اللبنانية ليحملوا صفة "الشعب" في المقام الأول. في حين أن "المقاومة" بينت الحرب الأخيرة الحدود التي تستطيع فيها الدفاع عن لبنان وهي شديدة التواضع على ما يُفهم من عدد الضحايا والدمار الهائلين.

بيد أن كل ذلك لا يثني "الثنائي الشيعي" ولا يحضه على إعادة النظر في الطريقة التي يريد أن يشارك في السلطة من خلالها. والعودة إلى زمنه الذهبي... كأن شيئا لم يكن. وربما كان الخطأ الذي وقع في كلمة الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم بإعلانه رفض "الحزب" تمديد وقف إطلاق النار في الجنوب رغم أن الموافقة الرسمية كانت قد صدرت قبل يوم، يشير إلى العالمين المتوازيين اللذين يعيش فيهما لبنان.

font change